Flag Counter

Flag Counter

Friday, October 28, 2022

النظام العالمي الجديد, بداية النهاية للإتحاد الأوروبي

في السابق, كانت الدول الاستعمارية الأوروبية تطلق على دولة الخلافة العثمانية لقب "رجل أوروبا المريض," أما حاليا فإن أوروبا يطلق عليها "القارة العجوز" بسبب انخفاض معدل المواليد وزيادة نسبة المتقاعدين من كبار السن مما يؤدي إلى عدم دخول أيدي جديدة إلى سوق العمل وبالتالي الضغط على نظام التقاعد.

إنَّ عملية تأسيس الإتحاد الأوروبي نابعة من مصالح الولايات المتحدة والدول الأوروبية الجيوسياسية والإقتصادية. الظروف التي مرَّ بها العالم خلال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية أدَّت الى عدم شعور دول أوروبا بالأمان وكان هناك خوف من نشوب حرب أخرى أو عودة القوى السياسية المتطرفة مثل الفاشية أو النازية. ولكن هناك أمر آخر قد يكون ثانويا بالنسبة إلى بعض المحللين والمختصين وهو مصلحة الولايات المتحدة في دعم قيام كيان قوي ينافسها في تحقيق الهيمنة الإقتصادية والسيطرة على العالم.

الولايات المتحدة ومن خلال خطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا قدَّمت لها قبلة الحياة. دول أوروبا كانت مع إنتهاء الحرب العالمية الثانية في حالة يرثى لها, مدن بكاملها تمت تسويتها بالأرض,بنية تحتية وصناعية مدمَّرة, إنقسام سياسي وناتج محلي إجمالي منخفض للغاية. أكثر الدول تأثرا هي فرنسا, إيطاليا وألمانيا. الولايات المتحدة قدَّمت القروض والمنح كما أنها زوَّدَت أوروبا بالطاقة الرخيصة وفتحت الأسواق الأمريكية أمام البضائع الأوروبية.

وحدة الدول الأوروبية خلال تلك الفترة كانت تحقِّقُ المصالح الأمريكية وهناك سببان, الأول إتفاقية بريتون وودز, والثاني هو الحرب الباردة حيث كانت الولايات المتحدة في حاجة إلى حلفاء.

إتفاقية بريتون وودز ١٩٤٤م رسمت ملامح النظام العالمي إقتصاديا وسياسيا خلال تلك المرحلة من التاريخ وذلك من خلال فرض الدولار عملة احتياطية عالمية مقابل معادلة سعرية تربطه مع الذهب وهي ٣٥ دولار/أونصة حيث يمكن للدول التي لديها احتياطي من الدولار مبادلته بالذهب. كما تم تأسيس صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي كانت مهمتها تتلخص في المحافظة على إستقرار أسعار الصرف وإدارة القروض التي يتم تقديمها من أجل إعادة إعمار أوروبا.

ولأن النظام الرأسمالي أو حتى أكون أكثر دقة رأسمالية النظام المصرفي أو رأسمالية المصارف بتعبير أخر ولأنها رأسمالية أزمات وكوارث لايمكن لها الإستمرار بدون البحث عن أعداء أو إفتعال الأزمات من أجل إستمرار زيادة الطلب على الدولار ومبيعات الأسلحة حيث حذَّر الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور من تغلغل المجمع الصناعي-العسكري في الإقتصاد الأمريكي وتعاظم نفوذه السياسي. الحرب الباردة وفَّرت ذلك الذريعة التي جعلت الولايات المتحدة تستمر في طباعة الدولار وبيع الأسلحة الى دول أوروبا, آسيا وإفريقيا ولاحقا الشرق الأوسط. الحرب الكورية, العدوان الثلاثي على مصر, حرب ١٩٦٧, حرب رمضان ١٩٧٣ هي من نتائج الحرب الباردة والصراع بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي.

إنَّ النظام الرأسمالي ومن خلال ظروف تاريخية مماثلة في أوروبا كما في الولايات المتحدة تحكم وجوده وإستمراره تجعل من الممكن التوسع والإنتشار في أسواق جديدة وبالتالي زيادة الكتلة النقدية وسرعة دوران رأس المال وتحقيق المزيد من الأرباح, إستعمار إقتصادي تحوَّل الى أمر واقع من خلال إتفاقيات التجارة الحرة ضمن إطار ومفهوم العولمة.

الإتحاد الأوروبي هو عبارة عن كتلة غير متجانسة من الشعوب, الثقافات, الأديان واللغات المختلفة التي لا تجمعها أي روابط سوى المصلحة الإقتصادية المشتركة بين أعضائه التي لايمكن تحقيقها في أوروبا التي تخشى من تعاظم نفوذ الإتحاد السوفياتي وحلف وارسو. الولايات المتحدة ومن أجل الحفاظ على مصالحها وفرض هيمنتها العسكرية, قامت بتأسيس حلف الناتو الذي ضمَّ عددا من دول الإتحاد الأوروبي. كما تم الإعلان في تسعينيات القرن العشرين الإعلان عن إعتماد اليورو عملة رسمية للاتحاد الأوروبي. وقد كان من الضروري من أجل إستمرار اليورو زيادة الكتلة النقدية مع الحد الأدنى للآثار الجانبية المحتملة خصوصا التضخم. الإتحاد الأوروبي يتوسع بإستمرار ويضم دولا جديدة بالتوازي مع الجانب العسكري الذي يتمثل في توسع الناتو.

إن سياسة التوسع الأوروبية الى حدود دولة روسيا الإتحادية وريثة الإتحاد السوفياتي قد أدَّت الى عدة أزمات لعلَّ بدايتها كانت في جورجيا وحاليا قد تكون الأزمة الأوكرانية هي المسمار الأخير في نعش الإتحاد الأوروبي حيث تلعب الولايات المتحدة دورا رئيسيا في تلك الأزمات المفتعلة. التاريخ يعلمنا أنه لا أصدقاء دائمون لكن مصالح دائمة والسياسة الأمريكية تتبع ذلك المبدأ حرفيا وبكل دقَّة.

هناك عدة أزمات سياسية وإقتصادية تعاني منها أوروبا حاليا والتي سوف تؤدي في النهاية الى تفكُّك الإتحاد. أزمة اللاجئين التي كان سببها الرئيسي عمليات التدخل الغربي في سوريا على هامش الربيع العربي كانت السبب الرئيسي في انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي والانقسام السياسي بين دول الإتحاد. أزمة الطاقة التي ضربت الاقتصاد الأوروبي بعنف كانت نتيجتها ظهور الحركات النازية والفاشية مرة أخرى حيث فازت الأحزاب اليمينية المتطرفة في الإنتخابات في كل من السويد و إيطاليا بينما تتزايد شعبيتها في فرنسا وهناك مخاوف من ظهورها مرة أخرى في ألمانيا حيث تتزايد شعبيتها.

أعيدها وأكررها مرة أخرى أننا يمكن أن نتعلم الكثير من دروس التاريخ ومن الأحداث التاريخية. الحرب العالمية الأولى كان سببها الرئيسي بداية ظهور الحركات القومية ثم النزاع بين بريطانيا وألمانيا على حركة التجارة العالمية. الحرب العالمية الثانية كان العامل الرئيسي فيها هو الإقتصاد حيث أدى التضخم المفرط الذي عانت منه المانيا الى وصول هتلر هتلر و النازية الى الحكم وقبل ذلك وصل الفاشيون بزعامة بينيتو موسوليني الى الحكم في إيطاليا. الإقتصاد هو السبب الرئيسي الذي يخفي خلفه كل الخلافات والنزاعات والأزمات الأخرى حيث تكون الحرب هي الحل الأخير بسبب عجز الدول عن تسوية خلافاتها من خلال الهيئات والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والجات ومنظومة العولمة ونظامها الرأسمالي.

السؤال المطروح حاليا عن الأزمة الأوكرانية التي يبدو أن العامل الإقتصادي يطغى بشكل رئيسي على جميع العوامل الأخرى حيث انخفض سعر اليورو مقابل الدولار الى مستويات غير مسبوقة تاريخيا مما أدى الى أزمة اقتصادية لم هي الأكثر تأثيرا على أوروبا منذ أربعين سنة بل وأكثر تأثيرا من أزمة ٢٠٠٨ الإقتصادية حيث لم يكن عامل إمدادات الطاقة حاضرا بقوة كما هو الآن.

هل سوف تكون الأزمة الأوكرانية هي بداية النهاية للإتحاد الأوروبي مما يؤدي الى تفكُّكِه وظهور نظام عالمي جديدة متعدِّد الأقطاب أم سوف نعود الى عالم القطب الواحد حيث الهيمنة الأمريكية على العالم؟

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment