Flag Counter

Flag Counter

Tuesday, October 11, 2022

العبودية والرأسمالية, وجهان لعملة واحدة

إنَّ المبادئ الرئيسية للرأسمالية كما وردت في كتاب "ثروة الأمم" للإقتصادي والمفكر الإسكتلندي آدم سميث هي ثلاثة: الأول هو أولوية تحقيق الربح على المنفعة العامة, الثاني هو مبدأ "دعه يعمل دعه يمر," بينما الثالث هو مصطلح "اليد الخفية" والذي يمكن تلخيصها هي أن مصلحة الفرد من الممكن أن تتحقَّق من خلال مصلحة الجماعة والعكس صحيح وذلك يعود الى عوامل غير ظاهرة(ملموسة) تعمل مع بعضها البعض من خلال مجموعة من المبادئ والقيم الاقتصادية والاجتماعية.

العبودية هي ظاهرة قديمة للغاية منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها. العالَم الروماني الذي ظهر للوجود بعد بروز الإمبراطورية الرومانية قوة عسكرية اعتمد بشكل رئيسي على العبيد الذي كان يتم شرائهم أو أسرهم خلال الحروب. حتى أنَّ العبد كان من الممكن أن يكسب حريته ويصبح مواطنا رومانيا لو خدم في الجيش فترة زمنية محدَّدَة. إن تلك الظاهرة ليست قاصرة على الرومان بل البابليون ومن بعدهم الاشوريين إحتلوا فلسطين وقاموا بسبي اليهود واستعبادهم. الإمبراطورية الفارسية كانت تقوم بتجنيد العبيد بكثافة في جيوشها وتدفع بهم في المعارك في الصفوف الأمامية.

العبودية والرأسمالية مرتبطتان إرتباطا وثيقا لأن عملية التراكم الرأسمالي الأولي التي أدَّت الى تمويل إختراع المحرك البخاري ثم محرك الإحتراق الداخلي كانت جذورها في القطاع الزراعي والتجاري المرتبط بالعبودية حيث كان يتم بيع وشراء العبيد للعمل في المزارع في المستعمرات وفي البلد الأم.

هناك ثلاثة أبعاد للعبودية. الأول هو أن يقوم شخص ما بشراء آخر وبذلك يمتلكه ملكية قانونية مثله مثل أي سلعة أخرى يقوم بشرائها مثل المنزل أو السيارة. الثاني هو العبودية الإجتماعية الإقتصادية والتي تعني أن يقوم شخص بإستخدام شخص آخر ويستولي على حصيلة نشاطه الجسدي أو الذهني. الثالث هو العبودية الروحية والفكرية وهي عبارة عن مجموعة من القيم والمبادئ والعادات التي يتم فرضها على الشعوب من خلال الهيمنة الدعائية.

هناك أمر مهم للغاية وهو أن الرابط بين العبودية والرأسمالية يمكن تلخيصه بما يلي: هناك عبودية بدون رأسمالية ولكن لا يمكن أن تكون الرأسمالية بدون العبودية. ولكن مفهوم العبودية المرتبطة مع الرأسمالية ليس وفق مفهومها أيام الإمبراطورية الرومانية أو حتى البريطانية ولكن العبودية المعاصرة أو حتى أكون أكثر دقة, العبودية المأجورة وهي أشدُّ قسوة من العبودية الكلاسيكية التقليدية.

إنَّ العبودية المأجورة هي عبودية الشركات حيث يعمل شخص ما من الصباح الى المساء مقابل راتب شهري لا يتوازي مع تكاليف المعيشة ونسبة التضخم مما يضطره الى الإستدانة سواء من البنوك أو شركات الإقراض العقاري من أجل شراء سيارة أو منزل حيث من النادر أن تجد أي شخص يعيش في دولة غربية يمتلك سيارة أو منزل دفع ثمنها نقدا. الطالب الجامعي ضحية أخرى من ضحايا العبودية المعاصرة حيث يمضى عشرة سنين أو أكثر بعد تخرجه وهو يدفع أقساط قرض الطالب الجامعي وعشرين سنة أخرى وهو يدفع ثمن المنزل والسيارة بالأقساط مع ما يترتب على ذلك من فوائد.

إن طباعة العملة وإصدار النقد غير ممكن في اقتصادنا المعاصر بدون الديون وبسبب ذلك هناك مصطلح النقد الائتماني. البنوك المركزية في أغلب دول العالم هي عبارة عن مؤسسات خاصة يملك أسهمها مستثمرون أجانب وتصدر النقد مقابل سندات الدين التي تدفع عنها الدولة فوائد مصدرها الرئيسي هي العائدات الضريبية على الدخل و الاستيراد والرسوم التي تفرض على مختلف أنواع الخدمات العامة. البنوك المركزية وفق طريقة عملها الحالية هي أحد أهم عناصر العبودية المعاصرة وهي تعمل بمثابة الصِلَة بين العبودية والرأسمالية.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية




No comments:

Post a Comment