بداية الحديث عن حرب رمضان/1973 أن الرئيس المصري أنور السادات والذي كان يخوض صراعا شرسا مع ما يسمى الإتحاد الاشتراكي, التنظيم السياسي الوحيد خلال حقبة الرئيس جمال عبد الناصر, ومع رئيس الإتحاد علي صبري, كان في حاجة الى نصر عسكري على دولة الكيان الصهيوني يمنحه شيكا سياسيا على بياض حيث من الممكن أن يضرب عصفورين بحجر واحد: أولا, يصفي حساباته مع الإتحاد الإشتراكي ويصبح رئيس مصر بلا منازع. أما الثاني, تحقيق نصر عسكري يستعيد بواسطته سيناء ويمهد للتطبيع بين مصر ودولة الكيان الصهيوني وهو أمر كان السادات يسعى إليه بشدة منذ توليه كرسي الرئاسة. والحقيقة أن الإتحاد الإشتراكي كان يرى في أنور السادات بديلا ضعيفا للرئيس السابق جمال عبد الناصر. كما حامت شكوك حول تورط السادات في إغتيال الرئيس المصري بواسطة السم خصوصا أن أنور السادات كان ضابط الإتصال بين تنظيم الضباط الأحرار والإخوان المسلمين وهناك إشاعات قوية أنه كان عضوا في التنظيم الخاص, الجناح العسكري للإخوان المسلمين. تلك الشكوك تعززت فيما بعد من خلال انفتاح السادات على الإسلاميين والسماح بعودة المنفيين منهم وسيطرتهم على النقابات والاتحادات الطلابية مقابل تقديم الدعم له في معركته السياسية مع الإتحاد الإشتراكي.
السادات كان يريد حرب تحريك(هدف سياسي محدود) لا حرب تحرير لأنه كان يعرف أن قدراته وإمكانياته لن تسمح له بهزيمة جيش الإحتلال الإسرائيلي وأن الولايات المتحدة لن تسمح بذلك. حتى أنه هناك تقارير حول إستعداد سلاح الجو الإسرائيلي وبمساعدة أمريكية توجيه ضربة نووية تكتيكية(محدودة) الى العاصمة المصرية عندما مالت كفة الحرب الى الجانب المصري. ولكن السادات كان متأكدا أنه لايمكنه القيام حتى بحرب تحريك دون القتال على جبهتين, الجبهة المصرية والجبهة السورية. ولكن سوريا وقيادتها كانت ترغب في خوض حرب تحرير حيث احتلت إسرائيل هضبة الجولان خلال حرب 1967 والتي تعتبر أرض زراعية خصبة وفيها الكثير من مصادر المياه. الرئيس المصري عمل بنصيحة قياداته ومنهم رئيس هيئة الأركان سعد الدين الشاذلي على تقديم خطة جرانيت/2 الى الرئيس السوري خلال زيارته الى مدينة برج العرب في مدينة الإسكندرية حيث تقع استراحة للرئيس المصري بينما على أرض الواقع, إعتمدت القيادات العسكرية المصري خطة المنارات العالية الأكثر تواضعا. ولك السادات لم يكتفي بخداع السوريين ولكنه خدع حتى حلفائه في الإتحاد السوفياتي وقدَّم لهم خطة بإسم العملية 41(غرانيت/2) وذلك حتى يكون ذلك مبررا من أجل طلب المزيد من السلاح والعتاد.
الإختلاف بين الحليفين, السوري والمصري, كان واضحا من البداية. القيادة العسكرية السورية كانت ترغب في أن تتقدم القوات السوري وتحرر الجولان بينما القوات المصرية تتقدم مستغلة عنصر المفجأة وتحرر سيناء وصولا الى مضيقي متلا والجدي الأهم من بين مجموعة من الممرات الحيوية في شبه جزيرة سيناء. والحقيقة أن الخلاف حول الأولويات داخل القيادة العسكرية المصرية قد أطاح بوزير الدفاع المصري محمد صادق حيث شغل المنصب أحمد إسماعيل والذي كان مؤيدا أكثر من سابقه لخطط رئيس هيئة الأركان والرئيس المصري بخصوص اختراق خط بارليف الى مسافة 10-12 كم واتخاذ وضعية دفاعية من أجل البقاء تحت حماية مظلة الصواريخ المضادة للطائرات. وقد تأجل موعد الحرب أكثر من مرة بناء على طلب الرئيس السوري من أجل أن يستوفي الجيش المصري العتاد والسلام ممايلزم تحقيق خطة التقدم نحو المضائق في شبه جزيرة سيناء.
إن عمليات الخداع المصرية قد أدت الى أن سلاح الجو الإسرائيلي قد إستخدم كامل طاقاته ضد القوات السورية المتقدمة في الجولان المحتل والتي كانت قد عبرت الخط الأرجواني ونجحت في السيطرة على المرصد العسكري في جبل الشيخ. والنتيجة أن القوات السورية قد تكبدت خسائر في العتاد والجنود ووصلت القوات الإسرائيلية الى مسافة 600 كم من العاصمة دمشق حيث تصدى لها الجيش السوري عند خط دفاع أقيم بالقرب من قرية سعسع وتم حصار قوات إسرائيلية مما أجبرها على الانسحاب. وقد كان ذلك على الجبهة السورية, أما على الجبهة المصري فقد كانت نتيجة تهور الرئيس المصري وإصدار أوامر تطوير الهجوم هي معركة وادي مبعوق حيث تكبدت 400 دبابة مصرية خسائر فادحة لأنها تحركت في عمق شبه جزيرة سيناء بدون دعم شبكة الصواريخ المضادة للطائرات أو تغطية من سلاح الجو المصري. قرار تحريك الدبابات تلك المعركة قد كان قرارا سياسيا ليس له قيمة عسكرية لأنه تم اتخاذه في وقت متأخر حيث كان سلاح الجو الإسرائيلي قد أوقف تقدم الجيش السوري في الجولان وبدأ بشن غارات عنيفة مرة أخرى على الدبابات المصرية المتقدمة في سيناء. النتيجة الكارثية لذلك القرار على الجانب المصري كان ثغرة الدفرسوار وحصار الجيش الثالث الميداني حيث خاضت القوات المصرية معارك شرسة من أجل إغلاق الثغرة منها معركة المزرعة الصينية ومعركة تحرير مدينة السويس التي دخلتها قوات مدرعة وعدد من كتائب المشاة الإسرائيلية.
وفي ختام الموضوع, هناك عنصر المفاجأة في حرب أكتوبر/1973. والحقيقة أنه لم تكن هناك مفاجأة لأن القيادة السياسية الإسرائيلية كانت على إطلاع كامل على خطط الحرب التي تسربت إليهم من الجانب المصري عبر كمال أدهم(*) الذي نقلها فورا الى مستشار الأمن القومي هنري كيسنجر حيث قام الأخير بإطلاع السفير الإسرائيلي في العاصمة الأمريكية على تلك الخطط والذي قام بدوره بإطلاع القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية عليها. هنري كيسنجر منع إسرائيل من توجيه ضربة استباقية بعد أن أصبح المعلومات حول هجوم مصري/سوري وشيك في حكم المؤكدة ومنع عنها الإمدادات العسكرية خلال الأسبوع الأول من الحرب حتى لاتتصرف بطيش وتحافظ على اتفاقها مع كيسنجر حول عدم تطوير الهجوم الإسرائيلي غرب القناة(**). كما أن الولايات المتحدة لعبت دورا رئيسيا في معركة ثغرة الدفرسوار حيث أطلعت القيادة العسكرية الإسرائيلية على معلومات حصلت عليها بواسطة طائرة إستطلاع فائقة السرعة خول وجود ثغرة بين الجيشين المصريين, الثاني والثالث.
* كمال أدهم شخصية محورية في العلاقات المصرية/السعودية حيث شغل عدة مناصب منها مستشار الملك فيصل عبد العزيز آل سعود. كما أنه كان الأخ غير الشقيق لزوجة الملك عفت الثنيان.
** كانت أهداف القوات الإسرائيلية خلال معركة ثغرة الدفرسوار هي القضاء على الجيش المصري الثاني وحصار الجيش المصري الثالث عبر قطع خطوط إمداده من خلال احتلال مدينة السويس حيث لم يمكنهم ذلك بسبب المقاومة الباسلة للمقاومة الشعبية وحامية من قوات الجيش المصري الثالث والقوات الخاصة المصرية. الهدف النهائي كان القضاء على الجيش المصري وتحطيمه حتى لا تقوم له قائمة الأمر الذي كان يخالف إتفاق كيسنجر والسادات مع القيادة السياسية الإسرائيلية.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment