أستغرب وجهة النظر السطحية التي يتبناها البعض حول الولايات المتحدة والديمقراطية الغربية. والحقيقة أن الذباب الإلكتروني الأمريكي(فريق التواصل الإلكتروني) التابع لوزارة الخارجية الأمريكية يقوم بعمله على أكمل وجه في الدفاع عن وجهة النظر الأمريكية حتى لو كانت تعبِّر عن صواب مقتل أكثر من نصف مليون طفل عراقي في سبيل إسقاط صدام حسين والإستيلاء على نفط العراق. ولكن هناك مفهوم خاطئ عند الكثيرين بأن الولايات المتحدة دولة ديمقراطية. أولئك العرب المغفلون لايفهمون من الديمقراطية إلا أنهم أحرار في مواعدة النساء ومشاهدة الأفلام الأمريكية وأن يأكلوا همبرغر من ماكدونالد. العرب أمة لا تقرأ وذلك يجعل من السهل على البروباغندا الغربية أن تغسل دماغهم عبر الدعاية المضللة.
لست أفهم كيف أن بلدا ديمقراطيا من الممكن فيه شراء مواقف السياسيين عبر تقديم رشوة لهم يطلقون عليها تبرعات. إن المال السياسي في الولايات المتحدة يعتبر مشكلة كبيرة ويعرض مصداقية العملية الإنتخابية للخطر. المحكمة العليا الأمريكية أصدرت قرارا سنة 2010 في قضية (Citizens United v. Federal Election Commission) أنه يحق للشركات تقديم تبرعات غير محدودة بشرط أن لاتكون مرتبطة بالعملية الإنتخابية وهو مايمكن التلاعب به بسهولة. شركات النفط الأمريكية كانت سباقة في تقديم التبرعات الى حملة دونالد ترامب الإنتخابية حيث أنه وبعد شهرين فقط من توليه منصبه, منح الرئيس الأمريكي موافقته على مشروع قانون بناء خط نقل النفط كيستون( Keystone XL) وهو مشروع مشترك لنقل النفط بين الولايات المتحدة وكندا. هيلاري كلينتون التي كانت منذ أيام زوجها الرئيس السابق تنادى بقانون رعاية صحية شامل, قبضت مئات الآلاف من الدولارات عبر لوبيات الضغط التي تمثل شركات التأمين الطبي والرعاية الصحية. وقد استمرت في ذلك حتى عندما فازت في انتخابات مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك.
خدمة تقديم الإنترنت السريع في الولايات المتحدة تحتكرها بشكل رئيسي شركتان هما: كومكاست و تشارتر حيث تتقاسمان خارطة توزيع الإنترنت فيما بينهما. الشركتان تتبرعان بمبالغ مالية ضخمة الى أحد لوبيات الضغط (ALEC) من أجل الحفاظ على الوضع القائم ومنع المدن الأمريكية من الحصول على الإنترنت الخاص بها. أحد تلك المدن هي مدينة تشاتانوغا في ولاية تينيسي والتي تمت مقاضاتها من شركة كومكاست مرتين وتمكنت المدينة من الفوز في تلك الدعاوى. مدينة تشاتانوغا هي رابع أكبر مدن ولاية تينيسي حيث تقع جامعة الولاية وقد حصلت على منحة حكومية سنة 2008 مخصصة من أجل مساعدة بعض المدن الأمريكية الأكثر تضررا من الأزمة المالية العالمية. إدارة المدينة قررت تخصيص تلك المنحة من أجل بناء شبكة الإنترنت السريع الخاص بها بعيدا عن سيطرة شركات الإنترنت وإحتكاراتها وخدمتها السيئة. النتيجة كانت أن المدينة تحولت الى مركز إنترنت حيث قامت شركات التكنولوجيا بفتح مقرات لها وانخفضت نسبة البطالة الى أدنى مستوياتها مقارنة مع معدل البطالة القومي. الإنترنت تحولت من رفاهية الى أحد الحقوق الأساسية على قدم المساواة حق الحصول على مياه نظيفة وكهرباء بسعر مقبول.
ولكن ذلك ليس نهاية قصة الولايات المتحدة مع شركات الإنترنت وخدماتها السيئة. هناك 3 ملايين طفل في الولايات المتحدة لا يتمكنون من أداء فروضهم المنزلية بشكل مناسب لأنه ليس لديهم خدمة إنترنت أو ان الخدمة منخفضة الجودة. الأطفال الذين يعيشون في مناطق الأقليات أو حيث يعتبر ذوي البشرة السوداء أغلبية سكانية معرضون للتمييز من شركات الإنترنت التي لا تهتم بتوفير خدمة جيدة في مناطقهم مساواة مع مناطق أخرى حتى داخل المدينة نفسها يسكنها البيض أو الأثرياء. مدينة كوتشيلا في ولاية كاليفورنيا كانت تعاني من سوء خدمات الإنترنت حيث قرر مجلس المدينة توفير إنترنت عالي السرعة عبر الباصات ووسائل النقل العامة خارج أوقات الإستخدام ووضع تلك الباصات في أماكن محددة هي الأكثر تضررا. النتيجة كانت إرتفاع نسبة التخرج من المدارس الثانوية في المدينة 8%. مدينة ويلسون في ولاية نورث كارولاينا نجحت في بناء شبكة الإنترنت الخاصة بها حيث تفوقت في جودة الخدمة على شركات الإنترنت 200%.
الولايات المتحدة ليست دولة رأسمالية برأي الشخصي إن كان هناك دولة قائمة بل عبارة عن احتكارات وعدد قليل من الشركات وبنوك وول ستريت. لايمكن أن تكون الولايات المتحدة دولة رأسمالية لأن فكرة الرأسمالية هي ضد الاحتكارات وضد تدخل الدولة في عمل الأسواق. ولكن تلك الشركات الاحتكارية والبنوك التي توصف من أنها أكبر من أن تفشل سارعت الى المطالبة بتدخل الدولة وإنقاذها من الإفلاس على الرغم من تحقيقها أرباحا خيالية لعشرات السنين. ولكن نفس أولئك المطالبين بأن تنقذهم الحكومة الأمريكية من الإفلاس, سوف يعارضون زيادة تمويل المدارس الحكومية أو قيام الحكومة بتوفير تعليم جامعي مجاني أو نظام صحي شامل يماثل مادى كندا أو دول أوروبية. تلك برأي الشخصي ليست ديمقراطية بل دولة فاشلة في حماية مصالح مواطنيها حيث هناك فجوة شاسعة جدا بين رغبات الناخبين, الوعود الإنتخابية ومايتم تحقيقه على أرض الواقع.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment