Flag Counter

Flag Counter

Tuesday, May 26, 2020

العدالة في الولايات المتحدة, فاقد الشيئ لا يعطيه

لا يوجد شك بأن الولايات المتحدة هي بلد راقي ومتقدم. تتفوق الولايات المتحدة على دول العالم الأخرى في أن لديها تمثال الحرية, مدينة نيويورك التي يقع فيها مقر الأمم المتحدة, فريق كرة السلة(Dream Team) وأكبر عدد من السجناء في العالم مقارنة مع عدد السكان. الحقيقة أن الولايات المتحدة لديها نسبة سجناء أكثر من الصين وروسيا مجتمعتين, 5% من عدد سكان العالم و 25% من عدد السجناء. الولايات المتحدة هي معقل الرأسمالية حيث البحث عن الربحية هو أولوية على المصلحة الإنسانية, ازدهرت صناعة السجون الخاصة حيث يتم إرسال شخص ما الى السجن بواسطة القاضي لأن الشركة التي تدير السجن لديها عقد حكومي ينص على حد أدنى من السجناء في أي وقت من السنة.
أي نظام عدالة في العالم ينص على أن كل متهم بريء حتى تَثبت إدانته. ولكن في الولايات المتحدة, دائما يجدون الحل المناسب من أجل تجاوز ذلك وجعل نظام العدالة مربحا من الناحية الإقتصادية وأقرب الى شركة خاصة منه الى الإدارة الحكومية. ومن أجل حل تلك المعضلة, هناك نظام الكفالة. كل شخص يتم اعتقاله ولا يرغب في إنتظار فترة محاكمته في السجن, عليه أن يدفع كفالة نقدية يقررها القاضي وتتناسب مع طبيعة التهمة الموجهة إليه. ولكن كثير ممن يتم اعتقالهم لا يملكون المال اللازم من أجل دفع تلك الكفالة أو توكيل محامي وعليهم الإنتظار من أجل النظر في قضيتهم من محامي تعيِّنُهُ المحكمة وتحديد موعد من أجل المحاكمة وهي عملية قد تكون بطيئة ومؤلمة وتستغرق سنوات في بعض الحالات. هناك أشخاص امتدت فترة اعتقالهم الى 3 سنوات وخرجوا من السجن بقرينة البراءة ولكن رافقتهم جراح نفسية لايمكن التئامها حيث أنهى بعضهم حياته بالانتحار. 
التعديل الثالث عشر من الدستور الأمريكي منح الحرية لكل مواطن أمريكي. إنه القانون الذي أقرَّه الرئيس الأمريكي إبراهام لنكولين والغى من خلاله العبودية إلا أن تكون معتقلا أو سجينا تقضي فترة عقوبتك. ولكن كان لابد من القيام بذلك والسبب هو أن اقتصاد الولايات الجنوبية كان يعتمد على العبودية خصوصا في مزارع القطن. وقد كان ذلك على وشك الإنهيار لأنه بين يوم وليلة, تم تحرير اربعة ملايين من الأيدي العاملة من العبيد. ولكن في الولايات المتحدة, تحرير العبيد في النهار إعتقالهم في الليل وزجِّهم في السجون لهم تسخيرهم في كافة أنواع العمل الشاق بدون حقوق وبدون أجر. إن أغلب المعتقلين في السجون الأمريكية هم من الأمريكيين الأفارقة الذين كان يتم اعتقالهم وبأعداد كبيرة. وسائل الإعلام المختلفة بدأت في شيطنة العبيد المحررين ووصف الأمريكيين من ذوي الأصول الإفريقية بأنهم خطر على المجتمع. حتى في عصرنا الحالي, يتم إنتاج البرامج التلفزيونية مثل برنامج (Cops) حيث ترافق كاميرا المصور رجال الشرطة, يطغى العنصر الأمريكي من ذوي البشرة الملونة على عمليات الإعتقال. 
الإعلام الأمريكي يستهدف المواطنين الأمريكيين من أصول إفريقية والأقليات ويقدم تغطية منحازة بوقاحة الى العنصر الأبيض في المجتمع. على سبيل المثال في توصيف الجرائم مثل جريمة إطلاق نار جماعي في مدرسة أمريكية وهي مناسبة روتينية متكررة في أكثر من ولاية أمريكية. لو كانت هوية مطلق النار عربي أو مسلم(إرهاب), أمريكي/إفريقي(كراهية), أما لو كان مطلق النار أمريكي أبيض(جريمة جنائية). سنة 1992, اندلعت أحداث شغب واسعة النطاق في مدينة لوس أنجلوس بسبب تبرئة 4 من رجال الشرطة قاموا بالإعتداء بوحشية على عامل بناء أسود يدعى رودني كينغ حيث نجح مصور هاوي بتصوير الواقعة ونشرها. ولكن منذ سنة 1992 الى يومنا هذا, لم يحصل اي تقدم في معالجة ملفات التمييز العنصري و استخدام أفراد من الشرطة وبدون سبب مقنع أو تهديد على حياتهم القوة المفرطة في عمليات إعتقال مواطنين أمريكيين من ذوي البشرة السوداء.
ولكن تلك ليست حوادث فردية بل عمليات قتل ممنهجة لها علاقة بقوانين تحمي القتلة من رجال الشرطة وهي مستمرة حتى يومنا هذا. كما أن نقابات الشرطة لها دور كبير في تقديم الحماية لرجال الشرطة المذنبين من خلال التفاوض على بنود قانونية تمنحهم حصانة قضائية حتى لو كانوا مخطئين. رودني كينغ كان محظوظا لأنه خرج ربما ببعض الكسور والكدمات ولكن مايكل براون إبن الثامنة عشر عاما لم يكن كذلك الذي قتل بدم بارد من شرطي في مدينة فيرجيسون, أحد ضواحي مدينة سانت-لويس ميسوري. تريفون مارتين قتل سنة 2012 في ولاية فلوريدا من أحد حراس الأحياء على الرغم من أنه لم يقم بأي عمل من شأنه تهديد سلامة الحارس أو سلامة المنطقة حيث كان يسير تحت المطر مرتديا سترة ذات غطاء للرأس. إريك غارنر مواطن أمريكي أسود قتل سنة 2015 في مدينة نيويورك بعد أن تعرض للخنق حتى الموت من عدد من رجال الشرطة حاولوا إعتقاله بتهمة بيع سجائر مهربة على الرغم من انتفاء الحاجة الى إستخدام العنف المفرط حيث شاهد الجميع فيديو عملية الإعتقال. قُتِلَ إريك غارنر مخلفا وراءه ستة أطفال بدون أبيهم وبدون معيل. المشكلة هي العنصرية التي لم تنتهي من الولايات المتحدة حتى يومنا هذا. بل وقد إزدادت تلك المشكلة تفاقما حيث كانت عمليات القتل في السابق تتم حصريا من طرف الشرطة ولكن تزايد عمليات إطلاق النار من الأمريكيين البيض ضد نظرائهم السود تنذر بخطر عودة ثقافة جماعات كوكلوكس كلان العنصرية الى المشهد الاجتماعي والسياسي في الولايات المتحدة. والسؤال هو كيف يمكن لدولة لا تستطيع أن تحمي مواطنيها وتؤمن لهم الحد الأدنى من العدالة أن تنشر العدالة وحكم القانون والحريات في دول أخرى؟
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment