هناك أمر واقع, القارة الأوروبية التي يطلق عليها لقب العجوز مصابة بالذعر من تمدد المسلمين سواء عن طريق الهجرة أو معدل الولادات المرتفع للمسلمين في الدول الأوروبية. على سبيل المثال, هناك 5 ملايين مسلم فرنسي من أصل تعداد السكان في فرنسا والذي يبلغ 67 مليون تقريبا. وخلال فترة الأزمة في سوريا منذ نهاية سنة 2010 وبداية سنة 2011, وصل الى أوروبا وتحديدا الى ألمانيا أكثر من مليون لاجئ أغلبهم مسلمين. الدول الأوروبية تعاني من معدل ولادات منخفض للغاية خصوصا في دول مثل إسبانيا, اليونان وإيطاليا. وفي دولة مثل الدانمرك, تقوم محطات تلفزيونية ببث إعلانات حكومية مدفوعة الأجر تحث المواطنين على الإنجاب حيث يستجيب عدد كبير من المواطنين من أصول عربية ومسلمة لتلك الإعلانات بينما يحجم المواطنين الدنماركيين من أصول أوروبية على المشاركة.
أوروبا مصابة بالخوف من الإسلام منذ مئات السنين حيث أنقذت بالصدفة من تمدد الزحف الإسلامي الذي وصل الى ضواحي العاصمة الفرنسية لولا هزيمة جيوش عبد الرحمن الغافقي في معركة بواتييه(بلاط الشهداء). وفي كل سنة, تحتفل إسبانيا في ذكرى الإنتصار على جيوش الموحدين في معركة حصن العقاب حيث يخرجون راية الموحدين ويطوفون بها في الشوارع. إن أزمة الرسوم الفرنسية الساخرة والتي هي عبارة عن إعادة استنساخ أحداث أزمة 2005 التي بدأت في الدانمرك عبارة عن ردة فعل نتيجة الخوف من الضياع وفقدان الهوية. العنف أمر مرفوض وقطع رأس المدرس الفرنسي كان الشرارة التي أشعلت فتيل عمليات عنف متبادلة بين الطرفين خصوصا تكرار حوادث الطعن في فرنسا والتي وصلت الى الوطن العربي حيث تعرض حارس أمن في القنصلية الفرنسية في مدينة جدة السعودية الى الطعن وتمكنت السلطات من القبض على المنفذ.
هناك الكثير من التساؤلات حول السبب الذي دفع المدرس الفرنسي الى عرض تلك الرسوم التحريضية على مجموعة من الأطفال الذين لا يفهمون معناها أو الغاية منها. تخيلوا ردة الفعل من دول مسيحية لو تم عرض رسوم ساخرة عن المسيح على تلاميذ في مدرسة في بلد عربي بإسم حرية الرأي والتعبير. ولكن ذلك ليس قمة جبل الجليد, دعوات مقاطعة المنتجات الفرنسية بدأت بالانتشار في عدة بلدان عربية وتعارضت مع دعوات مقاطعة المنتجات التركية التي بدأت في السعودية وذلك بدوافع سياسية.
ولكن ذلك دفع بعض النخب والمثقفين والإعلاميين الى السؤال:"ماذا لو قرر الغرب مقاطعة العرب؟" ماذا لو قررت دول غربية أن تلعب ورقة إضطهاد المسيحيين والأقليات؟ قد تقرر الولايات المتحدة إيقاف المعونة السنوية التي تدفع الى دول مثل الأردن أو مصر أو قد تقرر دول مثل ألمانيا إيقاف تراخيص إنتاج الأدوية الممنوحة الى شركات أردنية أو كويتية. وأنا هنا أتحدث عن أمور أساسية وضرورية وليس منتجات مثل العطور أو المكياج. إيطاليا قد تقرر إيقاف تصدر كافة أنواع منتجات الألبان والأجبان الى الدول العربية تضامنا مع فرنسا. جامعات الدول الأوروبية قد تقرر طرد عشرات الآلاف من الطلاب العرب أو وقف التعاون العلمي مع الدول العربية التي تنتشر فيها دعوات مقاطعة المنتجات الفرنسية. قد يعتبر البعض أن هناك لعبة مصالح وأن ذلك سوف يمثل خسارة ضخمة للشركات الأجنبية. ولكن دائما هناك أسواق بديلة, فرنسا تعتمد على إفريقيا بما يقدر 500 مليار يورو سنويا وصادرات الدول الأوروبية الى الوطن العربي لا تلعب دورا حيويا في إقتصاد الإتحاد الأوروبي.
إن كل تلك المظاهرات ودعوات المقاطعة في دول عربية وآسيوية مثل الكويت, الأردن أو بنغلاديش ليست إلا حمى مؤقتة حيث سوف يعود أولئك المتظاهرون الى الإصطفاف طوابير أمام السفارات الغربية والأوروبية من أجل الحصول على الفيزا والى مشاهدة المسلسلات والأفلام العربية والغربية الهابطة والى الرقص في الديسكوهات والملاهي الليلية والى النصب والاحتيال والغش وكل أنواع السلوكيات الأخلاقية السيئة والى القبول وبكل الرضا أن تنهب الدول الغربية ثروات بلادهم ولكن المهم أن لا يشتموا الرسول عليه الصلاة والسلام وأن لا يهينون الإسلام في صحفهم ووسائل إعلامهم . وبعد كل ذلك, سوف تعود المنتجات الفرنسية الى أرفف المتاجر والمحلات. وسوف يزيد إنفاق الدول الأوروبية على رفاهية شعوبها من أموال المساعدات التي كانت تدفعها الى أغلب الدول العربية والإسلامية, أموال الشحادة التي كانت تلك الدول تتلقاها بكل سرور وتنشر أخبارها بدون خجل في وسائل إعلامها الرسمية. القمح من أمريكا وروسيا وكندا, الأرز من باكستان والهند, الشاي من سيريلانكا, البن من البرازيل, التكنولوجيا مثل أجهزة الكمبيوتر وأجهزة الهواتف الذكية من الولايات المتحدة, الصين وأوروبا. "ويلٌ لأمة تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تخيط، وتشرب مما لا تعصر."
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment