من الواضح أن فرنسا ومنذ بداية أزمات الربيع العربي بدأت بالحنين الى ماضيها الاستعماري في الشرق الأوسط وإفريقيا فقد تصدرت المشهد في ليبيا, وتحاول العودة وتثبيت أقدامها في سوريا, ولديها قوات متمركزة في مالي, جمهورية أفريقيا الوسطى وساحل العاج منذ عدة سنين وشاركت قوات خاصة فرنسية في عملية تحرير مدينة الموصل العراقية من تنظيم داعش الإرهابي. عمليات التدخل الفرنسية تتم في مجملها عبر ما يعرف بإسم (الفيلق الأجنبي-Légion étrangère) والذي كان الانضمام اليه في السابق محصورا بالأجانب بينما حاليا يضم أكثر من 24% من عناصره من المواطنين الفرنسيين. والفيلق الفرنسي لمن لا يعرفه أشبه مايكون بقوات مرتزقة تعمل تحت إشراف الجيش الفرنسي حيث يقبل بتجنيد المهاجرين غير الشرعيين الذي يمكن أن يحصلوا على الجنسية الفرنسية بعد فترة خدمة محددة ضمن قوات الفيلق.
فرنسا تعاني من مجموعة من المشاكل الداخلية والكلمة التي ألقاها الرئيس الفرنسي مؤخرا في ليه موروه, أحد أحياء العاصمة الفرنسية الحساسة التي تعاني من الإضطرابات, لم تكن عشوائية أو اعتباطية. فقد سبقت بداية الانتخابات البلدية في شهر مارس/2020 تصريحات من الرئاسة الفرنسية أثارت جدلا محدودا حول إستخدام مصطلح "الإنفصال الإسلامي." وحيث زار الرئيس الفرنسي حي بورتزفيلر المضطرب. الرئيس الفرنسي حاول التأثير على نتيجة الإنتخابات البلدية و استمالة الناخب الفرنسي وذلك إثر إنخفاض حاد في شعبيته بسبب زيادة الضرائب على البنزين والديزل مما أشعل مظاهرات السترات الصفراء التي لم تتردد السلطات الفرنسية في قمعها.
الرئيس الفرنسي ليس أول من يطلق تلك التصريحات التي تستهدف الإسلام في محاولة للتأثير على الناخبين. فقد أصبحت تلك النوعية من التصريحات ملازمة للحملات الإنتخابية في الدول الأوروبية والغربية التي تشهد صعودا متزايدا شعبية اليمين المتطرف. تصريحات ماكرون سوف تعطي ردة فعل عكسية عند المسلمين في فرنسا حيث سوف يبحثون عن الحماية في تلك الأحياء التي توصف بأنها جيتوهات بين بني جنسهم حيث لا تتعرض المرأة المسلمة الى الاضطهاد بسبب حجابها. تصريحات ماكرون خصوصا تلك التي تستهدف حظر الحجاب هدفها تجريد المسلمين من أي مكونات أو عناصر تدل على هويتهم الإسلامية وتحويلهم الى كائنات مسخ فلاهم هم مسيحيون ولا هم مسلمون ولاهم مواطنون فرنسيون إلا بالإسم. وقد بدأ ذلك بحظر النقاب وأنه يمنع التواصل ويمثل تحديا أمنيا والآن الحجاب والقادم أعظم.
إن تصريحات ماكرون هي محاولة يائسة من أجل اللعب على جميع الحبال خصوصا مع التدهور الإقتصادي بسبب أزمة فيروس كورونا وهي محاولة لتصدير الأزمة وتحميل عبئها الى جهات أخرى ومحاولة التأثير على الرأي العام الفرنسي عبر الحديث عن المسلمين الذي يسعون الى إقامة كيان انفصالي وتهديد القيم العلمانية للجمهورية الفرنسية. الرئيس الفرنسي يتجاهل جذور الأزمة وأسباب إنتشار التطرف والإرهاب وهو محاولة حكومات دول غربية وأوروبية أن تفرض مفاهيمها على دول أخرى أو مستعمرات سابقة. فرنسا ارتكبت المجازر والفظائع في مستعمراتها السابقة وما زالت تحتفظ بتواجد عسكري في عدة دول إفريقية خصوصا في مالي وذلك بدعوى مكافحة التطرف والإرهاب.
الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك إعترف خلال لقاء معه أن مصدر الثروات في فرنسا هو إستغلال القارة الإفريقية لعدة مئات من السنين. دولة مالي هي من أغنى دول العالم بسبب مناجم الذهب ولكنها في الوقت نفسه, من أفقر دول العالم وأكثرها تخلفا بسبب الإستغلال. وحيث وجد الفقر والتخلف, وجد الإرهاب والتطرف. إن إحتياطي فرنسا من الذهب وهو من أضخم الاحتياطيات الأوروبية مصدره مناجم الذهب في مالي ولكن شعب مالي يفتقر الى الخدمات والبنية التحتية وعملته لا قيمة لها مقابل الفرنك الفرنسي. ملك مالي منسا موسى(1280م-1337م) يعتبر أغنى شخص في التاريخ بل أغنى حتى من أسرة روتشيلد حيث قدرت ثروته بأكثر من 400 مليار دولار بقيمة أسعار الصرف الحالية. وقد وصل ثرائه الى أن إنفاقه خلال قيامه برحلة الحج كان السبب في التضخم وإرتفاع الأسعار في المناطق التي يمر بها.
مالينس بارت ويليامز(Mallence Bart-Williams) وهي ناشطة ألمانية من أصول من دولة ليبيريا حاصلة على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد قد فضحت بالأرقام والحقائق الدامغة الحكومة الفرنسية التي تجبر عدة دول إفريقية على أن تدفع للخزينة الفرنسية 500 مليار يورو سنويا من أجل الإيفاء لديون مترتبة على تلك الدول خلال فترة الحقبة الإستعمارية. إن مصير دولة مالي يذكرني بالصومال والتي هي بلد إفريقي آخر ضحية السياسات الاستعمارية الغربية التي حولته من بلد بلغ من القوة الى أنه قام بغزو دولة أثيوبيا المجاورة, الى بلد ممزق ومنقسم معرض لغزو القوات الأثيوبية وبؤرة للإرهاب خصوصا تنظيم الشباب الذي هو أشد خطرا وتطرفا من تنظيمات أخرى مثل داعش أو القاعدة.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment