في مملكة الإسلام والتوحيد, لا صوت يعلو فوق صوت المعركة مع تركيا وسلطان الحريم العصمنلي حتى لو كان ذلك الصوت هو الفرنسيون يشتمون الرسول عليه الصلاة والسلام بنشر رسوم ساخرة له أثارت في السابق الكثير من الجدل. إن حملات مقاطعة المنتجات سواء التركية أو الفرنسية وقبلها الدانمركية والأمريكية هي عبارة عن حملات عاطفية مؤقتة حيث سوف يعود المقاطعون الى إستهلاك تلك المنتجات بأكثر مما كانوا قبل المقاطعة. الذباب الإلكتروني السعودي والذي تبين أنهم موظفون مقابل أجر شهري يبلغ عشرة آلاف ريال يشنون الحملات من أجل إسقاط هاشتاغات مقاطعة المنتجات الفرنسية في تويتر والهجوم على أي حساب يدعو الى مقاطعة المنتجات الفرنسية. هم إذا قد افتضح أمرهم وأن مايقومون به مقابل راتب شهري ولا علاقة له بالوطنية وحب الوطن. الخلاف السياسي بين السعودية وتركيا أهم من تعرض النبي عليه الصلاة والسلام الى السخرية في وسائل الإعلام الأجنبية حيث يزداد تآكل رصيد السعودية في العالم الإسلامي بوصفها حامية الإسلام وموطن الأماكن المقدسة.
صحيفة شارلي إيبدو مشهورة في فرنسا بأنها صحيفة مشاغبة حيث قامت وفي أول طبعة ألمانية بالسخرية من المستشارة أنجيلا ميركل وسخرت من مسؤولين فرنسيين وتعرضت للتنيه والإيقاف بسبب ذلك. ولكن السياسيين هم شخصيات عامة والرموز الدينية أمر أخر.
كل ذلك حصل بالصدفة, الرئيس الفرنسي يلقي كلمة حول الإنفصاليين الإسلاميين في فرنسا ويعلن مجموعة من الإجرائات ضدهم وتبدأ بعدها مباشرة سلسلة من حوادث الطعن والهجمات الدموية خصوصا قطع رأس مدرس تاريخ قام مع تلاميذه بتنظيم نقاش في إطار صفوف التربية المدنية أعاد من خلاله عرض رسوم كاريكاتورية مسيئة للرسول محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم. حتى في فرنسا, لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. وبصراحة, ما قام به ماكرون هو ضربة معلم, إصابة أكثر من عصفور بحجر واحد. الرئيس الفرنسي نجح في حصد التعاطف الشعبي بعد أن تعرضت صورته العامة للإسائة بسبب مظاهرات السترات الصفراء وعدد من القرارات الإقتصادية التي لم تلقى شعبية لدى الفرنسيين. حتى أنه تعرض الى السخرية والنقد اللاذع بسبب زيارته الى لبنان بل وطالب الفرنسيون في تغريداتهم من الشعب اللبناني إبقاء ماكرون في لبنان.
ولكن حرية الرأي والتعبير في فرنسا عبارة عن كذبة كبيرة. الإعلام العربي المخصي خصوصا وسائل الإعلام الرسمية لا تتحدث عن ذلك لأنها مصابة بعقدة الخواجا. وحتى لا نذهب بعيد, ممنوع انتقاد اليهود أو المحرقة المزعومة في فرنسا حتى لا تتعرض الى السجن أو الغرامة المالية أو كليهما. الفنان الفرنسي من أصل كاميروني ديودونيه تعرض للاعتقال خلال الفترة التي أعقبت الهجوم الدموي على صحيفة شارلي إيبدو سنة 2015 تحت مزاعم بأنه يروج للإرهاب. كما أنه قد تعرض للإعتقال والتحقيق أكثر من مرة في السابق بتهمة معاداة السامية. وقضية المفكر الفرنسي روجيه جارودي و الملاحقات والمضايقات التي تعرض لها في فرنسا بتهمة معاداة السامية معلومة للجميع. في فرنسا, ممنوع حتى التشكيك في عدد ضحايا المحرقة. يعني لو أن صحيفة ما ذكرت أن عدد ضحايا هتلر من اليهود لا يزيدون عن مليوني ضحية, سوف تتعرض الى دعوى قضائية وربما سجن رئيس التحرير وكاتب الموضوع وتغريمهم مبالغ مالية ومن المحتمل إغلاق الصحيفة. ولكن السخرية من السيدة الفرنسية الأولى بريجيت ماكرون يعتبر تمييزا ضد المرأة أمرا غير مقبول حيث نشرت مجلة شارلي إيبدو رسما ساخرا يصور السيدة الفرنسية الأولى حامل بجنين في سخرية واضحة من سنها حيث تبلغ 64 عاما.
إن فرنسا تعتبر دولة كاثوليكية متطرفة ولا تغركم الدعاية الرخيصة التي تصور الثورة الفرنسية وقيمها الأخلاقية المنحطة وشعاراتها المزيفة. الإعلام بالكاد يتحدث عن أي مواضيع أو حوادث يفهم منها العكس من ذلك, أن فرنسا دولة علمانية الى أخره من تلك المصفوفة من الخطب الجوفاء. سنة 1988, هاجمت مجموعة كاثوليكية متطرفة أحد دور السينما في فرنسا التي كانت تعرض فيلم الإغواء الأخير للمسيح وذلك بزجاجات المولوتوف مما أدى الى إصابة ثلاثة عشرة شخصا, إصابات أربعة منهم وصفت بالحرجة. وقد تجدد الجدل حين قامت شبكة نتفلكس بعرض فيلم الإغواء الأول للمسيح مما أدى الى موجة غضب عارمة في عدد من الدول خصوصا في البرازيل والتي تعتبر أحد معاقل الكاثوليكية في أمريكا اللاتينية. فقد تعرض مقر الشركة المنتجة للفيلم في مدينة بورتا دوس فوندوس البرازيلية بالزجاجات الحارقة. كل تلك الهجمات لم يتم وصفها بأنها أعمال إرهابية وإنما تم إعتبارها ردة فعل طبيعية من أشخاص لديهم حساسية دينية من بعض المواد الإعلامية التي يتم نشرها. قمة النفاق الإعلامي والانحطاط وإزدواجية المعايير وذلك أمر ليس بجديد على وسائل الإعلام الغربية.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment