سوف أستعير عبارة "العشرية السوداء" من الجزائر, بلد المليون شهيد وأحد أكثر الشعوب التي أُكنُّ لها التقدير والإحترام, وذلك من أجل وصف الأزمة السورية بعد عشرة سنين من الصراع الدامي الذي تجاوز في تأثيره حدود سوريا وبدأ فصلا جديدا من فصول الحرب الباردة بعد أن ظن الجميع أنها إنتهت سنة 1989 بإنهيار جدار برلين. الولايات المتحدة وروسيا في تماس عسكري مباشر في سوريا, أكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية ودمار واسع في المدن السورية والبنية التحتية هي نتائج مباشرة للأزمة السورية وذلك بشكل مختصر. وهناك بعض النتائج الغير مباشرة من الممكن أن نذكر منها: أزمة داخلية وديمغرافية أوروبية أدت في مجملها الى انسحاب بريطانيا من الإتحاد الأوروبي, إعادة إحياء تركيا مطامعها الاستعمارية في سوريا, إعلان وفاة الجامعة العربية وحالة إستقطاب عالمي غير مسبوقة منذ أحداث 11/سبتمبر في الولايات المتحدة وعبارة جورج بوش الإبن الشهيرة:"من هو ليس معنا فهو علينا."
ولكن هناك فرق بين وصف الحالة السورية والجزائرية من زاوية أنها عبارة عن حروب أهلية. قوام التمرد المسلح في الجزائر كان من الجزائريين من أتباع وأنصار تيارات الإسلام السياسي خصوصا الجبهة الإسلامية للإنقاذ. أما في سوريا, فقد كانت الغالبية العظمي من التمرد المسلح ضد الحكومة السورية هم من المقاتلين الأجانب. حتى أن هناك تنظيمات مسلحة اقتصرت على جنسيات محددة مثل الشيشان وليبيا. على سبيل المثال, إن قادة الهجوم المسلح الذي تم على مطار منغ العسكري في حلب لم يكن من بينهم سوري واحد ولكن على الرغم من ذلك, تصفهم المصادر الإعلامية الدولية بأنهم مقاتلوا المعارضة السورية المسلحة. إن تمرير المقاربة بأن الصراع في سوريا عبارة عن مواجهة بين طرفين, الأول حكومة استبدادية والثاني معارضة ديمقراطية, قد كان أمرا خارج نطاق العقل والمنطق. المعارضة السورية التي يقيم رموزها خارج سوريا ويحمل أغلبهم جوازات سفر أجنبية قد طالبت بتدخل أجنبي وفق النموذج الليبي حتى قبل ظهور التيارات الجهادية على الساحة. ولذلك كان لابد من تصوير الصراع من الناحية الإعلامية أنه حرب أهلية وذلك لأهداف وغايات لم تعد خافية على أحد.
إن دور الإعلام خصوصا الغربي والعربي خلال الأزمة السورية كان سلبيا وضد الدولة السورية وحقها في الحفاظ على سيادتها وأمنها. الواجهة الأخرى للصراع التي حاول الإعلام تصويرها بعد فشل سيناريو الحرب الأهلية هو أنها حرب طائفية وأن الحكومة السورية هي حكومة طائفية وأن حزب البعث العربي الاشتراكي هو حزب طائفي وعنصري. ولكن تلك مقاربة أخرى فشل الإعلام في تمريرها بسبب عدم إهتمام قادة المعارضة السورية بإخفاء مشاعرهم العنصرية والطائفية. لقد كانت هناك دعوات علنية منذ بداية المظاهرات في سوريا الى الإبادة الطائفية ضد المسيحيين والعلويين. عبد الباسط الساروت والذي يعتبر منشد الثورة المزعومة وبلبلها قد دعا خلال مظاهرات حمص الى الإبادة الطائفية والعرقية. كانت هناك بعض المشاعر العدائية والطائفية هنا وهناك والتي ظهرت بشكل فردي ولكن النسيج الإجتماعي السوري قد حافظ على تماسكه حتى هذه اللحظة. بينما توزع وسائل الإعلام الاتهامات ضد الحكومة السورية, تتجاهل دولا أخرى مثل السعودية حيث يتوجب طرح أسئلة عن عدد الوزراء من الطائفة الشيعية وعدد حكام المناطق والمسؤولين الذي يشغلون مناصب أمنية وعسكرية.
إن الدور الرسمي السعودي والقطري كان رئيسيا ودافعا الى تأزيم الوضع في سوريا وذلك باعتراف مسؤولين حكوميين رفيعين مثل وزير الخارجية السعودي السابق عادل الجبير الذي هدد الرئيس السوري (التنحي أو العمل العسكري) ورئيس وزراء ووزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم الذي قالها صراحة أنهم تشاجروا مع السعودية حول سوريا وأن الصيدة(الطريدة) قد أفلتت منهم. والحقيقة أن القوة الدافعة الرئيسية وراء عمليات الحسم الأخيرة في سوريا والتي أدت الى تقلص مساحة سيطرة الفصائل المسلحة وحصرها في بعض مناطق محافظة إدلب هو الخلاف السعودي-القطري والذي أدى الى تراجع ملحوظ في مستوى الدعم من ناحية التمويل والتسليح الذي تقدمه الحكومتان الى المسلحين في سوريا. كما أن انشغال الولايات المتحدة بمجموعة مشاكل داخلية وانصرافها عن المعارضة القاعدية والجهادية الى محاولة لعب الورقة الكردية قد أدى الى تقدم الجيش العربي السوري وتحقيقه انتصارات عسكرية حاسمة. دولة الكيان الصهيوني التي لديها علاقات تكافلية مع تنظيمات الإسلام السياسي وتقدم لهم الدعم بالسلاح وعلاج جرحاهم في مستشفيات فلسطين المحتلة تحاول وعبر القيام بغارات جوية متقطعة ضد مواقع الجيش العربي السوري الى تغيير الواقع على الأرض ولكنها هي الأخرى فشلت في ذلك.
ويبقى هناك أسئلة تنتظر الإجابة مثل الى متى سوف تستمر الأزمة السورية؟ وهل سوف تتفوق على نظيرتها الجزائرية من ناحية المدة الزمنية؟ وماهي الأسباب الحقيقية لتدخل الدول الأجنبية في سوريا؟
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment