وبعد مضي كل تلك السنين على ما اصطلح على تسميته إعلاميا ثورات الربيع العربي, ما زال مستقبل المنطقة السياسي, الإقتصادي والاجتماعي غامضا ومجهولا. الوعود البراقة بتحويل بلدان الربيع العربي الى جنة ديمقراطية وواحة للعمل والبناء والإستثمار تبخرت في الهواء. ويقال أن ثورات الربيع العربي لا هوية لها وأنَّ وقودها هو الجوع أو وعود السياسيين الكاذبة ولكن ذلك هراء محض, جياع يتظاهرون ويحملون أحدث الهواتف الذكية التي لا يقل ثمن أحدها عن 500-600 دولار. مؤسس ويكيليكس جوليان أسانج الذي تم إعتقاله مؤخرا بعد أن إنتهت مهمته وأدى الدور المطلوب زعم أن موقعه هو المسؤول عن إشعال ثورات الربيع العربي إثر نشر وثائق فساد لا يعرف كيف وصلت اليه ومن سربها وماهو الثمن المدفوع. في عالم السياسة, كل شيء له ثمن. مؤسس موقع ويكيليكس حجب نشر وثائق لها علاقة بدولة قطر مقابل مبلغ ضخم قبضه نظرا لحاجة موقعه للتمويل. مع ملاحظة أن جوليان أسانج لا ينشر وثائق متعلقة بالكيان الصهيوني في موقعه أو قد ينشر وثيقة هنا أو هناك لذرِّ الرماد في العيون. محامية جوليان أسانج هي البريطانية أمل علم الدين من أصل لبناني, متزوجة من الممثل الأمريكي جورج كلوني الذي يعتبر من أكبر المؤيدين لإنفصال جنوب السودان فقد كان يزود المتمردين عن طريق شركة خاصة بصور أقمار صناعية لتحركات الجيش السوداني. أحد أقرب أصدقاء أمل علم الدين هو جاريد كوهين والذي يعتبر من أهم المدراء التنفيذيين في شركة غوغل. أمل علم الدين من أكبر الداعمين للثورات الملونة ومحامية رئيسة الوزراء الأوكرانية السابقة يوليا تيموشينكو والتي تعتبر أحد المتزعمين لتلك الثورات في أوكرانيا.
في عالم السياسة, لا يترك أمرٌ للصدفة. وسائل التواصل الاجتماعي تحولت الى مرتع خصب لنشر الإشاعات والأخبار الكاذبة ولعبت الدور الأكبر في تحريك متظاهري الربيع العربي في بلدان مثل تونس, مصر, ليبيا, سوريا والان الجزائر والسودان. متابعي وسائل التواصل الإجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر يتم التعامل معهم من قبل خبراء الحرب النفسية والإعلامية على أنهم قطيع, أي خبر كاذب يتم نشره في مجموعة على الفيسبوك ثم تتناوله محطة إخبارية بالتحليل والتمحيص وتقوم بتلميعه وعمل الدعاية له ليتحول الى مانشيت خبر رئيسي في صفحات الجرائد والفضائيات. القطيع يقوم بعمل لايكات وشيرات بعشرات الآلاف أحيانا من دون أن يكون لديهم أي فكرة عن مصداقية ذلك الخبر بسبب الصورة النمطية التي نجحت وسائل الإعلام في تعميمها وغرسها في العقول. وسائل الإعلام أكملت المهمة التي بدأتها مواقع التواصل الإجتماعي في نشر الإشاعات والأخبار الكاذبة لتعميم ونشر فوضى كونداليزا رايس الخلاقة في الوطن العربي. محطة البي بي سي البريطانية نشرت خبرا أن ثروة الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك في الخارج هي 70 مليار دولار من عدا ثروته في مصر وثروة أسرته, زوجته وأولاده. خبر كاذب لم تقدم عليه البي بي سي وثيقة واحدة تدعم مصداقيته ومصداقية القناة التي ولدت من رحمها قناة الجزيرة التي تمارس في الوطن العربي نفس الدور القذر الذي تمارسه قناتها الأم.
وسائل الإعلام تحرض حاليا على السودان والجزائر ومن يعلم من سوف تكون الضحية التالية. متظاهرون سودانيون اقتحموا منزل الرئيس السوداني ونشروا فيديوهات في وسائل التواصل الإجتماعي. شاهدت أحدها, منزل عادي جدا أثاثة متواضع مقارنة برئيس دولة من المفترض أنه كان فاسدا ويحوز أرصدة بنكية في الخارج بمليارات الدولارات. في الجزائر, وسائل الإعلام خصوصا القطرية مثل الجزيرة ومواقع إخبارية ظاهرها أنها مستقلة بينما تتلقى في الباطن تمويلا قطريا عن طريق المتصهين عزمي بشارة تتحدث عن الديمقراطية والإنتخابات ومرض الرئيس الجزائري الذي أصبح عاجزا تماما وعن شقيق الرئيس الذي يدير شؤون البلاد من وراء ستار. قناة الجزيرة لا تتحفنا بخبر واحد عن الأحداث في قطر ولو كان خبر من سطر واحد, أخبار مثل الإنتخابات الرئاسية أو البرلمانية أو سجناء الرأي فتلك مهمة تتولاها قناة العربية السعودية موقعها على الشبكة العنكبوتية. بينما تقوم قناة الجزيرة والمواقع التابعة لها بنقل أخبار السعودية ونشر الإشاعات في إطار المناكفة السياسية بين البلدين. وسائل الإعلام لا تساهم إلا في صب الزيت على النار ولا تساهم في تقديم أي حلول أو مقترحات للخروج بالمنطقة من عنق زجاجة الفوضى الخلاقة التى وعدت بها كونداليزا رايس بلدان المنطقة. ولا يوجد بلد عربي يعاني من تبعات الفوضى الخلاقة وثورات ربيعها العربي إلا تدهورت أوضاعه وانهار إقتصاده وأصبح مكبلا بالمزيد من الديون أو معرَّضا للتقسيم العرقي والطائفي والقبلي كما في ليبيا.
القائمين بالأعباء الثورية في الوطن العربي ممن يظنون أنفسهم أحفاد المناضل العظيم تشي غيفارا يقتبسون خصوصا من الثورة الفرنسية ويستشهدون بأحداثها وإنجازاتها. الثورة الفرنسية ومثيلاتها مثل الثورة الأمريكية هدفت ليس إلى نشر الديمقراطية, بل الى إعادة إنتاج النظام القديم في قالب جديد, التخلص من النظام الإقطاعي وإعادة إنتاجه في نظام أرستقراطي وإستخدام الديمقراطية والإنتخابات وسيلة مساعدة, تغيير في بعض الوجوه بينما تبقى البنية الأساسية للنظام السابق كما هي. مصر هي أحد الأمثلة حيث استجاب الجيش لمطالب الشعب المصري وتولى من وراء ستار عزل الرئيس محمد حسني مبارك وتنصيب مجلس عسكري ثم وزير دفاع تحول الى موظف مدني وتولى رئاسة مصر حتى لا تخرج الأمور عن سيطرة الجيش الذي لن يقبل أن يسلم زمام أموره الى رئيس مدني من خارج المؤسسة العسكرية. محمد مرسي كان يرغب في أخونة الدولة والجيش والأجهزة الأمنية وتوريط مصر وجيشها في الأزمة السورية وتلك كانت حماقة لم ولن تسمح بها المؤسسة العسكرية. وائل غنيم, مدير تنفيذي لشركة غوغل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد قام بالتصريح في مؤتمرات في الولايات المتحدة وأوروبا بأن الجيش المصري هو العقبة الأخيرة في سبيل تحقيق أهدافهم. الخيانة في زمننا أصبحت وجهة نظر, التباهي بتفكيك مؤسسات الدولة المدنية والدعوة لتفكيك الجيش ووسائل الإعلام تهلل لتلك الجهالات والتفاهات و تعتبرها من حرية الرأي والتعبير.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment