إن مسألة الإنبعاثات الكربونية والغازات الضارة وثقب طبقة الأوزون بمجملها قضايا ليست محصورة بالصين بل بالدول النامية(Developing countries) الأخرى كالهند حيث يتوجب الموازنة بين الثقافة البيئية وثقافة أخرى متجذرة متعلقة بالزيادة السكانية والتي يمكن أن توصف بالانفجار السكاني. كما أن تلك المسألة تهم الدول المتقدمة(Developed countries) خصوصا أنها مسألة قد تداخل جوانبها المتعلقة بالبيئة مع تلك المتعلقة بالسياسة حيث غلبت المزايدات السياسية على أي خطوات فعلية تتخذ في مجال مكافحة التلوث والحد من الاحتباس الحراري.
المصالح الإقتصادية والسياسية للدول المختلفة قد تضاربت مع بعضها البعض وحتى أنها أثرت على الوضع الداخلي لبعضها. فعلى سبيل المثال, لم تكن الولايات المتحدة أول دولة تنسحب من اتفاقيات المناخ ومكافحة التلوث والاحتباس الحراري فقد انسحبت كندا من اتفاقية كيوتو سنة 2011 خلال عهد حكم رئيس الوزراء السابق ستيفن هاربر الذي ينتمي لحزب المحافظين حيث برر وزير البيئة الكندي بيتر كينت(Peter Kent) تلك الخطوة بأن الاتفاقية غير مجدية وتضر بالمصالح الكندية بسبب عدم انضمام الولايات المتحدة والصين للاتفاقية. إن مصالح شركات النفط كانت حاضرة وبقوة في الخطوة التي اتخذتها الحكومة الكندية في الانسحاب من إتفاقية كيوتو حيث أن تلك الفترة كانت تعد ذهبية للاقتصاد الكندي الذي أصبح ومنذ سنة 2005 تقريبا يعتمد على النفط كمساهم رئيسي في الناتج الإجمالي المحلي. بالإضافة إلى أن إتفاقية كيوتو سوف ترتب على الدولة الكندية غرامات وتكاليف الالتزام ببنود الإتفاقية تبلغ حوالي 14 مليار دولار وتضر بسوق العمل الكندي حيث سوف تؤدي لزيادة نسبة البطالة.
هناك عدد من الوسائل التي يمكن اتباعها لتخفيف الانبعاثات الكربونية حيث سوف أقوم بإستعراض بعضها مع تبيان وجهات النظر المعترضة على فاعليتها ومدى تأثيرها في الحد من مشكلة التغير المناخي وتقليل الإنبعاثات الكربونية.
أول تلك الأساليب هو فرض ضريبة مباشرة على الانبعاثات الكربونية قد تصل في دول الإتحاد الأوروبي إلى 13 يورو للطن المتري وهي معرضة للارتفاع بسبب تغيير القوانين على نحو أكثر تشددا. إن المعترضين على ذلك الأسلوب وهم محقون في إعتراضهم. إن دولا مثل الصين والهند لا تتبع نفس القوانين البيئية التي تعتبر في متراخية في البلدين وبلدان أخرى تنتمي لتصنيف الدول النامية وبالتالي سوف يضر ذلك بالتنافسية التجارية والصناعية الأوروبية التي سوف تضطر إما لتخفيض قيمة عملتها الموحدة(اليورو) لتشجيع الصادرات أو تنكفئ على ذاتها في مجالات صناعية محددة تمتلك فيها ميزة تنافسية كالطائرات والسيارات والصناعات والصناعات الثقيلة ومجالات التكنولوجية المتقدمة حيث هناك هامش للمنافسة يميل لمصلحة دول كألمانيا وفرنسا.
ثاني تلك الأساليب هو نقل عبئ الضريبة على الإنبعاثات الكربونية من المنتج إلى المستهلك عند نقاط البيع في محطات البنزين وفواتير استهلاك الكهرباء على وجه الخصوص عبر رفع سعر وقود السيارات عبر ما يعرف بضريبة الوقود (Gas Tax). الفرق بين هذه الضريبة و الضريبة على الإنبعاثات الكربونية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي هو أن الثانية تفرض على المستهلك مباشرة بينما الأولى يتم تقاسمها بين المنتج والمستهلك. إن تلك النوعية من الضرائب سوف تؤدي إلى ارتفاع سعر المنتج النهائي. ولكن في الحالة الثانية فإن التأثير يكون بطريقة مباشرة على سلوك المستهلك بالتقليل من استهلاكه لتلك السلعة وهي في هذه الحالة النفط أو الكهرباء فكما هو معلوم فأغلب محطات توليد الطاقة الكهربائية حاليا تعمل إما بالنفط أو بالفحم مع تزايد بناء محطات توليد كهرباء تعمل بالطاقة النووية خصوصا في الصين وألمانيا ودول أوروبية أخرى كفرنسا.
الدانمارك دولة رائدة في مجال الطاقة البديلة خصوصا التي تستفيد من طاقة الأمواج والرياح ولكن سكانها مازالوا يدفعون ثمنا مرتفعا مقابل استهلاكهم من الكهرباء(30 سنت\كيلوواط) ويتم فرض ضرائب مرتفعة ليس فقط على وقود السيارات بل على مبيعات السيارات نفسها(100%-180%) والتي قد ترفع سعر السيارة بحسب قدرة المحرك إلى الضعفين تقريبا. إن سعر إستهلاك الكهرباء في الدانمارك يزيد بمقدار الضعف أو الضعفين عن سعر استهلاكها في دول أمريكا الشمالية كالولايات المتحدة وكندا سواء كان مصدر الكهرباء محطات توليد تعمل بالفحم أو النفط أو تأتي من مصادر الطاقة المتجددة. تأثير تلك النوعية من الضرائب على سلوكيات المواطنين ليس فقط في الدانمارك بل في دول أوروبية أخرى كهولندا حيث يميل المواطنون إلى إستخدام الدراجات الهوائية في التنقل أو حتى المشي وقضاء أوقات الفراغ خارج المنزل حين تكون الظروف الجوية مناسبة بما يقلل من إستهلاك الطاقة. إن إرتفاع أسعار استهلاك الطاقة في دول مثل الدنمارك بالإضافة إلى الدعاية الحكومية الفعالة قد أدى إلى إرتفاع الوعي البيئي لدى المواطنين وبالتالي تغير جذري في سلوكياتهم مقارنة بدول أخرى.
ثالث تلك الأساليب هو مايعرف بتجارة الإنبعاثات(Emissions Trading) حيث يتوافق مع المادة 17 من بروتوكول اتفاقية كيوتو والتي تسمح ببيع ما يطلق عليه تصاريح التلوث(Pollution Permits) حيث تقوم الدول التي تنجح في خفض الانبعاثات الكربونية ومستوى التلوث الى مستوى يقل عن المطلوب منها بموجب إتفاقية كيوتو ببيع تلك التصاريح للدول الأخرى التي تحتاج إليها وحتى تتفادى الغرامات الباهظة إذا ما خالفت شروط الإتفاقية, تلك التصاريح عبارة عن الفارق في كمية الانبعاثات الكربونية المسموح بها بموجب الاتفاقية عن المستوى الذي تنجح الدولة المعنية في تخفيضه. المعترضون على تلك الاتفاقية والتي تعتمد على مبادئ السوق الحر القائمة على العرض والطلب يعتقدون بأنه لايجوز من الناحية الأخلاقية السماح للمصانع والشركات بأن تساهم بمستوى مرتفع من الإنبعاثات الكربونية لأنها قادرة على دفع مقابل مادي. الهواء النقي والمياه الصالحة للشرب تعتبران من حقوق الإنسان الأساسية والتي لا يجب أن ينظر إليها وفق مبادئ تجارية بحتة.
إن جميع تلك الحلول التي يتم تقديمها وإن كان لها بعض الإيجابيات إلا أنها تنطوي على الكثير من الأمور السلبية والتي تبقى مخفية بين ثنايا نصوصه. تلك الحلول المقترحة سوف تؤدي الى موجة غلاء على مستوى العالم حيث أن إرتفاع أسعار إستهلاك الطاقة خصوصا التي تعتمد الوقود الأحفوري مصدرا رئيسا سوف تكون السبب في إرتفاع أسعار المنتجات الغذائية والحبوب والمواد الأولية والأساسية. أشخاص مثل الممثل الأمريكي ليوناردو دي كابريو ونائب الرئيس الأمريكي السابق ألن غور لن يتأثروا بموجة الغلاء أو بإرتفاع سعر وقود السيارات إلى 7 دولار/للتر وهو إقتراح متطرف وجنوني. كما أن العديد من المنظمات المدافعة عن البيئة ومراكز الأبحاث التي تتصدر قائمة المحذرين من التغير المناخي تتلقى تبرعات من شركات النفط والمؤسسات المرتبطة بها بما يتناقض ومهمتها الأساسية حيث تحول قادة تلك المنظمات الى شخصيات تحيط بها هالة من النجومية كنجوم السينما في هوليود وأصبح همهم الأول والأخير هو تلميع صورتهم في وسائل الإعلام المختلفة وليس الدفاع عن البيئة.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والمعرفة
النهاية
No comments:
Post a Comment