Flag Counter

Flag Counter

Sunday, April 2, 2017

ماهو تأثير المنافسة بين شركات تصنيع الأغذية المختلفة على الجهود العالمية لمحاربة وباء البدانة؟

شركات تصنيع المواد الغذائية في الولايات المتحدة تعد بحجم أعمال يزيد عن 700 ألف موظف وأكثر من 280 مليار دولار وتتنافس فيما بينها للإستحواذ على أكبر حصة من السوق الأمريكية والعالمية ولكنها منذ نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات بدأت تواجه تراجعا في حجم أعمالها نتيجة زيادة الوعي حول مشكلة البدانة. تلك المشكلة تحولت إلى وباء وأصبحت حديث الناس حيث إقترح بعضهم فرض ضريبة سكر(Sugar Tax) على الأطعمة السريعة أو مايسمى(Junk Food) كأحد الحلول للتخفيف من إقبال المستهلكين على تلك النوعية من الأطعمة والكثيرون إقترحوا تشريعات تحد من كمية الدهون أو الملح أو السكر في تلك الأطعمة.
تلك الشركات تختلف وتتنافس فيما بينها حتى أخر رمق في سبيل الإستحواذ على أسواق الشركات المنافسة ولكنها سنة 1999 إجتمع كبار مدراء تلك الشركات أبريل\8\1999 في المقر الرئيسي لشركة(Pillsbury) الذي يقع في مدينة مينيابولس(Minneapolis) من ولاية مينيسوتا(Minnesota) للبحث في الخطر الداهم الذي تواجهه تلك الشركات ويمكن تلخيصة بكلمة واحدة وهي البدانة(Obesity). شركات مثل نستلة(Nestle), مارس(Mars), كوكاكولا(Coca Cola) وجينرال ميلز(General Mills) وكرافت كانت حاضرة وممثلة بكبار أعضاء مجلس الإدارة في تلك الشركات وأرفع الشخصيات فيها. الإجتماع كان من المفترض أنه سري مما جعله أشبه بإجتماع عصابات المافيا ولكن أنباء عنه تسربت هنا وهناك إلى عدد من المهتمين بقطاع التغذية.
شركة جينرال ميلز تجاوزت في تلك السنة شركة كيلوج(Kellogg) في مجال حبوب الطعام(Cereal) كما أن خط إنتاج الألبان ومشتقاتها كان مسيطرا على رفوف العرض في كبريات شركات السوبرماركت. لبن الزبادي يوبلايت(Yoplait) أصبح الأشهر في العالم ويباع في أكثر من 40 دولة ولمن لا يعرف شركة كيلوج فهي صاحبة أحد أشهر أصناف حبوب الطعام وهو الكورن فليكس(Corn Flakes) والذي يتنافس مع أشهر الأصناف من شركة جينرال ميلز وهو تشيريوس(Cheerios).
كانت شركة جينرال ميلز صاحبة الفضل في تحويل لبن الزبادي الخالي من السكر الذي يتم تناوله عادة في وقت الإفطار إلى مايشبه الوجبة الخفيفة التي يمكن تناولها في منتصف النهار في حال الإحساس بالجوع, وجبة خفيفة تماثل في نكهتها قطعة الحلوى وذات ألوان زاهية ولكنها تحتوي على ضعف كمية السكر مما يساهم في مشكلة البدانة المزمنة.
بلغة الأرقام فإن مبيعات الشركة من لبن الزبادي وخصوصا يوبلايت(Yoplait) تجاوزت حاجز 500 مليون دولار سنويا كما أن مبيعات خط إنتاج (Go-Gurt) التابع لماركة (Yoplait) وهو لبن زبادي مخصص للأطفال معبأ فيما يشبه علبة معجون الأسنان بلغ وحده أكثر من 100 مليون دولار سنويا.
عالم شركات تصنيع المواد الغذائية متبدل ومتغير بسرعة شديدة حيث أنه بحلول سنة 2001 فقد قامت شركة جينرال ميلز بالإستحواذ على شركة بيلزبري(Pillsbury) وقبلها بسنتين فقد كان رئيس مجلس إدارة شركة (Pillsbury) يحدق برئيس مجلس إدارة جينرال ميلز(المطاحن العامة-General Mills) بنظرة شك وريبة.
من بين أهم الشركات التي حضرت الإجتماع هي شركة كارغيل(Cargill) وشركة تات و لايل(Tate & Lyle) وهي أضخم شركات تصنيع المواد المضافة والحافظة حيث تقوم بتزويد شركات صناعة المواد الغذائية بأهم مكونات الإنتاج لديها وتعرف بنفسها أنها تقدم الحلول للمشاكل التي تواجه تلك الشركات عن طريق تقديم مكونات عالية الجودة.
من أهم المواضيع التي تم بحثها في ذالك الإجتماع وغيره من الإجتماعات هو كيفية التحكم بقدرة الجسم الهشة على الحد من إفراط الشخص في تناول الطعام وقدرة بعض المكونات التي تدخل تصنيع الأطعمة السريعة على زيادة جاذبية تلك الأطعمة وجعل مقاومة تناول المزيد منها مهمة صعبة. تلك الجاذبية تحولت إلى مايشبه الإدمان حيث أن بعض الباحثين قاموا بإستخدام نفس الأدوية التي يعالج منها المدمنون في تقليل جاذبية تلك الأطعمة لأشخاص تم إجراء الإختبارات عليهم ممن كانوا مدمنين على تناول تلك الأطعمة.
شركة كرافت(Kraft) كانت حاضرة بقوة في الإجتماع حيث أن تحوز على 30 علامة تجارية تتضمن أكثر من 50 منتجا ومؤخرا أعلنت عن إندماج ناجح بينها وبين شركة هينز(Heinz) والتي تختص بإنتاج أحد أشهر أنواع الكاتشب(Ketchup). ومن بين أشهر منتجات شركة كرافت جبنة الدهن الشهيرة(Kraft Natural Cheese) وحلويات الجيلو(Jell-O) وجبنة الدهن فيلاديلفيا(Philadelphia) وعصير كول-إيد(Kool Aid) وبسكويت أوريو(Oreo). كما أن خط منتجاتها من الممكن أن يغطي يومك كاملا إبتداء من الإفطار والغذاء والعشاء وحتى الحلويات والوجبات الخفيفة. شركة فيليب موريس(Philip Morris) والتي تشتهر بإنتاج السجائر إستحوذت على الشركة الغذائية العامة(General Food Corporation) وأحد أشهر منتجاتها وهو عصير تانج(Tang) والذي تبلغ مبيعاته مليار دولار سنويا كما أنها إستحوذت على شركة كرافت(Kraft).
أكثر من نصف الأشخاص البالغين في الولايات المتحدة من الممكن تصنيفهم على أنهم  من ذوي الوزن الزائد كما أن 25% من السكان في الولايات المتحدة يمكن تصنيفهم على أنهم من الناحية الطبية يعانون من السمنة.
سنة 1980 كانت هي السنة التي بدأ فيها خط مؤشر السمنة في الولايات المتحدة بالإرتفاع وبحلول سنة 1999 فقد كان هناك أكثر من 12 مليون طفل يعانون من السمنة وليس مجرد بضعة أرطال وزن زائد هنا او هناك. ومع إرتفاع نسبة الأشخاص الذين يعانون من السمنة في الولايات المتحدة فإن تكاليف معالجة الأثار الإجتماعية والصحية لذالك تجاوزت 100 مليار دولار في السنة. الأثار الصحية تشمل مجموعة واسعة من الأمراض التي من الممكن إرجاع السبب الرئيسي فيها للسمنة والوزن الزائد لعل أهمها أمراض القلب وتصلب الشرايين,السكر, الضغط, أنواع مختلفة من السرطان وأمراض أخرى مثل إلتهاب المفاصل حيث أصبح أكثر من 8 مليون أمريكي مصابين به.
كبار أعضاء مجلس الإدارة في شركات تصنيع الأغذية يتجنبون الطعام الذي تصنعه شركاتهم ويتجنبون إطعامه لأطفالهم كما أنهم يتبعون أسلوب حياة صحي ويمارسون التمارين الرياضية بشكل يومي.
ولكن ماهي الأسباب التي تدفع نحو توجيه أصابع الإتهام لشركات تصنيع المواد الغذائية بالمسؤولية عن مشكلة السمنة التي يعاني منها ملايين الأمريكيين نسبة كبيرة منهم هم من الأطفال والمراهقين؟
رئيس قسم التغذية في جامعة هارفارد والتر ويليت(Walter Willett) أرجع ذالك إلى مجموعة أسباب أهمها هو أن إدخال المواد الغذائية في مراحل التصنيع المختلفة يجردها من قيمتها الغذائية فالحبوب مثلا يتم تحويلها إلى نشويات مركزة, المواد السكرية تكون شديدة التركيز كما أن الدهون يتم تعريضها لعملية هدرجة(Hydrogenated) لتتحول إلى دهون غير مشبعة وهي من أشد المركبات ضررا بالصحة.
شركات صناعة المواد الغذائية والأطعمة السريعة تتعرض لضغوطات من مراكز أبحاث جامعية, المركز الفيدرالي للسيطرة والتحكم بالأمراض وجمعيات كجمعية القلب الأمريكية بل مؤخرا إنضمت جهات حكومية رسمية مثل وزارة الزراعة التي وصفت مشكلة السمنة بالوباء القومي على مستوى الولايات المتحدة.
الهجوم الذي تتعرض له تلك الشركات وصل لمرحلة تشبيه الأضرار الذي تسببه منتجاتها بالاضرار المماثلة لتدخين السجائر حيث تمنع شركات السجائر من توجيه دعايتها للأطفال والقاصرين ومطالبات بمعاملة شركات صناعة الأغذية بالمثل ومنعها من توجيه دعايتها نحو مراحل عمرية معينة بناء على توصيات قد تأخذ شكل القوانين الملزمة في المستقبل.
السؤال الذي يبحث عن إجابته الجميع هو عن الأسباب التي تدفع الأمريكيين لإختيار عاداة غذائية تسبب لهم الوزن الزائد والسمنة؟ شركات صناعة الأغذية من ناحيتها بدأت بإجراء أبحاثها الخاصة حول الأسباب التي تدفع الأمريكيين للرغبة الشديدة في تناول المزيد من الطعام وهي الرغبة التي تغلبت على شعور حتى الأشخاص الذين من المفترض أنهم يتبعون حمية غذائية. للحد من تلك الرغبة كان يجب على تلك الشركات أن تحد من نسبة العناصر الثلاثة في منتجاتها وهي الملح, السكر, الدهون. كما أنه يجب زيادة الإهتمام بالمنتجات المخصصة للذين يتبعون حمية غذائية والمعروضة على أرفف محلات التسوق المختلفة. غير أن تلك العناصر الثلاثة ليست هي الوحيدة التي تمكن شركات الصناعات الغذائية من زيادة جاذبية السلعة بالنسبة للمستهلكين بل هناك الدعاية وهي من أقوى العناصر ويتم تخصيص ميزانيات هائلة للدعاية والإعلان.
المشكلة الحقيقية التي يجب أن تواجهها تلك الشركات هي أنه يجب أن تصبح جزءا من الحل على الأقل أمام الرأي العام بدلا من شيطنتها وإعتبارها جزءا من المشكلة. تلك لم تكن اول أزمة تواجهها ولن تكون الأخيرة حيث واجهت مثلا أزمة الدهون غير المشبعة والمطالبات بمنتجات الحبوب الكاملة(Whole Grain) وذالك بمزيج من الدعاية وخطوط إنتاج تقوم على تقديم أصناف جديدة من المنتجات.
الكثير من الشركات حاولت الإستجابة للضغوط وأن تكون تتعامل مع المشكلة بمرونة فقامت مثلا بتخفيض نسبة السكر في بعض منتجاتها مقابل زيادة الملح أو الدهون أو زيادة الدهون مقابل تخفيض الملح. شركات أخرى إختارت بدلا من ذالك محاولة الإستحواذ على الحصص السوقية والمساحة في أرفف متاجر البيع والتي نتجت عن إنخفاض الإقبال على بعض المنتجات التي حاولت شركاتها المنتجة الإنحناء للضغوط.
المنافسة كانت مستعرة خصوصا بداية سنة 2003 بين شركة كرافت وشركة هيرشي(Hershey) الشهيرة بإنتاج أنواع مختلفة من الشوكولاتة حيث بدأت شركة هيرشي بالإستحواذ على مساحة من أرفف البيع على حساب شركة كرافت. شركة هيرشي قامت بتقديم صنف جديد يعتمد على المزج بين الشوكولاتة والبسكويت المحشو(Wafers) ليتحول إلى بسكويت بالشوكولاتة حيث تزن القطعة أونصتين ولكنها تحتوي على مايعادل خمسة ملاعق من السكر. وحدة نابيسكو(Nabisco) في كرافت وهي التي كانت مسؤولة عن إنتاج بسكويت أوريو(Oreo) الشهير. ردة فعل شركة كرافت على تراجع حصتها في السوق كانت عنيفة حيث بدأت ردة فعلها بالإستحواذ على شركة كادبيري(Cadbury) والتي تعد المنافس التقليدي لهيرشي حيث قامت بإستخدام قسم التسويق فيها للإستحواذ على أسواق جديدة في دول كالهند الذي تفاجأ مواطنوها بإعلانات أوريو بين يوم وليلة في كافة وسائل الدعاية الممكنة. كما قامت بتقديم صنف إنتاج جديد يدعى سمورز(s'mores) حيث أضافت المزيد من الملح والسكر زيادة على ماتحتويه الشوكولاتة التي تدخل في تركيب المنتج لزيادة جاذبيته.
بعد أكثر من عشرة سنين على ذالك الإجتماع فإن نسبة البدانة إستمرت في الإرتفاع وكانت شركات تصنيع الأغذية تحارب على كافة الجبهات الشركات المنافسة لها وجهات حكومية إنضمت للحملة ضد البدانة ومؤسسات غير حكومية ومعاهد أبحاث. جنرالات في الجيش الأمريكي شهدوا أمام لجان متخصصة بخصوص إنخفاض نسبة التجنيد بسبب إرتفاع مستوى البدانة عند المجندين المفترضين من عمر 18 عاما. مدينة فيلاديلفيا قامت بمنع بعض المنتجات(Tastykake) من مدارسها في محاولة للمساعدة في تخفيض نسبة البدانة بين التلاميذ. المسؤولون والأطباء في ولاية لوس أنجيلوس قاموا بدق جرس الإنذار بسبب زيادة نسبة الوفيات بين الأمهات أثناء الولادة وزيادة نسبة عمليات الولادة القيصرية حيث تم تحميل مشكلة البدانة وزيادة الوزن المسؤولية.
إن تلك الشركات تمتلك أذرعا إعلامية ضخمة وأقساما متخصصة بالدعاية والإعلان والتسويق وتنفق مئات الملايين من الدولارات في مجال تسويق منتجاتها في منافسة مع شركات أخرى وكذالك في مجال الدفاع عن نفسها من الإتهامات بأنها مسؤول عن مجموعة واسعة من الأمراض والأوبئة لعل أهمها هو مشكلة البدانة التي تحولت إلى وباء والتي تعد مسؤولة عن مجموعة إمراض منها أمراض القلب وتصلب الشرايين والفشل الكلوي والأمراض المتعلقة بالكبد.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment