Flag Counter

Flag Counter

Sunday, March 19, 2017

كيف يتحدى إنجيل القديس يوحنا المفسرين وخبراء اللاهوت؟

هناك مشكلة تواجه كل من يقوم بمحاولة فهم وشرح النصوص المقدسة المسيحية بطريقة حرفية(Literalism). إن معنى الكلمة(Word) التي يتم إستخدامها في إطار النصوص الدينية يمكن شرح مهمتها بكونها مؤشرا على مفهوم أخر فيما وراء المعنى الحرفي لايمكن للكلمة نفسها أن تقوم بتوضيحه. الحرفية(الأخذ بالمعنى الظاهري) تقترح مهمة لمفهوم الكلمة والتي هي ليست إلا عبارة عن مؤشر(Pointer) يمكن أن تتحول لواقع ملموس بذاتها وبالتالي التأسيس لمفهوم ليس له وجود على أرض الواقع. إن ذالك يجعلنا نفترض مسبقا أن أي دين لايمثل فقط الحقيقة بل قادر على إيضاحها بشكل مطلق. إن الحرفية في تفسير النصوص الدينية قادرة في ظل وجود أشخاص ذوي قدرات فكرية معينة على إنتاج أسوأ أنواع التطرف الديني. الحرفية تعد عدوة الإيمان ومتناقضة مع الحقيقة.
إنجيل القديس يوحنا يعد أكثر النصوص الدينية ضمن الكتاب المقدس تحديا للحرفية في تفسير كلماته وسخرية ممن يحاولون تفسير نصوصه بتلك الطريقة.
إن من يؤمن بحرفية تفسير النصوص الدينية يطلق عليهم المتعصبون(The Fundamentalist) وهم بنقسمون إلى عدة أقسام بينهم خط رفيع جدا. القسم الأول من يؤمن بحرفية النص الديني بكل ماتحمله الكلمة من معنى وبدون أي مرونة. القسم الثاني يبدي بعض المرونة في التعاطي من النصوص الدينية كنص رسالة بول الأولى إلى تسالونكي 5:17(صلوا بلا إنقطاع). من وجهة نظرهم فإنها لاتعني الصلاة 24\7 لأن ذالك يعني العجز عن أداء الروتين اليومي الذي يتوجب على اي شخص القيام به. هناك عدد من النصوص الأخرى في إنجيل القديس يوحنا التي يتم التعاطي معها بطريقة حرفية كنص تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل والجدل بين المسيح وأمه في اللحظات التي سبقت العرس, طرد الباعة والصيارفة من الهيكل, مقارنة جسده بهيكل المعبد وغير ذالك من النصوص التي يتملئ بها الإنجيل والتي لو تم الإقرار بالتفسير الحرفي لتلك النصوص أو غيرها فإن المؤمنين الوحيدين سوف يكونون الأشخاص المتعصبين.
في تلك النقطة فإنه يتوجب علينا عدم الخلط بين رواية القصة والأمثال وبين التاريخ وتفهم البيئة التي أحاطت بالروايات عن يسوع المسيح في القرن الأول ميلادي وتأثير الطقوس الدينية والوعظية خصوصا للصوفية اليهودية على تلك الروايات.
في الفصل الثالث من إنجيل القديس يوحنا رواية الحوار بين يسوع المسيح ونيقوديموس, وفي الفصل الرابع رواية حوار يسوع المسيح مع المرأة السامرية, فإنه وفي كلتا الروايتين يتضح التحدي الذي يبديه كاتب إنجيل القديس يوحنا لمن يؤمنون بالحرفية في تفسير النصوص المقدسة. حتى أنه تلك الصورة تتضح أكثر في حواره مع تلاميذه بعد عودته من المهمة التي أرسلهم إليها ومشاهدتهم له يحاور المراة السامرية حيث إستفزهم كونها إمرأة أكثر من كونها سامرية. يسوع المسيح أجابهم عندما طالبوه بأن يأكل (أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم) حيث تتضح الرمزية في تعاليم يسوع المسيح ومدى السخرية التي أبداها كاتب الإنجيل من الحرفية في تفسير تعاليمه.
في رواية أخرى وهي جزء من حوار يسوع المسيح مع الكتبة والفريسيين في الهيكل إثر شفائه مريض قرب بركة بيت حسدا, يقوم بإنتقادهم بقوله ( فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية. وهي التي تشهد لي) من الممكن الإستعانة بها أيضا كمثال على السخرية التي أبداها كاتب الإنجيل ممن يحاولون الأخذ بحرفية النصوص المقدسة.
النصوص في إنجيل القديس يوحنا بكلماتها ليس أكثر من كونها مجرد مؤشر للحقيقة ولكنها ليست هي الحقيقة نفسها والتي سوف يبقى عاجزا عن إستيعابها كل من لم تتفتح عيناه للحقيقة التي يعجز من يؤمنون بحرفية تفسير النصوص عن رؤيتها.
في نصوص الإنجيل الرابع فإن يسوع المسيح ينتقد وبشدة الأخذ بحرفية الكلمات ومعانيها وهي المشكلة التي نعاني منها حاليا في كافة الأديان ونصوصها المقدسة. القديس يوحنا كان بعيدا كل البعد عن الأخذ بحرفية الكلمات وهو لم يفهم أقوال وأفعال يسوع المسيح بالمعنى المجرد للكلمة فقد كان يهوديا يكتب إنجيله متجردا من الحرفية في إستخدام الكلمات ومستخدما الصوفية اليهودية بكل ماتحمله كلماتها وتعابيرها من رمزية.
إنجيل القديس يوحنا يعبر عن الحالة الإلهية التي ظهرت في هيئة بشرية وتقريب الإنسان للمفهوم الحقيقي للألوهية وليس عن الرب الذي تحول إلى إله أو إكتسب صفة البشر وأخذ بالتجول متنكرا في تلك الصفة البشرية فذالك تفسير حرفي للكلام كل من قرأ الإنجيل بتعمن يلاحظ أن كاتبه تعمد الإبتعاد عنه.
إن مايحتاجه قارئ إنجيل يوحنا هو حالة إيمانية في اعلى مستوياتها والإبتعاد عن محاولة الأخذ بحرفية الكلمات التي وردت فيه لأنه ربما هناك جملة واحدة على أحسن تقدير هي من أقوال يسوع المسيح والباقي وإن كانت تعكس جوهر المسيح ورسالته إلأ أنها ليست مما ورد ذكره منقولا عنه.
إن الحقيقة المتعلقة بإنجيل القديس يوحنا أنه لايمكن قرائته أو تفسيره بطريقة حرفية بعيدا عن الصوفية اليهودية ومفاهيمها سوف تقودنا إلى سؤال أخر عن تلك الشخصيات التي ورد ذكرها في الإنجيل, بعض تلك الشخصيات لم يرد ذكره إلا في إنجيل القديس يوحنا وبعضها الأخر ورد ذكره في الأناجيل الأخرى ولكنه تم تقديمه في إنجيل يوحنا بطريقة مختلفة.
تلك الشخصيات التي وردت على وجه الخصوص في التمهيد ليوحنا(2-11) لايمكن التعامل مع أي منها على أنها شخصيات تاريخية حقيقية. أول تلك الشخصيات هو نثنائيل(هدية من الرب) الذي ورد إسمه في يوحنا(1) والتلميذ المحبوب الذي ورد ذكره في ختام الإنجيل.
بالنسبة لشخصية نثنائيل فهي تم تقديمها كتمهيد أو درس تمهيدي لكل من يحاول إكمال قرائة أو تفسير إنجيل القديس يوحنا بطريقة حرفية. فيليب إصطحب نثنائيل ليسوع المسيح كما فعل أندراوس مع بطرس. قيام فيليب بدعوة نثنائيل لمرافقته للقاء بيسوع المسيح جائت مترافقة مع الكلمات التالية: فيلبس وجد نثنائيل وقال له: وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة(يو1:45). نثنائيل كان قد سمع من فيليب قبل ذالك أن يسوع كان من مدينة يقال لها الناصر فتسائل: فقال له نثنائيل: أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟(1:46). عندما وصل فيليب ونثنائيل للقاء يسوع والذي قال وبدون مقدمات موجها كلامه للأخير: هوذا إسرائيلي حقا لا غش فيه(1:47). نثنائيل والذي كان مصدوما من ذالك الترحيب المفاجئ رد على يسوع بقوله: من أين تعرفني؟(1:48). فأجابه يسوع بدوره: جاب يسوع وقال له: قبل أن دعاك فيلبس وأنت تحت التينة، رأيتك(1:48). إن رد يسوع على نثنائيل لا يخلو من رمزية ولايمكن تفسيرها بمعنى حرفي لأن شجرة التين تعتبر رمزا للمكان الذي كان أحبار اليهود يتدارسون تحت أغصانها شريعتهم التلمودية.
إن إكمال قرائة الحوار بين يسوع المسيح ونثنائيل يجعلنا نتسائل عن تقديم تلك الشخصية وهل هي شخصية تاريخية أم من خيال كاتب الإنجيل؟ بالنسبة لإنجيل القديس يوحنا فهو من أوائل التلاميذ الذين تم إختيارهم وهو في قائمة التلاميذ الإثني عشر ولكن لم يرد إسمه في أي من الأناجيل الإزائية ولم يرد له أي ذكر في الفترة التي سبقت كتابة إنجيل القديس يوحنا.
بعض المختصين في دراسة تاريخ المسيحية لديهم وجهة نظر مثيرة للإنتباه وتستحق المزيد من الفحص وهي أن كاتب الإنجيل إستخدم إسم نثنائيل كرمزية ليخفي ورائها شخصية أخرى حقيقية ولكنه يختلف معها في الرأي, شخصية كبولس الرسول. ولمزيد من التوضيح فيما يتعلق بتلك النقطة فسوف أقارن بعض النقاط التي قد تكون مشتركة بين الشخصيتين:
1- وكنت أتقدم في الديانة اليهودية على كثيرين من أترابي في جنسي(غلاطية 1:14) بولس.
أجاب يسوع وقال له: قبل أن دعاك فيلبس وأنت تحت التينة، رأيتك(يوحنا 1:48) نثنائيل
2- من جهة الغيرة مضطهد الكنيسة. من جهة البر الذي في الناموس بلا لوم(فيليبي 3:6) بولس
ورأى يسوع نثنائيل مقبلا إليه، فقال عنه: هوذا إسرائيلي حقا لا غش فيه(يوحنا 1:47) نثنائيل
3- هناك تشابه بين قصة إيمان بولس الواردة في سفر أعمال الرسل(8) والكلام الذي وجهه يسوع المسيح لنثنائيل على وجهة الخصوص, وقال له: الحق الحق أقول لكم: من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان(يوحنا 1:51). ففي كلتا الحالتين تنفتح السماء ويسمع شاول صوت المسيح بينما يرى نثنائيل الملائكة تصعد وتنزل.
من المحتمل أن كاتب الإنجيل والذي كان مختلفا مع شاول فيما يتعلق بمفهوم الخلاص رغب في الإعتراف بفضل شاول فيما يتعلق بعمله التبشيري على سبيل المثال بدون ذكر إسمه الصريح فإستبدله بشخصية نثنائيل والتي من الواضح انه ليس لها أي أساس تاريخي. كما أنه ربما هناك هدف اخر هو التلميح للقارئ بخصوص الطريقة التي سوف يتم إستخدامها في كتابة الإنجيل وأنه لايمكن فهمه وتفسيره بطريقة حرفية.
وحتى تكتمل أركان التشابه فإن بولس قد بدا في مرحلة ما قد أصبح أقرب إلى المناخ السائد في تلك الفترة الزمنية التي عاش فيها القديس يوحنا وخرج إنجيله إلى حيز الوجود. في فيليبي 2: 5-11 تعد كأحد الأمثلة على تلك المرحلة ومقارنة تلك النصوص بما هو مذكور في إنجيل القديس يوحنا سوف يوضح الصورة.
الرسالة إلى أفسس والتي يثار الجدل حولها إذا كان كاتبها بولس الرسول ولكن هناك إتفاق على انها تعبر نوعا ما عن أفكاره وتعد في منتصف الطريق بينه وبين القديس يوحنا وخطوة في الطريق الصحيح لتفسير طبية يسوع المسيح أو مايعرف بالكريستيولوجي(Christology) كما هو واضح في الرسالة إلى أفسس(1:10).
هناك تقاليد كنسية قوية أن الإنجيل الرابع تمت كتابته في مدينة أفسس حيث كان يعيش يوحنا الرسول وأن إحتمال إتجاه بولس للكتابة بإستخدام الرموز والصوفية اليهودية وتأثر يوحنا الرسول به وبكتاباته في مرحلة لاحقة هو إحتمال قوي لا يمكن تجاهله.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

No comments:

Post a Comment