إنتزعت اليونان مؤخرا وبجدارة لقب رجل أوروبا المريض من الدولة العثمانية وهو اللقب الذي أطلق عليها في نهايات عهدها قبل الحرب العالمية الأولى وهزيمتها وتكالب الدول الأوروبية على تقسيمها وتفتيتها. قد يكون هناك دول أخرى في أوروبا تستحق ذالك اللقب ولكن الدولة التي كانت مهد للحضارة الإغريقية والفلسفة والاّداب تهدد ليس العرش الأوروبي حصريا بالزوال وتفتيت الوحدة الأوروبية بل تهدد الإقتصاد العالمي بالمجمل.
مع بداية أزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة 2007\2008 والركود الذي أعقب الأزمة, كانت اليونان تعاني من مجموعة من المشاكل المستعصية على الحل منها جمود إقتصادي, مستوى مفرط من الديون وخصوصا السيادية منها, قوانين ضريبية بالية, نقابات عمالية شبه عسكرية, إنتشار الفساد, عملة مبالغ في قيمتها وتوقعات بإرتفاع مستوى المعيشة في منطقة اليورو وذالك بناء على معلومات خاطئة. وعلى الرغم من ذالك فإن مفوض الشؤون الإقتصادية للإتحاد الاوروبي جواكين ألمونيا(Joaquin Almunia) قد صرح سنة 2009 بأداء الإقتصاد اليوناني مقارنة بمتوسط الأداء الإقتصادي للإتحاد الأوروبي والذي كان في حالة ركود.
ويسأل الكثيرون أسئلة مثل هل بدأ تساقط أحجار الدومينو؟ وهل سوف تكبر الكرة الثلجية لتتحول لأكبر أزمة إقتصادية عرفها العالم في تاريخه؟ إنفجار فقاعة الديون.
هناك بعض النقاط والتي قد تصلح كعناوين رئيسية وخطوط عريضة لما يسمى أزمة اليورو ودور اليونان فيها مما يهدد بإنهيار اليورو وتفكك الإتحاد الأوروبي وهي:
- الإتحاد الأوروبي يتألف من 27 دولة منخرطة فيه بشكل أو بأخر فالجنيه الإسترليني مازال معتمدا في بريطانيا والتي ترفض الإنضمام للوحدة النقدية الأوروبية وتتخذ سياسة هجرة خاصة بها.
- الهوة بين الفائض والعجز في دول الإتحاد الأوروبي يزداد مع مرور الوقت كما أن الإتحاد الأوروبي فشل في خلق وحدة نقدية حقيقية.
- الإعلان في 9\مايو\2010 عن حزمة إنقاذ مالية 750 مليار يورو وبرنامج شراء السندات من قبل البنك المركزي الأوروبي مما يعني بحسب بعض الأراء التخلي عن إستقلاليته وأن ماتم
إطلاقه من تصريحات وأراء إيجابية بخصوص اليورو هي منافية للحقيقة والواقع.
إطلاقه من تصريحات وأراء إيجابية بخصوص اليورو هي منافية للحقيقة والواقع.
- بعض الدول في الإتحاد الأوروبي تعاني من أثار سنين من إجرائات التقشف التي فشلت في تحقيق الإستقرار المالي والإقتصادي المنشود مما أدى لوضع قيود على نظامها السياسي.
- مشكلة الديون السيادية للإتحاد الأوروبي تفاقمت ووصلت لتريليونات من الدولارات حيث وأنه في الوقت نفسه فإن تلك الدول تعاني من المشكلة الديمغراطية وتكاليف معاشات التقاعد المرتفعة.
- سمح لليونان بإقتراض مبالغ تصل إلى 300 مليار دولار على الرغم من الحاجة إلى إصلاحات في بنيتها السياسية والإقتصادية, إعتماد مفرط على الصناعات التكنولوجية المتوسطة, فساد مزمن في قطاعها العام وحصانة غير معلنة ممنوحة للسياسيين الفاسدين.
- الإقتصاد العالمي بالمجمل كان مثقلا بالديون وقيام البنوك بزيادة مستوى الأزمة بمغامرتها بأموال المودعين ومدخراتهم في بورصات الأسهم والسلع الأساسية مما أدى لفقاعات في مجالات مختلفة مثل فقاعة شركات التكنولوجيا وفقاعة إنهيار سوق الإقراض العقاري 2007\2008.
المشكلة التي يعاني منها المسؤولون عن الملف الإقتصادي في الإتحاد الأوروبي هي أنهم لا يتعلمون من أخطاء الماضي وعثراتته كمشكلة الديون السيادية في الأرجنتين, إقتراب الإتحاد الأوروبي من الإنهيار سنة 2010, أزمة الديون في اليونان سنة 2000. المشكلة الحقيقية هي في معلومات مضللة ومتحيزة تم تقديمها والتسويق لها في وسائل الإعلام المختلفة مما أدى إلى مجموعة من الإخطاء المنهجية المتكررة منها:
- تحليل البيانات المتوفرة عن الحالة الإقتصادية وحركة الأسواق في وقتنا الحالي في محاولة لإستقراء المستقبل بطريقة تفترض الإستمرارية على الرغم من معارضة كافة البيانات والنتائج المتوفرة.
- إرتكاب أخطاء في تشخيص الحالة الإقتصادية من خلال تحديد أنماط غير موجودة والمبالغة في مستوى معرفة المسؤولين عن تشخيص الحالة الإقتصادية والذين قدموا توقعات متفائلة بشكل مفرط.
- توسع الإعتماد على مفهوم الناتج المحلي الإجمالي(GDP) كمفتاح رئيسي لفهم الأداء الإقتصادي مما أدى إلى عدم التمييز بين نمو إقتصادي ثابت ونمو إقتصادي عن طرق الإنفاق المعتمد على الديون والإقتراض.
إن تلك الأزمة والتي نشأت من السماح بإقراض اليونان مبالغ مالية وصلت 300 مليار دولار تقريبا تهدد الإتحاد الأوروبي كمجموعة وخصوصا مع تعنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورفضها شطب الديون المستحقة على اليونان وتهديد اليونان تهدد برفع دعوى أمام المحكمة الأوروبية لإجبار الإتحاد الأوروبي على إقراضها المبالغ اللازمة وإنقاذ إقتصادها المنهار وبنوكها التي توشك على الإفلاس.
والسؤال هو لماذا تم تجاهل كل تلك الأزمات والمشاكل التي تعاني منها اليونان والسماح لها بإقتراض مبالغ وصلت إلى 300 مليار دولار؟
هل كانت صدفة تم إكتشافها سنة 2010 وكادت تتسبب بإنهيار الإتحاد الأوروبي أم أن المعلومات والحقائق كانت ماثلة أمام المسؤولين عن الملف الإقتصادي وتم تجاهلها؟
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment