Flag Counter

Flag Counter

Sunday, July 19, 2015

المستقبل بنكهة الماضي, هل سوف يتكرر سيناريو إفلاس الأرجنتين سنة 2000 مع اليونان؟

السؤال الذي يسأله الجميع لماذا لا يتعلم المسؤولون من دروس وعبر الماضي؟ ألم تكفي عشرة سنين فصلت بين إعلان الأرجنتين إفلاسها وعجزها عن سداد ديونها سنة 2000 وسنة 2014 حين أوشكت على ذالك مرة أخرى وبين أزمة اليونان سنة 2010 والتي تم حلها مؤقتا بحزمة إنقاذ من 750 مليار يورو؟
في وقتنا الحالي يطل شبح الأزمة اليونانية من جديد حيث تم إنتخاب أليكسس تسيبراس والذي يمثل الإتجاه اليساري رئيسا للوزراء وتسارعت الأحداث حيث تم رفض خطة الدائنين الدولية مقابل قرض جديد يتم تقديمه لليونان لإنقاذها من الإفلاس. البنوك في اليونان أغلقت أبوابها وتم تحديد مبلغ 60 يورو يوميا كحد أقصى للسحب من ماكينات الصراف الألي وكادت الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ حتى تم الموافقة على قرض عاجل بقيمة 7 مليارات دولار مما سوف يسمح للبنوك بفتح أبوابها مرة أخرى ولكن إلى متى؟
في سنة 1991 بالنسبة للأرجنتين وسنة 2001 بالنسبة لليونان فقد إنضمت الدولتان ضمن برنامج مايعرف ببرنامج إستقرار أسعار الصرف(exchange rate stabilisation) في محاولة لإنقاذ مايمكن إنقاذه من إقتصاديتهما المنهارة.
إن وجه المقاربة بين الأرجنتين واليونان في برنامج إستقرار أسعار الصرف يتمثل في النقاط التالية:
- إرتفاع حقيقي في سعر صرف العملة
- طفرة إقتصادية وإستهلاكية
- إختلال في الموازين التجارية الخارجية
الأرجنتين سنة 2000 تعرضت لما يعرف بالتضخم المفرط(Hyperinflation) حيث كان ملامح ذالك التضخم المفرط قد ظهرت سنة 1998 بوصول مؤشر أسعار المستهلك إلى 5000 نقطة وشكل ذالك صدمة للكثيرين حيث كانت الأرجنتين تعد من أغنى دول أمريكا اللاتينية وصاحبة أحد أقوى الإقتصاديات فيها.
عندما فاز كارلوس منعم بمنصب الرئاسة سنة 1989, قام بإتخاذ عدة إجرائات لكبح التضخم المفرط منها مصادرة الحسابات الإستثمارية قصيرة المدى وإستبدالها بسندات حكومية طويلة المدى ولمن ذالك كان حلا مؤقتا حيث أنه في أواخر عام 1990 عاد شبح التضخم يطل من جديد في الأرجنتين وبدأ المواطنون الأرجنتينيون من أصول إيطالية على سبيل المثال العودة لبلدهم الأم بهدف البحث عن عمل.
الأرجنتين كما اليونان لديهما مطار متقدم وأسواق سلع إستهلاكية وكل مايدل على إقتصاد متقدم وينمو بسرعة ولكن المشكلة إفتقارهما للمشاريع المتوسطة-الكبيرة والتكتلات الإقتصادية كتلك الموجودة في الولايات المتحدة والتي هي تعتبر العمود الفقري لأي إقتصاد حقيقي مما أدى إلى خلق هوة إقتصادية إتضحت أثارها في وقت لاحق.
في أوائل سنة 1991 قام الرئيس الأرجنتيني بتغيير المبادئ التي يقوم عليها إقتصاد الأرجنتين فقام بالبدء ببرنامج خصخصة طموح, إلغاء ضرائب الحماية على المنتجات المحلية(Tariffs), سياسات مالية لمكافحة التضخم. وفي نهاية شهر يناير 1991 تم تعيين دومينغو كافالو(Domingo Cavallo) كوزير للإقتصاد والذي إتخذ عدة إجرائات إضافية محققا بعض النجاح منها محاولة العودة لنوع من قاعدة المعيار الذهبي الكلاسيكي والدولار الأمريكي كعملة إحتياطية مما يتطلب وجود كمية من الذهب أو الدولارات الأمريكية مساوية لكمية العملة الأرجنتينية(البيزوس) المطبوعة.
أحد العوامل أو لنقل المشاكل المشتركة بين الأرجنتين واليونان والتي أدت لزيادة الوضع سوأً بالنسبة لكلا البلدين هي مشكلة المسحوبية(Clintallism) أو مايطلق عليه(الواسطة) والتي أدت بدورها إلى ظهور مايسمى بالطبقة الأوليغارشية(oligarchs) والتي تعني حكم الأقلية وتحكم عدد محدود من رجال المال والأعمال بالتعاون مع موظفين حكوميين بارزين بالتجارة والإقتصاد وتكوينهم طبقة خاصة بهم فيما يشبه نادي للنخبة المسيطرة.
حاول الرئيس الأرجنتيني جوان بيرون حين فاز بالإنتخابات الرئاسية سنة 1946 القيام بتحقيق الوعود التي إستند عليها برنامجه الإنتخابي القائم على سياسة الحماية الإقتصادية, تعزيز الشعور الوطني, حماية الفقراء ومحدودي الدخل. كانت تلك محاولة لإتباع سياسة تقوم على الموازنة بين المبادئ الشيوعية والرأسمالية وذالك في بداية الحرب الباردة. وفي سبيل تطبيق تلك السياسة قام بمحاولة لخلق بيئة صناعية وتعزيز دور الصناعة حيث تم إنشاء مصنع للطائرات ومصنع للسيارات وذالك عبر مبادرات حكومية وطنية ولكن تلك المحاولات بائت بالفشل لأن الدولة حاولت القيام بدور طبقة إجتماعية كاملة من الصناعيين والممولين والذين يلعبون تلك الأدوار في المجتمعات الصناعية المتقدمة.
تلك المحاولات التي قام بها جوان بيرون كانت البداية لإستفحال ظاهرة المحسوبية حيث أن سيطرة الدولة على مفاصل إقتصادية أو تأميمها يعارض مبادئ مايدعى الإقتصاد الحر حيث كانت النتيجة الحاجة إلى البيروقراطية الحكومية عند كل منعطف وبطريقة أدت إلى تعطيل الإستثمار وتدفق رأس المال الأجنبي إلى الأرجنتين. التنازلات التي قام بها الرئيس الأرجنتيني لصالح النقابات العمالية جعلت من الصعوية طرد أي عامل مما أدى لخلق سوق عمل غير مرنة وطاردة للإستثمارات.
في الإقتصاديات المتقدمة, يتم خلق الثروة من قبل تكتلات إقتصادية في مجالات متخصصة والتي تقوم بدورها بإستخدام تلك الثروة في محاولة لحماية مصالحها عن طريق خلق كيانات سياسية أو تمويل كيانات سياسية موجودة في ساحة العمل السياسي عن طريق التبرعات وذالك في محاولة للتاثير على صانع القرار لصالح تلك التكتلات.الولايات المتحدة وبريطانيا كنماذج لتلك النوعية من الإقتصاديات. في الأرجنتين واليونان كان الوضع معكوسا حيث كان لدى السياسيين الصلاحيات لخلق الثروة عن طريق السيطرة على السيطرة على مشاريع ومصالح إقتصادية حكومية بقرار سياسي ومد نفوذهم إليها أو عن طريق الإستدانة من الأسواق المالية والممولين الدوليين(اليونان نموذجا) وتقديم العائدات والأموال لجماعات المصالح واللوبيات لشراء الأصوات والتأثير على سير العملية الإنتخابية.
المؤسسات والمصالح المالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدولي ينطبق عليها المثل القائل (حسابات الحقل لم توافق حصاد البيدر) حيث تم إرتكاب أخطاء تاريخية وخصوصا في حالة اليونان وذالك بالنظر إلى أرقام وحسابات وإحصائيات وبينات جداول إقتصادية كان من السهل على المسؤولين الفاسدين تزييف الحقائق ولم تتم دراسة الديناميكية الإقتصادية لليونان وطريقة عملها التي تعاني من مجموعة مشاكل مزمنة تعد المحسوبية أحدها. كل ذالك أدى إلى خلق بيئة غير ملائمة لنمو القطاع الخاص حيث كانت المؤسسات الديمقراطية والإقتصادية في الأرجنتين تعد ظاهرة غريبة إستعصت على فهم المؤسسات الغربية ومعاهد البحث حيث تشكيلة الحكم تتألف من شيوعيين وفاشيين وديمقراطيين, أشخاص من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين.
النتيجة كانت الإطاحة بحكم بيرون سنة 1955 بإنقلاب عسكري نتيجة سياسات إقتصادية فاشلة يضاف إليها هبوط مستوى شعبيته بين الطبقة العليا من المجتمع وشكوك الكنيسة حول توجهاته الشيوعية.
أحد رجال الأعمال في الأرجنتين (Gerardo Saporosi) والذي قام وبصعوبة بالغة بالمحافظ على مصالحه التجارية كل فترة الإضطرابات التي مرت بها الأرجنتين لخص المشكلة في الأرجنتين مرجعا إياها إلى الفترة(البيرونية) وفترة الحكم العسكري التي تلت إنقلاب سنة 1955. في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كانت الأرجنتين وخصوصا من الناحية الإقتصادية مكافئة لدول مثل أستراليا وكندا بل وكان في طريقها لتصبح أفضل من دول مثل الصين أو روسيا أو الهند والتي هي حاليا تعد من تحالف دول البريكس. الفترة التي تلت سنة 1950 وحتى 1990 شهدت هروب رؤوس الأموال الأجنبية والمحلية ومعاناة المصالح الصناعية والتجارية في إعادة توظيف رأس المال المتوفر بطريقة تضمن إستمرار تحقيق الأرباح على المدى البعيد حيث قامت بتصفية أعمالها بهدوء. الإجرائات التي قام بها الرئيس كارلوس منعم سنة 1990 تكفلت بالقضاء على ماتبقى من تلك المصالح التجارية والإقتصادية ومغادرتها الأرجنتين مما كان له نتائج كارثية مازالت تعاني منها إلى وقتنا الحالي.
في الفترة التي تلت العودة إلى الديمقراطية سنة 1983, فقد قام أول رئيس أرجنتيني منتخب راؤول ألفونسن(Raul Alfonsin) بإتباع سياسات بيرونية على الرغم من معارضته لها وذالك بسبب شعوره بالحاجة إلى مجاملة القاعدة الإنتخابية التي أوصلته للسلطة بعد سنوات مايعرف بحكم(Junta)-العصبة العسكرية والتي عانت بشدة من سنة 1950 إلى سنة 1983.
منذ سنة 1984 وحتى سنة 1989, كان هناك 13 إضرابا عماليا عاما حيث قامت النقابات بالدعوة لتحسين مستوى الأجور وظروف العمل. رجال المال والأعمال والمزارعون قاموا أيضا بالطلب معاملتهم تفضيليا كالفئات الأخرى. إن كل ذالك أدى إلى ضغوطات كبيرة على الميزانية العامة, زيادة كميات العملة المطبوعة لتلبية طلبات النقابات والفئات الأخرى, زيادة مستوى العجز والذى أدى بدوره إلى تضخم مفرط. بين سنة 1975 و سنة 1989, إرتفع مستوى الدين السيادي الأرجنتيني من 14% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 66% حيث نسبة كبيرة من ذالك الدين كانت السياسات التي إتبعها  راؤول ألفونسون هي السبب الرئيسي لذالك الإرتفاع المسبوق في الدين السيادي الحكومي.
مثال بسيط على الفساد في الأرجنتين حيث ذكر أحد أبناء رجال الأعمال في الأرجنتين أن عضوا في القوات المسلحة الأرجنتينية حاول إقناع والده بشراء لوحات إعلانية ضخمة على أحد الطرق والتي تكون في الإتجاه المعاكس للسير على الطريق مع ضمان العسكري الأرجنتيني بعكس إتجاه سير الطريق وإقتسام العائدات مع رجل الأعمال. كما كان هناك برنامج الخصخصة في الأرجنتين والذي حامت حوله شبهات فساد حيث تلقى رجال أعمال مقربين من نظام كارلوس منعم معاملة تفضيلية لشراء شركات حكومية بأسعار تقل عن قيمتها الحقيقية.
في اليونان كانت هناك محاولات مماثلة لشراء السلام الإجتماعي بواسطة المحسوبية ومنح الإمتيازات والبطالة المقنعة حيث شهدت فترة الثمانينيات ظهور قطاع عام فاسد في اليونان تعاني من أثاره حتى الأن حيث لم يتم أي إصلاحات جذرية وحقيقية.
مشكلة أخرى تعاني منها اليونان كما الأرجنتين وهي النظام القضائي الذي تنعدم فيه الشفافية وتطبيق القوانين حيث يتأخر جلب المسؤولين الفاسدين ومحاسبتهم أمام القضاء وقد لا يتم ذالك وفي أفضل الأحوال تصدر أحكام مخففة أو مع وقف التنفيذ.
إن إقتصاديات الأرجنتين واليونان تفتقر إلى أربعة عوامل أساسية حتى تساهم في الدخل القومي بفعالية وتساهم في تطور ونمو صحي لقطاع المال والأعمال:
- شروط العمل وظروفه من توفر عمالة ماهرة ومواد أولية وبنية تحتية لا غنى عنها لتأسيس إقتصاد تنافسي.
- ظروف عرض وطلب مواتية وملائمة
- صناعات تتمتع بقدرة على التنافسية الدولية
- تخطيط إستراتيجي وسياسات مالية وقانونية حازمة
مع بالغ تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية




No comments:

Post a Comment