Flag Counter

Flag Counter

Thursday, July 16, 2015

أزمة الديون السيادية الأمريكية وتأثيرها على التصنيف الإئتماني للولايات المتحدة

ينقل عن الكاتب الروائي الأمريكي الأشهر أرنست همينغوي في روايته "الشمس تشرق أيضا" حوار بين شخصين هما بيل ومايك حيث يسأل الأول الثاني عن كيفية إعلان إفلاسه فيجيبه: بالتدريج, بالتدريج ثم فجأة. السؤال الذي يطرح نفسه هذه الأيام وهو بطل النقاشات بلا منازع عن الدولار الأمريكي وإنهياره وبالتالي إنهيار الولايات المتحدة من الناحية الإقتصادية وإنتهاء عهد السيطرة والهيمنة الأمريكية على العالم.
من الناحية الإقتصادية فالولايات المتحدة سوف لن تنهار إقتصاديا بالطريقة التي يتخيلها البعض حتى وإن إنهارت عملتها وفقدت قيمتها فالدولار فقد 98% من قيمته منذ بداية تداوله أيام الرئيس الأمريكي السابق إبراهام لينكولين وهو الأن في إرتفاع بسبب عدة عوامل منها هبوط أسعار النفط. الولايات المتحدة سوف تصاب بما أسميه "زكام إقتصادي" عبارة عن ضعف ووهن إقتصادي ولكن بدون أن تفقد سطوتها العسكرية حتى بظهور منافسين. الحرب العالمية الثالثة سوف تكون عبارة عن معارك جانبية أو حروب بالوكالة هنا وهناك وضربات أمنية متبادلة والجزء الأكبر منها سوف تكون ساحته أسواق البورصات والأسهم والسندات وسوف يتم فيها إستخدام أدوات إقتصادية مثل العقود الإشتقاقية والعقود المستقبلية وهي إن لم يخيبني ظني فإن التلاعب بها(العقود المستقبلية) هو الذي تسببت مؤخرا بهبوط أسعار النفط. في اللحظة التي سوف تشعر الولايات المتحدة بفقدان هيمنتها العسكرية على العالم فإن ذالك قد يعني حربا نووية وإن كنت أستبعد ذالك الإحتمال لأن حصوله معناه فناء الجنس البشري بكل ماتحمله الكلمة من معنى وهي حقيقة تعرفها الولايات المتحدة قبل منافسيها.
سنة 2007-2008 كان سبب الإنهيار الإقتصادي والكساد هو إنفجار الفقاعة العقارية في الولايات المتحدة وبالتالي إنهيار الأدوات الإقتصادية المرتبطة بها مثل (Subprime Mortgage Loans) و (Collateral damage obligation) حيث تعددت الأسباب وتشعبت ولم تقتصر أضراره على الولايات المتحدة بل كانت أزمة عالمية. الإنهيار الإقتصادي القادم يمكن تلخيصه بسبب واحد أزمة سندات الدين السيادي الأمريكي والتي لايوجد دولة او مؤسسة مالية في العالم غير متورطة فيها بشكل أو بأخر حيث كان من الشائع القول أن الإستثمار في تلك السندات هو من أفضل الإستثمارات في العالم من ناحية الأمان إن لم يكن أفضلها وكل ذالك بسبب الثقة بحكومة الولايات المتحدة ووفائها بإلتزاماتها. وقبل أن نبدأ في تحليل الأسباب التي سوف تؤدي إلى ذالك الإنهيار أو الزكام الإقتصادي, علينا أن نضع تحت كلمة الثقة مليون خط ونركز عليها لأنها الكلمة المحورية التي سوف تدور حولها كل نقاط الموضوع.
في أوغسطس 2011 قامت وكالة التصنيف الإئتماني ستاندرز أند بورز(S&P) بتخفيض التصنيف الإئتماني للولايات المتحدة من درجة(AAA) إلى درجة(AA) وذالك للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة. في ذالك التاريخ فإن حجم سندات الدين السيادي الذي تصدره وزارة الخزانة الأمريكية بلغ 16 مليار دولار وذالك بدون حساب ديون الحكومات والمحلية والبلديات والقروض الدراسية التي تصدر لتغطية تكاليف الدراسة الجامعية.
رابط من موقع شركة (S&P) لإعلان ذالك التخفيض في التصنيف الإئتماني للولايات المتحدة وأسبابه:
http://www.standardandpoors.com/ratings/articles/en/us/?assetID=1245316529563
ماذا يعني إنخفاض التصنيف الإئتماني لأي دولة سواء كانت بحجم الولايات المتحدة أو بحجم أيسلندا؟ وماذا تعني درجة تصنيف إئتماني AA؟
يتم تقسيم التصنيفات الإئتمانية إلى مجموعة درجات, يمكن الإطلاع عليها على رابط الويكيبيديا التالي:
مايهمني هو درجة التصنيف (AAA) ودرجة التصنيف (AA) وهي تنقسم إلى:
AAA: أفضل نوعية المقترضين، موثوقة ومستقرة (وكثير منها الحكومات)
AA: مقترضين ذو جودة، ومخاطر أكبر قليلاً من AAA. ويشمل:
+AA: أي ما يعادل Aa1 في تصنيف موديز. (جودة عالية ومخاطر ائتمانية منخفضة جدا، ولكن التعرض للمخاطر على المدى الطويل تبدو أعلى نوعا ما).
AA: أي ما يعادل Aa2‏.
-AA: أي ما يعادل Aa3‏.
A: نوعية المقترضين الذين يمكن أن يتأثر استقرارهم المالي ببعض الأوضاع الاقتصادية
+A: أي ما يعادل A1‏.
A: أي ما يعادل A2‏.
مؤسسة موديز التي وردت في تصنيف (AA+) هي مؤسسة أخرى من مؤسسات التصنيف الإئتماني والتي لعبت دورا أساسيا بالإشتراك مع مؤسسة ستاندرز أند بورز(S&P) وغيرها من مؤسسات التصنيف الإئتماني في الأزمة المالية سنة 2007-2008 حيث قامت بتجاوز المعايير ومنح درجات تصنيفات إئتمانية مرتفعة لأدوات مالية بشكل مبالغ فيه مما أدى إلى إفلاس مؤسسات مالية أو وضعها تحت وصاية بنك الإحتياط الفيدرالي الأمريكي.
درجة التصنيف (AAA) هي التي كانت تتمتع بها سندات الدين التي تصدرها وزارة الخزانة الأمريكية وهي درجة التصنيف الإئتماني الأعلى والتي تتمتع بها الولايات المتحدة بشكل عام. تخفيضها في أوغسطس 2011 من قبل وكالة التصنيف الإئتماني ستاندرز أند بورز(S&P) إلى درجة (AA) وتحديدا (AA+) والتي تعني جودة عالية ومخاطر منحفضة ولكن على المدى القصير بينما ترتفع نسبة المخاطرة كلما زادت المدة. وهنا علينا أن نمر على نقطة نسبية مهمة(تختلف الأراء حولها) وهي أن سندات الدين السيادية يطلق عليها(Fixed income investment) لأن نسبة الفائدة فيها ثابتة لا ترتبط بنسبة التضخم ممايعني تأكل القيمة المالية بزيادة الزمنية التي يتم إصدار السند بموجبها. ولكن هناك أيضا سندات دين سيادية وخصوصا في الولايات المتحدة يتم إصدارها وتكون مرتبطة بنسبة التضخم حتى لا تتأكل عوائد الإستثمار ويؤدي ذالك لعزوف المستثمرين عن شرائها. من المعروف أن الإستثمار في الأسهم(Variable income investment) يجلب عوائد أعلى على المدى الطويل حتى في حال ظهور ملامح ضعف في بداية فترة الإستثمار بينما تقل العوائد مع قصر فترة الإحتفاظ بالأسهم في مايعرف بالمحفظة الإستثمارية(Portfolio) ولذالك يفضل بعض المستثمرين تلك النوعية من الإستثمارات عن شراء سندات الديون السيادية. وحتى تلجأ الحكومات وخصوصا الولايات المتحدة لزيادة جذب الإستثمارات في إتجاه سندات الدين السيادية فإنها تقوم برفع نسبة الفائدة وخصوصا على المدى الطويل بما يحقق الغاية من زيادة نسبة الإقبال وتقليل نسبة السيولة المالية في الأسواق بما يؤدي إلى تخفيض نسبة التضخم.
سوف نعود مرة أخرى لكلمة (الثقة) وقلت لكم أن تضعوا تحتها مليون خط فهي المفتاح الأول والأخير لفهم أسباب المشكلة وأي حلول مقترحة. النشرات التي تصدرها وكالات التصنيفات الإئتمانية تخضع لمتابعة مستمرة من قبل كبار المسؤولين عن صناديق التحوط وصناديق الإستثمار السيادية والمؤسسات المالية والإستثمارية وتخفيض التصنيف الإئتماني للولايات المتحدة حتى لو درجة واحدة يعني إهتزاز (الثقة) بالوضع المالي والإقتصادي للحكومة الأمريكية وإنخفاض قيمة عملتها بسبب ضعف الطلب عليها وذالك مبدأ إقتصادي معروف, مبدأ العرض والطلب.
الولايات المتحدة وفي مواجهة ذالك سوف تتخذ مجموعة إجرائات مالية وإقتصادية قد تشمل إصدار قوانين إصلاح مالية والحد من النفقات الحكومية وقوانين إصلاح متعلقة بأسواق الأسهم والسندات ولكن الأهم هو رفع نسبة الفائدة مما يعني زيادة أرباح المستثمرين في سندات الدين السيادية على المدى البعيد بمدة إحتفاظ تتجاوز 10 سنين على سبيل المثال. إن تلك الإجرائات سوف تؤدي إلى زيادة الإقبال على تلك السندات ولكن في المقابل سوف تؤدي إلى إرتفاع تكاليف خدمة الدين السيادي مما يؤدي إلى زيادة تكاليف الإقتراض للمشاريع والأعمال وشح السيولة من الأسواق. إن الأثار الجانية لذالك الزكام الإقتصادي سوف تتجاوز كل التوقعات ويكفي نظرة سريعة على موقع ساعة الدين القومي الأمريكي على الموقع التالي(http://www.usdebtclock.org/) لإستنتاج مجموعة حقائق مع ملاحظة تقريب الأرقام:
- الدين القومي الأمريكي 18 تريليون دولار
- حجم الإنفاق الحكومي الأمريكي 3.5 تريليون دولار سنويا
- حجم العجز في الإنفاق 475 مليار دولار حتى لحظة كتابة الموضوع
- حجم خدمة الدين السيادي 250 مليار دولار حتى لحظة كتابة الموضوع
- حجم الناتج المحلي الإجمالي(GDP) بلغ 17.5 تريليون
- نسبة الدين السيادي لحجم الناتج الإجمالي المحلي بلغ نسبة 103%
نصيب كل مواطن أمريكي منذ لحظة ولادته من الدين السيادي هو 56 ألف دولار تقريبا بينما ترتفع تلك النسبة إذا كان عاملا ويدفع ضريبة دخل إلى 154 ألف دولار. في تلك الإحصائيات إستثنيت حجم الديون الشخصية ونصيب الفرد الأمريكي منها وإستثنيت إحصائيات أخرى تستطيعون أن تجدونها كاملا وبشكل مباشر على الموقع المذكور.
الدين السيادي للولايات المتحدة كان 14 تريليون دولار سنة 2011 وإرتفع إلى 16 تريليون دولار في نهاية السنة التي تليها 2012 ويرتفع سنويا بمعدل تريليون دولار على الأقل وتلك أرقام مهولة بكل المعايير حيث أن الولايات المتحدة إستغرقت الفترة الزمنية بين 1776-1982 لتسجيل عجز في الميزانية بلغ تريليون دولار بينما حاليا ذالك المستوى في عجز الميزانية يمكن بلوغه في سنة واحدة أو حتى أقل من سنة.
سنة 2011 قامت الولايات المتحدة بإنفاق 188 مليون دولار كل ساعة من الأموال التي يتم تسجيلها على خانة عجز الميزانية, أي أموال ليس في حوزتها الخزينة الحكومية ويجب تغطيتها بإصدار سندات دين سيادية من قبل وزارة الخزانة.
في خطابه السنوي(State of the Union Speech)  سنة 2012, الرئيس الأمريكي طالب بإصلاحات ضريبية تحقق المساواة في توزيع العبئ الضريبي والعدالة بين الشرائح الضريبية المحتلفة وذكر أنه يتوجب على الملياديرات الأمريكيين دفع نسبة ضرائب تكون مساوية لما يدفعه مدراء مكاتبهم.
تلك النقطة تشغل حيزا واسعا في النقاشات حول قوانين الإصلاحات الضريبية والتي أصبحت تمنح إعفائات ضريبية للشركات العملاقة والأغنياء لتشجيعهم على إستثمار أموالهم وخلق فرص عمل بينما يتم تحميل العبئ الضريبي لأصحاب الدخل المحدود والطبقة الوسطى. المشكلة أن تلك الإمتيازات يتم منحها بضغط من اللوبيات وأصحاب النفوذ من رجال الأعمال ومدراء الشركات الكبيرة والمؤثرة والذين يضغطون هذه الأيام لحجب قوانين متعلقة برفع الحد الأدنى للأجور في الولايات المتحدة إلى 15 دولار\الساعة بينما قد لاتزيد في بعض الولايات عن 8 دولار\الساعة. تلك الشركات تقوم بإستغلال تلك الإعفائات الضريبية وترسل الأموال إلى بنوك خارج سيطرة القوانين الضريبية الأمريكية فيما أصبح سعرف بجنة ضريبية(Offshore Bank Accounts) أو قد تقوم بتسجيل مكاتب تجارية في تلك البلدان بينما في الحقيقة تقوم بممارسة نشاطها التجاري داخل الولايات المتحدة.
وارن بافيت قد يكون أحد المعنيين بخطاب الرئيس الأمريكي حيث يشاع على نطاق واسع أنه يقوم بدفع معدل ضرائب أقل بكثير مما يدفعه سكرتيره الشخصي. وبالإستعانة ببعض الإحصائيات فأن وارن بافيت
كان يعد أغنى شخص في العالم سنة 2009 بمبلغ 40 مليار دولار ومتوسط دخله السنوي 3 مليار دولار قبل إحتساب الضرائب وهو مبلغ تستدينه الحكومة الأمريكية لتغطية عجز الميزانية في فترة زمنية 17 ساعة. وبحسبة بسيطة فإن عجز الميزانية المسجل سنة 2011 بعد التعديل بحساب نسبة التضخم بلغ تريليون وأربعمائة مليار دولار(1400000000000) يحتاج دفعه كاملا إلى فترة زمنية 466 سنة تقريبا بمعدل أرباح وارن بافيت السنوية. تلك الفترة(466) سنة قد تكون كافية لإقناع أغنى 400 شخص على قائمة فوربس للهجرة بأموالهم للولايات المتحدة وإستخدام ثرواتهم في سداد عجز الميزانية الحكومية.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل هناك عدد كافي من الملياديرات والذي تكون أرباحهم السنوية كافية لو تم وضع اليد عليها بكاملها كضرائب أو حتى وضع اليد على ثرواتهم بكاملها لسداد عجز الميزانية الحكومية للولايات المتحدة المتراكم والبالغ حتى لحظة الإنتهاء من كتابة الموضوع مبلغ 17600141960220(سبعة عشرة تريليون وستمائة مليار ومائة وواحد وأربعون مليون وتسعمائة وستون ألف ومائتان وعشرون دولار) فقط لا غير؟
مع بالغ تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

No comments:

Post a Comment