السبب في تقدم الأمم أو تأخرها قد يكون المؤسسات والسياسة أو كما يرى البعض من وجهة نظرهم هو انفتاح المجتمع, سيادة القانون وقبول التدمير الخلاق عوامل مهمة في التقدم الإقتصادي. هناك عدد من العوامل المجتمعة التي تساهم في صعود الأمم أو سقوطها ومن غير الممكن الاعتماد على عامل واحد في تفسير أسباب تلك الظاهرة. ولكن أمرا واحدا يمكنه اعتباره عاملا تاريخيا مشتركا وهو أنه لا يمكن صعود الأمم أو هبوطها جميعها معا, الرأسمالية من وجهة نظر البعض هي التي ساهمت في صعود الأمم لأنها لا تزدهر بدون المؤسسات, القانون و التدمير الخلاق. كما يرى البعض أن فقراء المكسيك والسكان الأصليين في البرازيل على سبيل المثال هم السبب في سقوط أممهم حيث لا يمكن إزدهار الرأسمالية والقانون ولكن العصابات والفوضى والفساد.
إنَّ جذور المشكلة قد تكون هي الفقر. إن دخل المواطن المصري يقل ١٢ ضعفا عن نظيره الأمريكي أو الألماني, متوسط العمر أقل عشر سنوات و ٢٠% من السكان يعيشون في فقر مدقع. بينما تعتبر تلك الفروقات ظاهرة لكنها تبقى أفضل حالا من دول مثل سيراليون أو كوريا الشمالية أو زيمبابوي. السبب في فقر سكان مصر و كوريا الشمالية هو الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة كما يروج مثقفون غربيون و وسائل إعلام في دول الغرب لم ولن تقدم وجهة نظر محايدة. الرئيس المصري محمد حسني مبارك الذي حكم ما يزيد عن ثلاثين عاما هو السبب في مشاكل مصر وفقر سكانها. مصريون تظاهروا خلال أحداث الربيع العربي في مصر تحدثوا عن معاناتهم مع الفساد, القمع, غياب الحريات السياسية, نظام التعليم السيئ, إنعدام المساواة والخدمات العامة سيئة. إن الحديث عن مصر وإستخدامها نموذجا يمكن أن يلخص تناقض وتعارض وجهات النظر والآراء التي تتحدث عن المؤسسات وحكم القانون أنها السبب في الإزدهار وحيث لا يمكن الحديث عن جميع الدول في موضوع أو حتى سلسلة مواضيع لأن ذلك يحتاج الى كتب ومؤلفات وربما موسوعات.
مصر أقرضت بريطانيا التي كانت على وشك الإفلاس بسبب تورطها في الحرب العالمية الأولى حينما كان البريطانيون هم من يعاني من المجاعة والفقر لأن حكومتهم فضلت إنفاق المال على الحروب والأساطيل البحرية. بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية لجأت الى برامج تقنين الغذاء بسبب الحصار البحري الألماني وكانت مرة أخرى على وشك الإفلاس والهزيمة العسكرية لولا تدخل الولايات المتحدة وترجيح كفة الحلفاء في الحرب. تخيلوا أن الدول التي وصفت بأنها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس اقترضت المال من مصر التي كانت تخضع للانتداب البريطاني. الغرب يحاول دائما إخفاء الحقائق التاريخية ولكن دولة مثل الجزائر أنقذت فرنسا من المجاعة لأنها أرسلت الى الأخيرة القمح خلال أحداث الثورة الفرنسية وإنتشار المجاعة بين الفرنسيين. ولكن عندما طالبت الجزائر فرنسا بدفع ما عليها من ديون القمح, كان الرد الفرنسي باحتلال الجزائر أكثر من ١٣٠ سنة واستشهاد ملايين الجزائريين.
الجزائر كانت مثالا عابرا ولكن بالعودة الى مصر فإن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون زارت ميدان التحرير خلال أحداث الربيع العربي وتحدثت في كتابها "خيارات صعبة" عن إنعدام الرؤيا لدى المتظاهرين حول تأسيس حزب سياسي أو دعم مرشح من الشباب في إنتخابات برلمانية, بإختصار ليس عند الشباب المصري فكرة ماذا سوف يفعل بعد نجاح الثورة. وسائل الإعلام الغربية و كونداليزا رايس هم من كانوا يروجون مفهوم الفوضى الخلاقة رغم تأثير ذلك ونتائجه الكارثية التي كانوا يعلمونها يقينا. مصر كانت مستعمرة بريطانية فترة زمنية طويلة وذلك سوف يؤدي الى ظهور حركات مقاومة تنتصر في النهاية وتطرد المحتلين وتحكم. إن طبيعة تلك الحركات بالتأكيد عسكري وبالتالي فإن حكم العسكر هو نظام الحكم السائد في غالبية الحالات. ولكن هل يمكن إعتبار ذلك سببا في انتشار الفقر والفساد في مصر.
حسنا ربما المشكلة هي النظام التعليمي السيئ وتلك حقيقة واقعة وليست مبالغات. إن كلمة سيئ لا يمكن أن تصف نظام التعليم في الدول العربية خصوصا مصر. هناك تكدس في الفصول المدرسية, عدم مساواة في توزيع المدارس الحكومية ونقص في عددها وفي الكوادر التعليمية. خبير جودة التعليم فيكتور شيا من كوريا الجنوبية صرَّح بانه لايمكن لأي دولة أن تتحمل جيل كامل من التعليم السيئ وأن الوطن العربي أهكل التعليم والأن يدفع الثمن. وقد كانت تلك التصريحات التي نقلت عنه على هامش بداية أحداث الربيع العربي أو هكذا يقال. الولايات المتحدة لديها أحد أفضل الأنظمة التعليمية المدرسية والجامعية في العالم أو هكذا تروج وسائل الإعلام. ولكن نظرة معمقة سوف تكشف الحقائق كما هي على أرض الواقع بدون رتوش. الولايات المتحدة بدون الهجرة لا يمكن أن تكون دولة مزدهرة وتلك حقيقة ولكن سوف يختلف عليها الكثيرون. المواطن الأمريكي العادي غبي للغاية وجاهل وغير مثقف وكثير من المشاريع والشركات خصوصا في مجال التكنولوجيا يعود الفضل فيها الى مهاجرين.
الولايات المتحدة قوية لأن خصومها ضعفاء أو هي عملت على إضعافهم من خلال الاستعمار العسكري المباشر والتدخل في شؤونهم الداخلية وتدبير الانقلابات والثورات البرتقالية والناعمة والربيع العربي. المكسيك تشترك مع الولايات المتحدة في أمرين إثنين: الأول حدود برية شاسعة, بينما الثاني تاريخ مرير من الصراع. الولايات المتحدة استولت على مساحات شاسعة من المكسيك من خلال عدد من الحروب والتدخل العسكري المباشر والغير مباشر. إن أغنى الولايات الأمريكية كاليفورنيا وتكساس كانت في السابق أراضي مكسيكية ضمتها الولايات المتحدة اليها خلال الفترة التي أعقبت حروبها مع المكسيك. وسائل إعلام أمريكية والرئيس دونالد ترامب يتحدث عن المهاجرين الغير قانونيين من أمريكا اللاتينية خصوصا المكسيك وعن تجارة المخدرات. المثير للدهشة أن الولايات المتحدة تتدخل في شؤون دول أمريكا اللاتينية مثل كولومبيا والمكسيك تحت مسمى الحرب على المخدرات ولكن الصحفي غاري ويب كشف سنة ١٩٩٦ عن فضيحة تمويل عصابات الكونترا في نيكاراغوا من عائدات بيع المخدرات في شوارع لوس أنجيلوس في الثمانينيات خلال فترة حكم رونالد ريغان. التباين على جانبي الحدود الأمريكية-المكسيكية في مدن وبلدات مقسمة بين الدولتين سببه نهب ثروات المكسيك من خلال اتفاقيات التجارة الحرة ومنظمة التجارة العالمية والتدخل في شؤون المكسيك والأهم كريستوفر كولومبوس والمجازر التي ارتكبها في السكان الأصليين والتي استمرت مئات السنين.
الأوروبيين كانوا على تواصل مع المشرق من خلال الحملات الصليبية وكانوا مبهورين بثروات المشرق الساحر وعلومه المتقدمة عليهم. ولكن العرب والمسلمين كانوا يسيطرون على طرق التجارة البرية و أسياد البحار وبسبب ذلك بدأت حركة الكشوفات الجغرافية التي تحولت لاحقا الى استعمارية. دول الغرب قامت على بناء على أسطورة العرق الأبيض المتفوق وأساطير توراتية أخرى استخدموها في سبيل احتلال الدول ونهب خيراتها. إن الاستعمار هو السبب الأقوى في تخلف دول وتأخرها. اليونان, رومانيا وبلغاريا تعتبر أكثر بلدان أوروبا تخلفا وأوروبا الشرقية على العموم متأخرة عن غيرها. الدول الثلاثة خضعت للاستعمار العثماني ٦٠٠ سنة تقريبا ودول في الشرق الأوسط بقيت مستعمرات عثمانية ٤٠٠ سنة ثم خرجت من عباءة الإستعمار العثماني الى الأوروبي الذي تقاسم تركة رجل أوروبا المريض.
دمتم بخير وعافية
عاشت الجمهورية العربية السورية حرة مستقلة
الوطن أو الموت
النهاية
No comments:
Post a Comment