لمحة تاريخية عن النفط و الدور الذي يلعبه في الصراعات العالمية

النفط هو الجائزة الكبرى في أي صراع دولي أو محاولة من أجل إعادة ترتيب رقعة الشطرنج العالمية. إنَّ من يتحكم في مصادر الطاقة ويتلاعب بأسعارها صعوداً أو هبوطاً, قادرٌ على أن يتحكم في مصير العالم والبشرية. أسعار الطاقة تؤثر تأثيرا مباشرا على كل القطاعات والمجالات الحيوية والمهمة لاستمرار حياتنا كما نعرفها. إرتفاع أسعار النفط يعني إرتفاع تكاليف الشحن البري, البحري والجوي مما يعني ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية والصناعية ولن يبقى أي منتج بدون إرتفاع سعره لو ارتفع سعر برميل النفط. إنَّه من المهم أن نعرف ونفهم تاريخ النفط وكيف تحوَّل من مجرد وقود إضائية للمصابيح الى أهم سلعة إستراتيجية تتحكم في مصير الشعوب والعالم. 

كان يوم ١/يوليو/١٩١١ يوما غاية في الأهمية في تاريخ الإمبراطورية البريطانية التي لاتغيب عنها الشمس, القيصر الألماني فيلهلم الثاني أرسل السفينة الحربي الألمانية النمر(The Panther) إلى ساحل الأطلنطي قرب ميناء أغادير المغربي. وصول السفينة الألمانية الى الميناء أثار أزمة دولية على الرغم من أنَّ ميناء أغادير كانت له أهمية ثانوية والسفينة كانت عبارة عن مجرَّد طراد حربي. لقد كانت هناك حساسية في دول أوروبية خصوصا بريطانيا من تنامي القوة العسكرية الألمانية خصوصا البحرية حيث أصبحت تنافس القوات البحرية البريطانية في عدد السفن وتسليحها. الطراد الحربي الألماني كان يعمل بالوقود السائل المستخرج من النفط على عكس السفن الحربية البريطانية التي كانت مازالت تعمل بالفحم.

ونستون تشرشل الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية سنة ١٩١١ كان من المعارضين لأي زيادة في النفقات العسكرية ويرى أنه يمكن تجنُّب الحرب مع ألمانيا. ونستون تشرشل كان يفضِّلُ إنفاق الأموال على برامج الرفاه الإجتماعي والبنية التحتية وليس بناء سفن حربية جديدة. بين ليلة وضحاها تغيَّر تفكير تشرشل الذي تم تعيينه وزيرا للبحرية مباشرة بعد حادثة مدينة أغادير وأصبحت الحرب مع ألمانيا القيصرية قادمة لا حاولة وأنها مجرد مسألة وقت. البحرية الملكية البريطاني كانت رمزا وفخرا للإمبراطورية البريطانية  ومهمة ونستون تشرشل كانت الحفاظ على تفوقها أمام البحرية القيصرية الألمانية حيث كان التحدي الذي واجهه ونستون تشرشل هو مسألة تقنية, تحويل سفن البحرية البريطانية إلى استخدام النفط والذي يتم استخراجه بشكل رئيسي خلال تلك الفترة من حقول في إيران أو الإستمرار في إستخدام الفحم والذي تقع مناجمه داخل الأراضي البريطانية خصوصا في مقاطعة ويلز. القرار الذي إتَّخذَه ونستون تشرشل يعتبر غاية في الأهمية حيث سوف يصبح النفط عاملا مشتركا في غالبية الصراعات حول العالم.

على الرغم من أنَّ التاريخ الحديث للنفط قد بدأ في النصف الأخير من القرن التاسع عشر, إلا أنَّ القرن العشرين تغير تمامًا بسبب ظهور النفط وإزدياد أهميته. إن دور النفط والقلق بشأن مستوى الإمدادات هو الإهتمام الأساسي في عصر الانترنت والعولمة والذي ميز العقود الأولى من القرن الحادي والعشرين. ولكن وبالتحديد, هناك ثلاثة موضوعات مهمة تكمن وراء قصة النفط. الموضوع الأول هو صعود وتطور الرأسمالية والأعمال التجارية. الموضوع الثاني هو أنَّ النفط قد أصبح سلعة حيوية ومهمة للإقتصاد العالمي وبسبب ذلك يتداخل النفط بشكل وثيق مع الإستراتيجية الوطنية والسياسة العالمية وتوازن القوى العالمي. الموضوع الثالث أنَّ تاريخ النفط يشرح بوضوح كيف أن مجتمعاتنا تحولت الى الإعتماد على الهيدروكربون وأن الإنسان المعاصر تحوَّلَ الى رجل الهيدروكربون كما يصفه علماء الأنثروبولوجيا.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية