Flag Counter

Flag Counter

Sunday, March 26, 2023

النفط والسياسة الخارجية الأمريكية

كان النفط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا هو الأداة الرئيسية التي تتحكم في السياسة الخارجية الأمريكية ترسم ملامحها وتحدد مستقبل مشاريع الطاقة في منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص والعالم بأكمله على وجه العموم. الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين أدركوا ذلك وعملوا عليه وبسببه خاضوا الحروب وقلبوا أنظمة حكم ودمروا الدول وقتلوا الملايين من الشعوب. المواطن الأمريكي الذي لا يبالي إلا بملئ خوان مركبته بالوقود الرخيص يعلم يقينا أنه إنما يملئها من دماء الشعوب في العراق وأفغانستان وسوريا ونيجيريا.

السعودية هي أكبر منتج للنفط في العالم وعضو رئيسي ومهم في منظمة الدول المصدرة للنفط(أوبك). العلاقات السعودية-الأمريكية مؤخرا ليست على مايرام بسبب اتهامات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ضد السعودية بزيادة أسعار النفط وأنها عضو في منظمة إحتكارية. مجلس النواب الأمريكي يبتز السعودية من خلال قانون جاستا ويستخدمه أداة ضغط سياسية و يحاول مؤخرا تمرير قانون آخر هو نوبك(NOPEC), السبب هو التعاون بين السعودية وروسيا من خلال منظمة أوبك+ تخفيض مستوى إنتاج النفط مما يؤدي الى زيادة الأسعار وليس العكس كما كانت ترغب الإدارة الأمريكية. 

ملك السعودية سعود بن عبد العزيز آل سعود تعرض الى عملية إغتيال شخصية من خلال وسائل الإعلام ومعارضين سعوديين يتبعون أجهزة مخابرات أجنبية و تمولهم دول مثل قطر. الملك سعود منح امتياز التنقيب عن النفط في القسم السعودي في المنطقة المحايدة مع الكويت الى تحالف شركات يابانية. كما أنه طالب شركات النفط معاملة السعودية على قدم المساواة مع دول مثل فنزويلا التي كانت تحصل على نسبة تزيد عن ٥٠% من عائدات عقد الإمتياز. الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود شقيق الملك سعود كان مسؤولا عن قرار أوبك حظر تصدير النفط الى الولايات المتحدة ودول مثل هولندا بسبب دعمها دولة الكيان الصهيوني خلال حرب ١٩٧٣. الملك فيصل تم اغتياله سنة ١٩٧٥ من أحد أمراء آل سعود فيصل بن مساعد الذي أمضى فترة من حياته في الولايات المتحدة الأمريكية حيث هناك من يشكِّك بأن خلفية الحادث ليست عائلية بل لها إمتدادت أخرى.

المخابرات الخارجية البريطانية (إم آي ٦) أسقطت رئيس وزراء إيران محمد مصدق سنة ١٩٥٣ بالتعاون مع المخابرات المركزية الأمريكية من خلال عملية سرية أطلق عليها الإسم "آجاكس" وذلك بسبب قيامة بتأميم صناعة النفط وأصول شركة النفط الأنجلو-إيرانية والتي تم تغيير اسمها لاحقا الى بريتش بتروليوم(BP). الولايات المتحدة التي كانت تسعى الى تصفية مستعمرات ومصالح الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس قبلت التعاون مع بريطانيا في العملية آجاكس ولكنها مقابل سيطرة تحالف من عدة شركات على ثروة النفط مع حصة الغالبية من نصيب الشركات الأمريكية. 

الشاه محمد رضا بهلوي عاد من المنفى في فرنسا وسعى بعد تثبيت سلطته وتصفية نفوذ رئيس الوزراء السابق محمد مصدق الى تطوير إيران وتحويلها الى قوة إقليمية ولاعب سياسي مؤثر في المنطقة وكان في أمس الحاجة الى المزيد من الأموال والتي كان مصدرها الوحيد عائدات النفط. شركات النفط الأمريكية التي كانت تملك نفوذا مؤثرا في إيران رفضت طلب الشاه زيادة حصة الحكومة الإيرانية من عائدات تصدير النفط وفق إتفاق المناصفة(٥٠/٥٠) وعندها وجدت الشاه الحل في منح امتياز للتنقيب الى شركات أخرى أحدها شركة النفط الحكومية الإيطالية "AGIP" التي كانت أحد شركات تحالف "ENI" الذي يضم مجموعة متنوعة من شركات النفط, الفنادق, العقارات, صناعة الصابون, محطات الوقود والشحن البحري. رئيس شركة "AGIP" كان في الوقت نفسه رئيس "ENI" وأحد الرموز الوطنية في إيطاليا رجل النفط إنريكو ماتي(Enrico Mattei) الذي كان عضوا فاعلا في المقاومة الوطنية الإيطالية ضد قوات الإحتلال الألمانية النازية في إيطاليا. 

إنَّ إنريكو ماتي كان يسعى الى تحقيق إستقلالية إيطاليا عن شركات النفط الأمريكية في مجال الطاقة قبل في سبيل ذلك عقد إتفاق ينص على قبول ٢٥% من العائدات مقابل ٧٥% للحكومة الإيرانية. الولايات المتحدة التي لديها تاريخ من التخلي عن حلفائها وأصدقائها تخلت عن الشاه محمد رضا بهلوي وتركته وحيدا في مواجهة ثورة شعبية يقودها رجال الدين الشيعة الغاضبين من جهوده في تطوير وتحديث إيران. إنريكو ماتي توفي بتاريخ ١٩٦٢ في حادث سقوط طائرة خاصة كان يركبها رفقة مجموعة من الصحفيين حيث حامت الشبهات حول الحادثة بسبب إكتشاف أثار متفجرات في حطام الطائرة.

الجزائر هي حد الدول الأعضاء في منظمة أوبك ومن المساهمين في الحظر النفطي خلال حرب رمضان أكتوبر/١٩٧٣ واجهت أحداث الحرب الأهلية المأساوية التي عرفت بإسم العشرية السوداء(١٩٩١-٢٠٠٢), ظاهرها إلغاء نتائج إنتخابات ١٩٩١ التي فازت فيها الجبهة الجزائرية للإنقاذ بأغلبية في البرلمان الجزائري ولكن ماخفي كان أعظم. العراق تعرضت الى عقوبات أمريكية وحصار اقتصادي خلال الفترة التي أعقبت حرب الخليج الأولى(١٩٩٠-١٩٩١) بسبب غزو الكويت وتم احتلالها سنة ٢٠٠٣ بعد حملة قصف جوية أعقبها تدخل بري عسكري من تحالف دولي ترأسه الولايات المتحدة. الرئيس العراقي صدام حسين أعلن أنه سوف يبيع النفط العراقي مقابل اليورو وهو الخطأ القاتل ذاته الذي ارتكبه الرئيس الليبي معمر القذافي مع فارق بسيط وهو النفط مقابل الذهب وليس اليورو حيث تم القبض عليه بعد غزو عسكري قاده تحالف الناتو خلال أحداث الربيع العربي(٢٠١٠-٢٠١١). السودان تعرض الى التقسيم بسبب النفط والتعاون مع شركات صينية ومنحها امتيازات التنقيب حيث توجد غالبية الحقول في جنوب السودان الذي تحول الى دولة مستقلة. سوريا مازالت تعاني منذ سنة ٢٠١٠ من عمليات التدخل الأمريكي تحت مسمى الربيع العربي حيث تتواجد قوات أمريكية في المناطق الشرقية وتقوم بمساعدة قوات تركية على سرقة النفط والغاز.

أحدث عمليات التدخل العسكري الأمريكي في شؤون الدول الأخرى هي الأزمة الأوكرانية وسببها أيضا النفط. حوض نهر الدونتس الذي يقع في شرق أوكرانيا ويضم منطقة لوغانسك ودونيتسك ويحتوي على احتياطيات ضخمة من النفط واستغلالها سوف يضعف نفوذ روسيا في القارة الأوروبية التي تحصل على النفط والغاز بشكل رئيسي من خلال خطوط أنابيب نورد ستريم ١ و٢ وبلو ستريم.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment