Flag Counter

Flag Counter

Monday, March 6, 2023

من البداية الى النهاية, شركة النفط العربية السعودية(آرامكو)

إنَّ رواية قصة إنشاء شركة آرامكو في الممكلة العربية السعودية وظهورها لاعبا رئيسيا في سوق النفط العالمي هي رواية تاريخ النفط في الوطن العربي بل والعالم. المملكة العربية السعودية هي أكبر منتج للنفط في العالم واللاعب الرئيسي في أسواق النفط من ناحية تحديد الأسعار صعودا أو هبوطا والمهيمن الرئيسي على منظمة الدول المصدرة للنفط(أوبك) ولا ينافسها في المكانة من ناحية الإنتاج أو كمية الإحتياطيات إلا العراق و روسيا.

هناك عدَّة أسماء لايمكن رواية تاريخ شركة آرامكو وإكتشاف النفط في الممكلة العربية السعودية بدون الحديث عنها ولعلَّ أهم إسم من تلك الأسماء هي مهندس التعدين النيوزيلندي فرانك هولمز الذي لم يكن جيولوجيا بل خبيرا في التعدين, ولد سنة ١٨٧٤ في مزرعة في نيوزيلندا وعمل في بداية حياته في مناجم الذهب في جنوب أفريقيا واكتسب خلال عشرين سنة خبرة في مجال التعدين في أستراليا, المكسيك, ماليزيا, الأوروغواي وروسيا من ضمن بلاد أخرى عمل بها.

كان هولمز مع بداية الحرب العالمية الأولى يعمل في الجيش البريطاني مسؤولا عن الإمداد والتموين حيث كان سنة ١٩١٨ في بعثة الى أثيوبيا من أجل شراء لحوم البقر حيث سمع من تاجر عربي عن وجود النفط في منطقة الخليج العربي. بدأ هولمز جولته في المنطقة متنقلا من بلد إلى آخر حيث يقابل الحكام و شيوخ القبائل في محاولة منه ترويج فكرته حول الإستغلال التجاري للنفط. السلطات البريطانية كانت تنظر إلى نشاطات هولمز بعين الشك والريبة وأنه ليس إلا شخص محتال يبحث عن الربح السريع. ولكن بالنسبة إلى أهالي المنطقة, فقد كانوا يرحبون به بسبب مهارته في ترويج أفكاره والعوائد المالية التي وعدهم بها حتى أنهم لقبوه بأنه أبو النفط.

فرانك هزلمز قرَّرَ الإستقرار في البحرين والبدء في رحلة التنقيب عن النفط حيث كانت هناك تقارير عن ظهور النفط هناك. حاكم البحرين لم يكن في الحقيقة مهتما بالنفط لأنَّ البحرين كانت تعاني من نقص المياه العذبة الصالحة للشرب حيث إستخدم هولمز خبرته في الجيولوجيا والتعدين ونجح في حل تلك المشكلة وحقَّقَ أرباحا جيدة والأهم أن الحاكم الذي كان يشعر بالإمتنان وافق سنة ١٩٢٥ على منحه حق إمتياز التنقيب عن النفط. كما أن هولمز كان قد حصل سنة ١٩٢٣ على امتياز من أجل التنقيب عن النفط في محافظة الإحساء التي سوف تصلح لاحقا ضمن المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية وسنة ١٩٢٤ في المنطقة المحايدة بين السعودية والكويت.

شركة النفط الأنجلو-إيرانية(Anglo-Persian Oil Company) كانت تشعر بالقلق من أنشطة فرانك هولمز في المنطقة وذلك يعود الى عدَّة أسباب لعل أهمها أنها كانت تسعى الى الحفاظ على حصتها السوقية ومستوى الأسعار الذي كان يعاني من زيادة العرض على الطلب خلال تلك الفترة. هناك سبب أخر هو أن مسؤولي الشركة كانوا غير مقتنعين بوجود النفط في تلك المنطقة. الحكومة البريطانية كانت تشعر بالقلق بدورها بسبب سعي هولمز إلى الحصول على امتيازات نفطية في العراق ومنافسة شركة النفط التركية  (Turkish Petrolum Company) والتي ورثت الامتيازات النفطية التي كان يمتلكها بنك دويتشه الألماني وفق إتفاقيتي فرساي١٩١٨ وسان ريمو١٩٢٠ و تساهم فيها شركة النفط الأنجلو-إيرانية بنسبة ٥٠%.

الشركة التي أسَّسها هولمز The Eastern and General Syndicate إستعانت بخبير جيولوجي من سويسرا من أجل القيام بإستكشاف شرق شبه الجزيرة العربية ولكن النتيجة كانت سلبية لأن الخبير السويسري كان معتادا على العمل في مناطق جبال الألب وليس في المناطق الصحراوية. التقرير الذي أعدَّه الخبير وتسرب الى الصحافة والمجتمع المالي في لندن بأن التنقيب عن النفط في المنطقة الشرقية يعتبر مقامرة مما أدى صعوبات في جمع التمويل من أجل إستمرار عمليات الحفر والتنقيب. هولمز فشل في بيع إمتياز التنقيب الى شركة النفط الإنجلو-إيرانية التي رفضت بسبب عدم العثور على النفط في منطقة الإمتياز حتى أنَّ المستثمرون في لندن كانوا يهربون عند مشاهدة هولمز.

شركة نفط الخليج(Gulf Oil Corporation)  التي أسَّسها رجل الأعمال والمصرفي الأمريكي Richard Mellon  كانت تمتلك حق التنقيب في البحرين والكويت ولكن بسبب تعقيدات البيروقراطية البريطانية التي كانت ترفض المنافسة من الشركات الأمريكية في مناطق نفوذها التقليدي وتكاليف التنقيب المرتفعة فقد قامت شركة نفط كاليفورنيا(ٍStandard Oil of California-Socal) بشراء حقوق التنقيب في البحرين وأسَّست شركة فرعية في كندا تحت مسمى The Bahrain Petroleum Company ونقلت اليها حقوق الإمتياز والتنقيب.  شركة نفط البحرين بدأت في التنقيب أكتوبر١٩٣١ ونجحت في مايو ١٩٣٢ في إكتشاف النفط ولو بكميات ضئيلة مما أدى الى إثبات صحة وجهة نظر فرانك هولمز حول وجود النفط في في البحرين التي تبعد عشرين ميلا عن المنطقة الشرقية في المحافظة الشرقية في المملكة العربية السعودية.

كانت شركة نفط كاليفورنيا(سوكال) تسعى حتى قبل اكتشاف النفط في البحرين إلى الحصول على امتياز التنقيب عن النفط في الإحساء ولكن عبد العزيز آل سعود كان مثل حاكم البحرين مهتما بالبحث عن الماء وليس النفط. مستشار الملك السعودي السابق جون(عبدالله)فيلبي نصح الملك السعودي بالاستعانة بخدمات تشارلز كرين قطب صناعة السباكة الأمريكي والذي كان يشرف على بعض المشروعات في اليمن ومتواجد في ذلك الوقت في القاهرة. تشارلز كرين الذي تلقى استقبالا فاخرا في السعودية قام وعلى نفقته الخاصة بدورة بالاستعانة بخدمات مهندس تنقيب أمريكي يدعى Karl Twitchell والذي أعلن سنة ١٩٣١ بعد قيام بجولة في أراضي نجد والحجاز قطع خلالها ١٥٠٠ ميل عن عدم العثور على أي إمكانيات آبار ارتوازية. ولكنه أعلن عن عثوره على مكامن نفطية واعدة في منطقة الإحساء.

شركة نفط كاليفورنيا(سوكال) كانت قد أعلنت بتاريخ ٣١/مايو/١٩٣٢ عن إكتشاف النفط في البحرين مما أدى إلى ازدياد أهمية منطقة الإحساء بالنسبة الى عبد العزيز آل سعود الذي بدأ في تغيير وجهة نظره حول النفط والإمتياز الأجنبي خصوصا أن أوضاعه المالية كانت تزداد صعوبة. سوكال التي أبدت اهتمامها بمنطقة الإحساء حتى قبل عدة شهور من إكتشاف النفط في البحرين سارعت فور تلقيها معلومات من مهندس التنقيب كارل تويتشل إلى إرسال عدة أشخاص من ضمنهم ميتشل نفسه ومحامي شركة سوكال لويد هاملتون من أجل التفاوض مع عبد العزيز آل سعود والحصول على حقوق التنقيب عن النفط في الإحساء. وزير المالية السعودي عبدالله بن سليمان الحمدان كان هو الشخص الذي ينوب في عملية التفاوض عن الجانب السعودي.

٢٩/مايو/١٩٣٣ هو التاريخ الذي تم فيه توقيع المسودة النهائية للاتفاق بين شركة سوكال والمملكة العربية السعودية بعد تعثُّر المفاوضات عدة مرات بسبب المقابل المالي الضئيل الذي كانت تعرضه الشركة والذي لم يغطي المطالب السعودية. عبدالله(جون)فيلبي الذي كان يعمل مستشارا للملك عبد العزيز آل سعود وفي الوقت نفسه مع شركة سوكال كان مشرفا على المفاوضات ويحاول الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف. بنود الإتفاق التي تم التوصل اليها في النهاية كانت تتلخص كما يلي: ٣٥ ألف جنيه إسترليني(١٧٥ ألف دولار) ذهب منها ٣ آلاف قرض بشروط ميسرة, ٥ آلاف دفعة رسوم حقوق الملكية من السنة الأولى للإمتياز تدفع مقدما. قرض آخر تبلغ قيمته ٢٠ ألف جنيه إسترليني(١٠٠ ألف دولار) يتم دفعها بعد مرور ١٨ شهرا من توقيع الاتفاقية. القرض الذي تم منحه الى السعودية كان من شروط توقيع الاتفاقية أن يتم دفعه من خلال عائدات رسوم حقوق الملكية حصريا. كما أن شركة سوكال سوف تقدم قرضا الى المملكة العربية السعودية تبلغ قيمته ١٠٠ ألف جنيه إسترليني(٥٠٠ ألف دولار) ذهب عند إكتشاف النفط في منطقة الامتياز الذي كانت تبلغ مساحتها ٣٦٠ ألف كم/مربع والفترة الزمنية للإمتياز هي ٦٠ سنة.

شركة النفط العربية السعودية(آرامكو) تأسَّست سنة ١٩٣٣ تحت مسمى شركة نفط كاليفورنيا العربية(California Arabian Standard Oil Co) التي تعرف اختصارا بإسم كاسوك(CASOC)  والتي تم تغيير اسمها الى شركة النفط العربية-الأمريكية(Arabian-American Oil Company) والتي أصدر الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود أمرا ملكيا تاريخ ١٣/نوفمبر/١٩٣٣ بتأسيس أرامكو السعودية أو شركة أرامكو العربية السعودية(Saudi Arabian Oil Company).

إن إكتشاف النفط في البحرين والمملكة العربية السعودية والمنطقة المحايدة بين السعودية والكويت خلال تلك الفترة العصيبة من التاريخ, الكساد العظيم(١٩٢٩-١٩٣٣) أدى إلى زيادة الإنتاج وانخفاض الأسعار وبروز الحاجة إلى قيام تحالف بين شركة سوكال التي كانت تمتلك فائضا من الإنتاج وشركة تكساكو التي كانت تمتلك شبكة تسويق وتوزيع في إفريقيا وآسيا بدون كميات كافية من النفط حيث أطلق على الشركة الجديدة كالتكس(Caltex) والتي تتبع حاليا شركة شيفرون التي ظهرت بدورها سنة ٢٠٠١ تحت مسمى شيفرون تكساكو نتيجة إندماج شركة سوكال وتكساكو وسنة ٢٠٠٥ تم تغيير الإسم الى شيفرون وهي حكاية أخرى من تاريخ النفط قد أكتب عنها في موضوع قادم إن شاء الله.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية



No comments:

Post a Comment