Flag Counter

Flag Counter

Friday, March 24, 2023

من الألف الى الياء, قصة تأسيس أوبك, منظمة الدول المصدرة للنفط

الحلقة الأولى

إن الحديث عن تاريخ النفط أمر ليس بالسهولة التي قد يتخيلها البعض, مجرد رواية أحد فصول التاريخ بسبب دور النفط المهم في الاقتصاد العالمي والتداخل بين النفط والسياسة والإقتصاد وجميع نواحي الحياة تقريبا. وقد تحدثت بالتفصيل في موضوع سابق عن تاريخ شركة النفط السعودية(آرامكو) وكيف نشأت الشركة والدور المهم الذي تلعبه في أسواق النفط والسياسة والإقتصاد وأهميتها بالنسبة الى المملكة العربية السعودية. أما في هذا الموضوع, سوف نتعرف الى منظمة الدول المصدرة للنفط(أوبك), كيف نشأت ومن هم المساهمون الرئيسيون في تأسيس تلك المنظمة التي تواجه حاليا عاصفة سياسية بسبب القرارات التي تتخذها حيث يحاول الكونغرس الأمريكي ملاحقتها بتهمة الإحتكار وتأسيس كارتل بهدف التحكم بأسعار النفط. ولكن حتى نفهم قصة أوبك, لابد أن أحكيها لكم منذ البداية.

هناك مصطلح من المهم أن نتعرف عليها في عالم النفط وهو الحقول العملاقة التي يطلقون عليها الفيل(The Elephant) وأحد الأمثلة عليها هو حقل الغوار في المملكة العربية السعودية. إكتشاف حقول النفط العملاقة والتي كان للشرق الأوسط نصيب الأسد منها أدى الى تغيير في القواعد التي تأسَّسَت عليها صناعة النفط. المشكلة التي أصبحت صناعة النفط في الشرق الأوسط تعاني منها هي ذاتها التي كانت تعاني منها صناعة النفط في الولايات المتحدة أنه وعلى الرغم من نمو الطلب إلا أنَّ الزيادة في الإنتاج كانت دائما تغطي على ذلك وتؤدي الى تناقص العائدات.

الإنتاج العالمي من النفط إزداد من ٨.٧ مليون برميل سنة ١٩٤٨ الى ٤٢ مليون برميل سنة ٩٧٢ ولكن ذلك تزامن مع انخفاض إنتاج الولايات المتحدة من ٦٤% من الإنتاج العالمي الى ٢٢%. إن أكبر زيادة في إنتاج النفط كان مصدرها منطقة الشرق الأوسط من ١.١ مليون برميل الى ١٨.٢ مليون برميل وهي زيادة تبلغ ١٥٠٠%. الاحتياطي العالمي من النفط ازداد خلال الفترة(١٩٤٨-١٩٧٢) من ٦٢ مليار برميل الى ٥٣٤ مليار برميل ولكن ذلك لا يشمل دول الكتلة الشيوعية(حلف وارسو). الاحتياطيات المؤكدة في الولايات المتحدة ازدادت من ٢١ مليار برميل الى ٣٨ مليار برميل خلال نفس الفترة ولكن في الوقت نفسه فقد انخفض نصيبها من احتياطي النفط العالمي من ٣٤% الى ٧%. أما بالنسبة الى منطقة الشرق الأوسط فقد أزدادت الإحتياطيات المؤكدة من النفط من ٢٨ مليار برميل سنة ١٩٤٨ الى ٣٦٧ مليار برميل سنة ١٩٧٢ حيث أنَّ كل ٧ من ١٠ براميل يتم إكتشافها يكون مصدرها الشرق الأوسط. سنة ١٩٥٠ كانت التقديرات تشير الى أنه مع معدلات الاستهلاك وكميات الإنتاج الحالية فإن الاحتياطيات المؤكدة سوف تكفي الى سنة ١٩٦٩ وتغير ذلك سنة ١٩٧٢ مع الاكتشافات الجديدة الى سنة ١٩٨٥.

إنَّ زيادة الإنتاج بمعدل يفوق الإستهلاك ودخول منتجين أخرن الى السوق بإستمرار قد أدى الى منافسة حادة كانت الاداة الرئيسية فيها تخفيض الأسعار وهي ادة كانت شركات النفط ترى أنه لابد منها. ولكن في الوقت نفسه فإن الدول المنتجة للنفط لم تكن تنظر بعين الرضا الى ذلك لأنه يؤدي الى انخفاض عائداتها من الضرائب وحقوق الملكية خصوصا أن تلك الفترة قد شهدت تصاعد المشاعر القومية في الوطن العربي وزيادة شعبية الرئيس المصري جمال عبد الناصر خصوصا بعد خروجه منتصرا من أزمة قناة السويس وعدوان ١٩٥٦.

إن عالم النفط خلال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية كان محكوما بطريقة عمل يحدد ملامحها أمران, الأول هو العلاقة بين شركات النفط التي تعمل في منطقة الشرق الأوسط, بينما الثاني هو العلاقة بين شركات النفط والحكومات. الأمر الاول حدَّدت ملامحه الإتفاقيات بين شركات النفط مثل إتفاقية الخط الأحمر(The Red Line) و اتفاقية الخط الأزرق(The Blue Line) وهي الإتفاقية التي كان تأسيس شركة أرامكو أحد نتائجها المباشرة. إن تلك الإتفاقيات أدَّت الى رؤية أوضح في إستثمار المزيد من رؤوس الأموال في تطوير حقول النفط والإحتياطيات في مناطق الإمتياز, الربط بين عمليات تكرير النفط ونظام تسويق يتوافق مع تزايد الإكتشافات الجديدة وتطوير سياسة من أجل العثور على أسواق جديدة مما يؤدي الى زيادة الطلب. أما الأمر الثاني وهو العلاقة بين شركات النفط وحكومات الدول التي تعمل تلك الشركات في أراضيها فقد كانت تحدد ملامحها إتفاقية المناصفة(٥٠/٥٠) حيث كان ذلك يحقق الاستقرار في أسواق النفط.

الحقيقة أنه وعلى الرغم من أن فنزويلا هي أول من بدأ في تغيير بنود إتفاقية المناصفة(٥٠/٥٠) غير أن ذلك التصرف بقي بمعزل عن التأثير على الدول الأخرى خصوصا في منطقة الشرق الأوسط بسبب التباعد الجغرافي بين المنطقتين, الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. ولكن شاه إيران محمد رضا بهلوي كان له رأي أخر حيث أنه سنة ١٩٥٥ وبعد إستقرار الأوضاع في إيران وتصفية نفوذ رئيس الوزراء السابق محمد مصدق الذي تم إسقاطه من خلال العملية (آجاكس) بسبب قيامه بتأميم صناعة النفط, بدأ الشاه في التفكير في تطوير إيران وتحويلها الى قوة إقليمية ولاعب مؤثر في عالم السياسة الدولية. ولكنه في سبيل تحقيق ذلك فإنه كان في أمس الحاجة الى المزيد من المال حيث النفط هو مصدر الدخل الرئيسي في إيران. المشكلة التي كان يواجهها الشاه في سبيل تحقيق أهدافه هي أن صناعة النفط في إيران قد تحولت خلال الفترة التي أعقبت إسقاط مصدق الى تحالف أو نوع من كارتل إحتكاري يتألف من شركات أمريكية, بريطانية وفرنسية وعدة شركات أخرى من التي توصف بأنها مستقلة وليست رئيسية(Majors). الشاه كان يحتاج الى لاعب آخر مستقل يفضل أن يكون أوروبيا وليس أمريكيا سواء كان من المستقلين أو من كبار المنتجين(Majors) وقد وجد الشخص الذي كان يبحث عنه من خلال رجل النفط الإيطالي إنريكو ماتي(Enrico Mattei) والذي من المهم للغاية أن نتعرف الى حكايته والتي تعتبر أحد أهم فصول قصة النفط وتأسيس تحالف الدول المصدِّرة للنفط(أوبك).

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

يتبع…

الحلقة الثانية

ولد إنريكي ماتي, سياسي ورجل أعمال إيطالي, في مدينة كالانغا سنة ١٩٠٦ و تخلى عن دراسته وهو في عمر ١٤ عاما حتى يعمل في مصنع للأثاث ومن ثم في بداية الثلاثينيات من عمره, كان يدير مصنع الكيماويات الخاص به في مدينة ميلان. وقد إنضم الى المقاومة الإيطالية ضد الإحتلال الألماني في الحرب العالمية الثانية وتولى بعد نهاية الحرب إدارة شركة النفط الإيطالية(AGIP-Azienda Generali Italiana Petroli) والتي كان لها حصة سوقية مؤثرة داخل السوق الإيطالي ولكن نقص السيولة قد أدى الى إعاقة خطط ماني في التوسع خارج الحدود الإيطالية. ولكن ذلك تغير مع إكتشاف الغاز بكميات تجارية في منطقة وادي بو(PO Valley) ونجح في تأسيس شركة (ENI-Ente Nazionale Idrocarburi) سنة ١٩٥٣ والتي كانت عبارة عن عملاق صناعي يضم 36 شركة فرعية تعمل في مجالات متعددة, النفط, السياحة, الفنادق, العقارات وغيرها حيث كانت شركة AGIP  وهي شركة حكومية تتم إدارتها تجاريا باستقلال ذاتي نوعا ما مقارنة مع المؤسسات الحكومية التقليدية عبارة عن أحد شركات ENI  الفرعية ومديرها هو نفسه مدير ENI إنريكي ماتي.

كانت شركات النفط من حيث حجم أعمالها من الصعب أن تعبر عن شخصية منفردة حتى لو كانت تلك الشخصية هي مدير الشركة نفسه ولكن شركة AGIP  كانت إستثناء نادر من تلك القاعدة حيث أنَّ إنريكي ماتي كان مصمما على بناء شركة نفط إيطالية والمنافسة مع اللاعبين الكبار وحتى أن تصبح شركة ENI نفسها أحد شركات النفط الرئيسية. إن ما قام به إنريكو ماتي والذي سوف أستكمل روايته قد كلفه حياته حيث توفي سنة ١٩٦٢ نتيجة سقوط طائرة كان يستقلها رفقة أشخاص آخرين منهم الصحفي تايم لايف ويليام مايكل وذلك خلال رحلة داخلية بين صقلية و ميلانو وعثر على آثار متفجرات في حطام الطائرة. السفارة الأمريكية في روما أرسلت تقريرا سنة ١٩٥٤ الى العاصمة واشنطن عن إنريكي ماتي وشركة ENI التي تعتبر الأكثر نفوذا وتمويلا في إيطاليا التي تعاني من ضعف السيولة وتنتظر مساعدات خطة مارشال من أجل إعادة الإعمار.

كان إنريكي ماتي يمتلك صفات شخصية جعلت منه بطلا قوميا في إيطاليا أهمها مهاراته في الخطابة ومرونته في التفاوض والتصميم على دخول إيطاليا في لعبة النفط حيث كان يعتبر رمزا للنهضة في بلد مازال يعاني آثار الحرب العالمية الثانية. إنَّ ماقام به إنريكي ماتي أدى الى تغيير في قواعد اللعبة في إيطاليا والعالم حيث قام بإفتتاح محطات وقود في إيطاليا خصوصا على الطرق السريعة مزودة بخدمات متعددة وحتى مطاعم وهي التجرية التي جرى إستنساخها في دول أخرى. كما أنه أول من وصف شركات نفط روكفلر بمصطلح إيطالي (Sette Sorrelle) ويعني الأخوات السبعة وهي: ستاندرد أوف جيرسي(إكسون), ستاندرد أوف كاليفورنيا(شيفرون), شركة نفط تكساكو, شركة نفط الخليج, رويال دتش/شل, بريتيش بتروليوم(شركة النفط البريطانية-الإيرانية سابقا). وقد كانت هناك شركة نفط أخرى وهي الفرنسية(CFP) ولكن ماتي أسقطها من مصطلح الأخوات لأنها لا تنتمي الى مجموعة الشركات الأنجلو-ساكسون واكتفى بإسم الأخوات السبعة.

إنريكي ماتي كان يبحث عن فرصة من أجل تحقيق حلمه دخول إيطاليا وشركة إيني(ENI) والتي جائته على طبق من ذهب سنة ١٩٥٦ خلال العدوان الثلاثي وأزمة قناة السويس حيث تراجع نفوذ بريطانيا وفرنسا في المنطقة والعالم. إنريكي بدأت مفاوضات جادة للغاية مع شاه إيران محمد رضا بهلوي ونجح في صيف ١٩٥٧ في توقيع صفقة تكون فيها نسبة العائدات التي تحصل عليها شركة إيني الإيطالية ٢٥% مقابل ٧٥% تذهب للحكومة الإيرانية والتي كانت تعتبر صاحبة منح حق الامتياز وتملك الأرض وبالتالي الإحتياطي النفطي في باطنها على عكس الدول الأخرى والتي كانت شركات الأخوات السبعة تمتلك الإحتياطي النفطي وليس مجرد شركة تستخرج النفط وتبيعه وتتقاسم العائدات مع الحكومات. حكومات دول غربية خصوصا بريطانيا وشركات النفط الأمريكية أصيب حالة من الجنون والهستيريا بسبب اتفاق ماتي مع الشاه الذي كسر قاعدة (٥٠/٥٠) المقدسة مما يعني أن شركات أو أشخاص أخرين سوف يسعون الى ذلك وأن حكومات دول أخرى سوف تطالب شركات النفط العاملة في أراضيها بحصة متزايدة من العائدات.

إنريكي ماتي حاول التفاوض مع شركات النفط بطريقة غير مباشرة من أجل إلغاء الإتفاق مع الحكومة الإيرانية مقابل منح شركة إيني حصة تبلغ ٥% في تحالف الشركات التي تستثمر في أراضي امتياز النفط في إيران و ١٠% حصة من شركة أرامكو. ولكن شركات النفط البريطانية والأمريكية رفضت والسبب أن ذلك قد يفتح الباب للأخرين مثل شركات نفط بلجيكية وألمانية وغيرهم من أجل المطالبة بحصة في كعكة النفط الشرق أوسطية. شركات النفط الرئيسية عملت مباشرة على محاربة الإتفاق الذي وقعه ماتي مع الشاه محمد رضا بهلوي فقد تحدث مندوبين عن تلك الشركات مع الشاه عن خطورة تغيير الوضع القائم وأن ذلك سوف يعرض الإستقرار في منطقة الشرق الأوسط الى الخطر. كما أنَّ أمين عام وزارة الخارجية في إيطاليا والذي كان يكره إنريكو ماتي بسبب نفوذه المتزايد داخل إيطاليا والحكومة الإيطالية قد نصح البريطانيين والأمريكيين ومن خلال قنوات غير رسمية بأن يكون موقفهم من تصرفات إنريكي ماتي صلبا وعنيدا وغير قابل للمساومة. إنريكو ماتي دفع الثمن كما ذكرت في فقرة سابقة حياته حيث توفي سنة ١٩٦٢ خلال حادث تحطم طائرة خاصة بينما شاه إيران محمد رضا بهلوي تأخر حسابه الى سنة ١٩٧٩ فقد تخلى عنه حلفائه الأمريكيين وتركوه يسقط في مواجهة ثورة شعبية عارمة ولم يسمحوا له حتى بالإقامة في الولايات المتحدة من أجل العلاج من ظروف صحية كان يعاني منها.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

يتبع…

 

الحلقة الثالثة

إنَّ الصفقة التي عقدها إنريكو ماتي مع شاه إيران لم تحقق النتائج المتوقعة من حيث كميات النفط التي تم إكتشافها في مناطق الإمتياز ولكنها في الوقت نفسه حقَّقَت هدفا أخر كان ماتي يسعى اليه وهو تحدي نفوذ شركات النفطك الرئيسية خصوصا إتفاقية المناصفة(٥٠/٥٠). إنَّ أحد النتائج المباشرة لما قام به إنريكو ماتي هو محاولة دخول شركات أخرى الى اللعبة وتحدي نفوذ شركات الأخوات السبعة. اليابان كانت تعاني من المشكلة ذاتها التي تعاني منها إيطاليا وهي عدم وجود النفط ونقص السيولة ولكنها كانت مصممة على الحصول على مصدر مستقل للنفط بعيدا عن سيطرة شركات التنقيب الرئيسية. أزمة قناة السويس ١٩٥٦ أدَّت الى زيادة تصميم القيادة السياسية اليابانية على المضي قدما في ذلك حيث كانت التطور الصناعي في اليابان يعتمد على النفط الذي يتم إستيراده.

أزمة قناة السويس إنتهت سنة ١٩٥٧ وعادت الأمور الى طبيعتها و استئناف حركة الملاحة في القناة ومعها بدأت المفاوضات بين تحالف مجموعة شركات يابانية و المملكة العربية السعودية من أجل الحصول على امتياز للتنقيب عن النفط في المنطقة المحايدة بين السعودية والكويت. وقد كانت تلك محاولة مباشرة من الشركة اليابانية التي دخلت في منافسة مباشرة مع شركات مثل شل, بريتش بتروليوم وشركة نفط نيوجيرسي وغيرها من شركات النفط التي أبدت اهتماما بالمنطقة المحايدة. مدير بنك التنمية الياباني التقى مصادفة مع أحد الأشخاص الذي أخبره بأنه يمكن الحصول على امتياز للتنقيب عن النفط في الشرق الأوسط من خلال علاقاته واتصالاته في المنطقة. مدير البنك سارع الى إخبار والده Taro Yamashita أحد كبار رجال الأعمال في اليابان الذي قام بتأسيس تحالف من مجموعة شركات يابانية من أجل التفاوض مع الحكومة السعودية.

شركات الأخوات السبعة شعرت بالقلق البالغ من محاولات اليابانيين الحصول على امتياز من أجل التنقيب عن النفط في المنطقة ولكن السبب ليس قلة الخبرة أو نقص السيولة لدى الشركة اليابانية ولكن بسبب سعيهم المحموم في الحصول على الامتياز حيث قد يدفعهم ذلك تقديم تنازلات للحكومة السعودية لا تتوافق مع اتفاقية المناصفة(٥٠/٥٠) التي كان من ضمن شروطها تقديم دفعة مالية ضخمة مقدما من أجل توقيع إتفاقية الإمتياز. السعودية عرضت على اليابان تخفيض الدفعة المالية الأولية مقابل حصول الحكومة السعودية على حصة أكبر من العائدات. الاتفاقية بين السعودية واليابان تم توقيعها في تاريخ أكتوبر/١٩٥٧ والتي تضمنت بنودها خصوصا السعودية على نسبة ٥٦% بالإضافة الى ١٠% من أسهم شركة النفط العربية(Arabian Oil Company) التي تم تأسيسها من أجل إدارة حقوق الإمتياز والتي سوف يكون نسبتها ٤٤%. الملك سعود عبد العزيز آل سعود سارع الى إرسال برقية الى أمير الكويت في أوائل أكتوبر/١٩٥٧ حول توقيع الاتفاقية مع الشركة اليابانية وينقل إليه اقتراحا حول توقيع الكويت اتفاقية مماثلة وذلك ماكان ولكن مع فرق بسيط هو أن الكويت حصلت على ٥٧% وليس ٥٦% كما في إتفاقية الإمتياز التي تم توقيعها مع السعودية. الشركة اليابانية بدأت في التنقيب سنة ١٩٥٧ وتم تحقيق إكتشاف أول حقل نفط في يناير/١٩٦٠ حيث يتم إرسال النفط الى مصافي التكرير اليابانية التي نجحت في توفير ١٥% من الطلب على النفط في اليابان نتيجة تلك الخطوة التي كانت بدايتها لقاء جمع صدفة بين شخصين.

كان هناك الكثير من الشركات التي ترغب في الحصول على حصة من نفط الشرق الأوسط منها شركات أمريكية, أحدها شركة نفط إنديانا القياسية وهي أحد شركات النفط الأمريكية التي تفرعت من شركة ستاندرد أويل التي أسسها جون روكفلر ولكنها ليست من ضمن مجموعة شركات الأخوات السبعة. الشركة نجحت سنة ١٩٥٨ في توقيع إتفاق مبادئ مماثل لاتفاق الذي قام إنريكي ماتي بتوقيعه نيابة عن شركة إيني الإيطالية, ٢٥% حصة شركة نفط إنديانا مقابل ٧٥% حصة الحكومة السعودية من العائدات, ولكن مع استثناء وهو أن شركة نفط إنديانا كان عليها أن تدفع مبلغا ماليا كبيرا مقدم توقيع العقد. شاه إيران محمد رضا بهلوي والذي كان مؤخرا قد قام بتطليق زوجته لأنها فشلت في أن تنجب له الوريث الذكر كان سعيدا جدا بذلك الإتفاق لأن شركة نفط إنديانا تعتبر شركة أمريكية لها تاريخ عريق ومكانة مهمة في صناعة النفط في الولايات المتحدة والعالم. شركة نفط إنديانا من ناحيتها وجدت الوضع في إيران يعتبر فرصة ثمينة من أجل توقيع عقد امتياز في الشاه بهلوي واستغلال الحالة النفسية التي يمر بها بسبب طلاقه مما أدى الى انغماسه أكثر و أكثر بالعمل خصوصا وأن الشركة كانت سنة ١٩٣٢ في خضم أزمة الكساد العظيم قد قامت ببيع حصتها في امتياز النفط الذي حصلت عليه في فنزويلا الى شركة نفط نيوجيرسي القياسية.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

يتبع…

 

الحلقة الرابعة

شاه إيران محمد رضا بهلوي لم يكن هو الشخص الوحيد في المنطقة الذي تتعارض مبادئ أو مصالحه حتى أكون أكثر دقة مع شركات الاحتكارات النفطية خصوصا الأخوات السبعة. الزعيم المصري جمال عبد الناصر خرج منتصرا من أزمة قناة السويس ١٩٥٦ ولديه رصيد سياسي بدون حدود في المنطقة حيث شعبيته تتزايد بإستمرار. كما أنه إستغل التكنولوجيا في الدعاية خصوصا الراديو الذي كان وسيلة تسلية رخيصة الثمن في ذلك الوقت وأسَّسَ إذاعة صوت العرب التي كان من خلالها أحمد سعيد يبث الخطب الحماسية والأفكار القومية والناصرية. أزمة قناة السويس إنتهت سنة ١٩٥٧ وأعيد فتح القناة أمام حركة الملاحة ولكن جمال عبد الناصر حقَّقَ نصرا سياسيا أخر سنة ١٩٥٨ حيث حصل على موافقة الإتحاد السوفياتي على تمويل بناء مشروع السد العالي في قرب مدينة أسوان. كما أنَّ سنة ١٩٥٨ قد شهدت حدثا أخرا على نفس الدرجة من الأهمية حيث تم الإعلان عن الوحدة بين مصر و سوريا وهو حدث أدى الى نتيجة مفادها أن الوحدة العربية الشاملة هي أمر أقرب الى الحقيقة منها الى الخيال. الوحدة بين مصر وسوريا, قناة السويس, نفط السعودية والعراق وخطوط الأنابيب التي تمر في سوريا سوف تؤدي الى تدعيم مركز العرب وأهميتهم ضد الدول الغربية وزيادة نفوذهم السياسي والإقتصادي.

بريطانيا والتي كانت في السابق الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس شعرت بالقلق البالغ من قدرة جمال عبد الناصر ولو نظريا على التحكم في إمدادات النفط القادمة من منطقة الشرق الأوسط من خلال قناة السويس وخطوط الأنابيب التي تمر من سوريا وتم تقديم اقتراح بريطاني من أجل بناء خط أنابيب بديل يمر في الأراضي العراقية مع بناء ميناء تصدير في مدينة الفاو العراقية التي تقع في منطقة شط العرب في الخليج العربي ولكن ذلك الاقتراح لم يعد من الممكن تنفيذه لأن الموقف في العراق بتأثير الناصرية والدعاية القومية في إذاعة صوت العرب تغيَّرَ ١٨٠ درجة حيث أنه في شهر ١٩٥٨/٦ فقد قام شيوعي وهو عبد الكريم قاسم بتنفيذ إنقلاب دموي حيث قتل أفراد الأسرة الهاشمية الحاكمة في مجزرة قصر الرحاب وتم التمثيل بجثثهم. كما أنه تم القبض على رئيس الوزراء نوري السعيد وسحله في الشوارع ومن ثم قتله وتشويه جثته من خلال مرور أحد المركبات عليها ذهابا وإيابا حتى اختفت ملامحها ولم يمكن التعرف عليها. الحكومة الجديدة في العراق سارعت الى مراجعة جميع عقود النفط وأصبح من الواضح أمام جميع الدول الأجنبية نفوذ الناصرية وجمال عبد الناصر ومركزه المهم في المنطقة.

كانت فترة الخمسينيات من القرن العشرين قد شهدت إجتماعات عربية متعدِّدة محورها الرئيسي كان النفط وفرض حصار إقتصادي ضد دولة الكيان الصهيوني التي تم الإعلان عن تأسيسها سنة ١٩٤٨. أحد البنود التي تم اقتراحها هو فرض عقوبات ضد شركات النفط التي تتعامل مع الكيان الصهيوني أو مضايقتها ومصادرة أصولها حيث تشعبت أجندة تلك الإجتماعات وتوسعت الى مجالات وقضايا أخرى. إن تلك الاجتماعات والتي عقد أغلبها في مصر وضعت في يد الرئيس المصري جمال عبد الناصر أداة أخرى من الممكن استغلالها في زيادة نفوذه وضد خصومه من دول الغرب وحتى دول عربية وذلك على الرغم من أن مصر ليست دولة منتجة للنفط. مصر قدَّمت إقتراحا خلال أحد تلك الإجتماعات في ربيع سنة ١٩٥٧ حول بناء وتأسيس صناعة النفط في الوطن العربي مثل بناء مصافي تكرير النفط, زيادة القدرات والإمكانيات الفنية, امتلاك الخبرات وتكنولوجيا النفط, بناء خط أنابيب نفط عربي وموانئ تصدير النفط على البحر الأبيض المتوسط وحتى امتلاك أسطول من ناقلات النفط. كما أنه وخلال ذلك الإجتماع فقد تم مناقشة تأسيس منظمة عربية يتم من خلالها توحيد إمكانيات الدول العربية في مجال النفط والقدرة على المنافسة وضبط كميات الإنتاج.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

يتبع…

 

الحلقة الخامسة

إن جميع الأفكار العظيمة تبدأ دائما من شخصين إثنين لأن يدا واحد لا تصفق ومن ثم تبدأ تلك الفكرة باجتذاب أشخاص أخرين وقد بدأت فكرة الامتياز النفطي الياباني في المنطقة المحايدة من شخصين إثنين ليس لديهما أدنى خبرة أو معرفة في مجال التنقيب عن النفط ولكن الأمر في تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط(أوبك) كان مختلفا قليلا لأن بذور الفكر كانت موجودة لدى شخصين إثنين هما وزير النفط السعودي عبدالله الطريقي(الشيخ الأحمر) و خوان بابلو ألفونزو (Juan Pablo Pérez Alfonzo) وزير التعدين والطاقة في فنزويلا جمعت بينهما صحفية في مجال النفط التشيكوسلوفاكية واندا جابلونسكي (Wanda Jablonski) والتي كانت تعمل مراسلة في صحيفة (Petroleum Week). إذا فإنه لدينا ثلاثة أشخاص محوريين في تأسيس منظمة أوبك ولابد من رواية قصتهم وكيف أدت جهودهم وأفكارهم الى تأسيس ماتصفه الدول الغربية بأنه أحد أكبر كارتلات النفط الاحتكارية في العالم حيث يثور حوله جدل سياسي بين فترة وأخرى.

كانت سنة ١٩٤٨ مهمة في تاريخ فنزويلا حيث تم إسقاط الحكومة المنتخبة ديمقراطيا وذلك في إنقلاب عسكري كان يقوده الجنرال (Marcos Pérez Jiménez). الحكومة التي تم إسقاطها كانت هي المسؤولة عن أول قانون مناصفة(٥٠/٥٠) في مجال صناعة استخراج وتكرير النفط وبسبب ذلك تحوم شبهات حول تورط كل من الولايات المتحدة وبريطانيا في تدبير الانقلاب. صناعة النفط شهدت طفرة الى الأمام حيث تضاعف كميات النفط التي يتم استخراجها مع حلول سنة ١٩٥٧. ولكن شعبية النظام شهدت خلال تلك الفترة تراجعا كبيرا حتى سقط سنة ١٩٥٨ وعاد الى فنزويلا نظام الحكم الديمقراطي حيث الشخصيات الرئيسية التي كانت تدير المشهد السياسي والإقتصادي أغلبها من أعضاء الحكومة الديمقراطية في الأربعينيات وممن كانوا معتقلين سياسيين خلال فترة حكم الجنرال Marcos Jiménez.

الرئيس الجديد (Romulo Betancourt) كان هو نفسه عضوا في اللجان الثورية سنة ١٩٤٥ وكان خلال سنوات المنفى معارضا ضد نظام حكم الجنرال Marcos Jiménez وسيطرة وهيمنة شركات النفط الرئيسية التي حولت فنزويلا الى مجرد مناطق امتياز من أجل إستخراج النفط بدون الإهتمام بأي تقدم إقتصادي أو تنمية حقيقية. الحكومة الجديدة تعلمت من دروس التاريخ ورغم الانتقادات التي تعرضت لها وحتى تمرد عسكري من تنظيمات شيوعية ولكنها استمرت في سياستها التي كانت تركز على التحالفات السياسية والتوفيق بين آراء مختلف الأحزاب وعدم تجاهلها أو تهميشها. ريتشارد نيكسون نائب الرئيس الأمريكي ليندون جونسون تعرض الى محاولة إغتيال خلال زيارته الى فنزويلا سنة ١٩٥٨ وحتى الرئيس رومولو بيتانكور تعرض الى محاولة إغتيال سنة ١٩٦٠ أصيب على أثرها بحروق. المشاعر المناهضة للولايات المتحدة في فنزويلا كانت قوية للغاية وكان على الحكومة الديمقراطية الجديدة أن تسلك طريق الإصلاحات بحذر بالغ.

الرئيس الفنزويلي رومولو بيتانكور(Romulo Betancourt) كان وعلى الرغم من انتقاداته ضد شركات النفط إلا أنه كان يعلم أنه في حاجة إليها. ولكنه في الوقت نفسه, كان هو و زملائه في الفريق الحكومي براغماتيين و عمليين ولديهم قابلية للتكيف. الشخص الذي تم اختياره من أجل التعامل مع ملف النفط الشائك في فنزويلا كان خوان بابلو بيريز ألفونسو الذي ولد في العاصمة كاراكاس سنة ١٩٠٣ من أسرة ثرية وكان لديه عشرة إخوة وأخوات. سنة ١٩٤٨ وبعد الإطاحة بحكومة الرئيس رومولو غاليغوس المنتخبة ديمقراطيا حيث كان يشغل منصب وزير التنمية وقضاء تسعة شهور في السجن, سُمِحَ له بالسفر الى المنفى في الولايات المتحدة ثم إنتقل الى المكسيك وذلك لأسباب مادية. ولكن خلال وجوده في الولايات المتحدة, قضى وقتا طويلا في دراسة تاريخ مفوضية سكة حديد تكساس والدور المهم الذي لعبته في تنظيم عمليات إنتاج, تكرير وتوزيع النفط في تكساس والولايات المتحدة خلال فترة زمنية شهدت زيادة الإنتاج وهبوط الاسعار الى مستويات قياسية, مما أدى الى ولادة فكرة تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط(أوبك).

كان خوان ألفونسو شخصا زاهدا في السلطة هدفه هو خدمة مصالح بلاده والشعب الفنزويلي والإستفادة من ثرواتهم الطبيعية خصوصا النفط. كما أنه أقسم على أن لا تفسده السلطة والامتيازات التي ترافقها. انخفاض سعر النفط كما كان خوان ألفونسو يرى من وجهة نظره يشجع على الاستهلاك المتزايد والغير مسؤول واستنزاف الثروة النفطية وتراجع الاستثمارات في ذلك القطاع الحيوي مما يضر بالمستهلكين. كان خوان ألفونسو يعتقد أن دول الشرق الأوسط حيث انخفاض تكاليف إنتاج النفط, ٢٠ سنت/برميل, مقارنة مع فنزويلا, ٨٠ سنت/برميل, مصدر تهديد على الرغم من أنها إرتباطها مع عدة دول في المنطقة بعلاقات صداقة ومصالح مشتركة. وقد وجد أن الحل وذلك من خلال خبرته وفهمه العميق في قطاع النفط وآليات عمله في تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط تكون مهمتها تنظيم عملية الإنتاج والتسويق بين الدول الأعضاء بعيدا عن سلطة وسيطرة شركات النفط الرئيسية. 

أحد الأسباب الرئيسية التي أدت الى تفكير خوان ألفونسو في في تأسيس منظمة أوبك كان القرار الذي إتَّخذه الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور سنة ١٩٥٩ في تخفيض نسبة صادرات الولايات المتحدة من النفط وذلك من أجل حماية شركات النفط الأمريكية مما أدى الى الحاق أضرار بالغة بقطاع النفط الفنزويلي حيث يتم تصدير ٤٠% من إنتاج النفط. إن القرار الذي إتخذه الرئيس الأمريكي قد إستثنى كندا والمكسيك وذلك لأسباب ترى الولايات المتحدة أنها تتعلق بالأمن القومي حيث أن طرق الشحن البرية أكثر أمانا من نظيرتها البحرية التي تعرضت الى أضرار بالغة خلال الحرب العالمية الثانية بسبب الغواصات الألمانية التي كانت تغرق ناقلات النفط الأمريكية في المحيط الأطلنطي مما أثَّرَ على جهود دول الحلفاء الحربية خصوصا بريطانيا. وكما يرى خوان ألفونزو من وجهة نظره أن تلك معاملة غير عادلة لأن المكسيك وليس فنزويلا هي التي قامت بتأميم شركات النفط الأمريكية خلال الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية.

"الأمير الأحمر" كان لقب أول وزير نفط في المملكة العربية السعودية قام الملك سعود عبد العزيز آل سعود بتعيينه. "نفط العرب للعرب" تنسب الى الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي كان يستخدمها في خطاباته رغم أن مصر دولة غير منتجة للنفط ولكنها في الحقيقة مقولة إشتهر بها عبدالله الطريقي وتعني زيادة حجم التجارة البينية واستغلال اليد العاملة في الدول العربية. إن تعيين عبدالله الطريقي في منصب مدير مؤسسة النفط والتعدين رغم آرائه المؤيدة مبادئ الناصرية والقومية العربية كان نتيجة صراع داخلي في المملكة العربية السعودية بين اثنين من الأشقاء من أولاد عبد العزيز آل سعود يحمل كل منهما وجهة نظر مختلفة تماما عن الأخر, الملك سعود وشقيقه الأمير فيصل, الأول كان يؤيد القومية العربية ومقرب من الزعيم جمال عبد الناصر, بينما كان الثاني أقرب الى الولايات المتحدة. عبدالله الطريقي أنهى دراسته في الكويت ومصر و تخصصه الجامعي في الجيولوجيا والكيمياء من جامعة تكساس الأمريكية حيث كان أول مواطن سعودي يتخرج من جامعة أمريكية.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

يتبع…

 

الحلقة السادسة

الملك سعود آل سعود هو نفسه أول من بدأ في تحدي شركات النفط الكبرى في المملكة العربية السعودية ومطالبتهم بالمزيد من عوائد النفط الذي تستخرجه تلك الشركات من أراضي المملكة. وسائل الإعلام المختلفة ومؤلفون وصحفيون ينشرون القصص عن مجون الملك سعود وعن شربه الخمر وحكمه الدموي وحتى عن شذوذه الجنسي كما نشر معارضون سعوديون ولكن هناك إحتمال أو الرأي الأكثر ترجيحا أنها قصص ملفَّقة ومزورة من أجل تشويه تاريخ الملك الذي أيقظ شركات النفط الأمريكية من أحلامها. عبدالله الطريقي الذي قام الملك سعود بتعيينه لأنه الرجل المناسب من أجل أن يدير الصراع مع شركات النفط كان لديه أفكار حول تأسيس شركة نفط سعودية وطنية وحتى تأميم شركة ارامكو. ولكنه في بداية سنة ١٩٥٩ وبسبب إنخفاض أسعار النفط الى مستويات غير مسبوقة فقد أصبحت الأولوية بالنسبة الى عبدالله الطريقي هي السيطرة على عملية الإنتاج والأسعار.

شركات النفط كان تبيع النفط مقابل تخفيض أقل من السعر الرسمي خلال فترة الخمسينيات وذلك بسبب سعي الدول المنتجة الى زيادة مداخيلها من النفط من خلال زيادة الإنتاج بدلا من زيادة السعر والحفاظ على حصتها السوقية أو الإستحواذ على أسواق جديدة مما أدى الى نمو العرض أكثر من الطلب. شركات النفط وفي مساعيها من أجل تحقيق ذلك كانت تبيع النفط بسعر مخفَّض عن السعر الرسمي الذي تدفع بموجبه الى الحكومات حقوق الملكية والضرائب مما أدى الى إنخفاض أرباحها تدريجيا وصولا الى تحقيقها خسائر مالية بسبب الفرق بين السعر الرسمي والسعر المخفَّض. مشكلة إنخفاض الأسعار بدأت تتحول الى أزمة حادة بداية من عام ١٩٥٨ خصوصا مع إغلاق السوق الأمريكية تقريبا أمام النفط المستورد من الخارج وتحديد حصص الاستيراد لكل دولة مع إستثناء المكسيك وكندا. الشركات كانت هي التي تتحمل خسائر فرق السعر بينما الحكومات مازالت تحصل على حصتها كاملة وفق السعر الرسمي واتفاقية المناصفة (٥٠/٥٠).

إن دخول الإتحاد السوفياتي نادي الدول المصدرة للنفط بداية العام ١٩٥٥ بعد أن كان يتم استهلاكه داخليا في دول المعسكر الإشتراكي قد أدى الى آثار سلبية على سعر النفط في الأسواق الدولية. إنتاج الإتحاد السوفياتي من النفط قد تضاعف خلال الفترة (١٩٥٠-١٩٦٠) وأصبح يعادل ٦٠% من إنتاج النفط في الشرق الأوسط وثاني أكبر دولة منتجة للنفط بعد الولايات المتحدة وهو المركز الذي كانت تشغله فنزويلا سابقا. رئيس المخابرات الأمريكية ألن دالاس صرَّحَ خلال إجتماع حكومي سنة ١٩٥٨ أنه يشعر بالقلق من قدرة الإتحاد السوفياتي على إثارة الإضطرابات في الاسواق. شركات النفط بدأت وفي ردة فعل على تحول الإتحاد السوفياتي الى دولة مصدِّرة للنفط, بدأت في التفكير في تخفيض السعر الرسمي وبذلك تشترك الدول والحكومات مع الشركات في تحمل فرق التكلفة بين السعر الرسمي والسعر المخفَّض. إنَّ أول شركة قامت بذلك هي بريتيش بتروليوم(BP) أو شركة النفط الأنجلو-إيرانية سابقا والتي خفَّضت في السعر المعلن ١٠% مما أثار موجة من السخط لدى الدول المصدرة للنفط والتي بدأت فورا في التفكير في ردها على ماقامت به شركة النفط(BP) والتي تبعها لاحقا شركات أخرى في تلك الخطوة.

الرئيس المصري جمال عبد الناصر دعا في إبريل/١٩٥٩ الى عقد مؤتمر يضم الدول العربية ومنها الدول المنتجة للنفط في القاهرة وذلك في محاولة منه إستغلال النفط وسيلة من أجل زيادة نفوذه السياسي في المنطقة. المؤتمر حضره ٤٠٠ شخص منهم وزير النفط السعودي عبدالله الطريقي و كذلك وزير المعادن والطاقة الفنزويلي خوان بابلو ألفونزو الذي حضر بصفة مراقب. ولكن الجميع لاحظوا غياب العراق وهي دولة منتجة للنفط عن المؤتمر بسبب الخلاف السياسي مع مصر. العراق أعلن على المستوى الرسمي مقاطعته للمؤتمر حيث كانت هناك مخاوف لدى القيادة السياسية من سيطرة مصر وهي دولة غير منتجة للنفط على قرارات المؤتمر الذي سوف لن يكون إلا وسيلة من أجل تعزيز نفوذها في المنطقة. 

إنَّ جلسات المؤتمر الذي كان من المفترض أن يتم مناقشة مسائل تقنية بحتة تحولت الى مؤتمر سياسي بسبب قرار شركة بي بي(BP) مساء اليوم الذي انعقدت فيه أولى جلسات المؤتمر تخفيض سعر النفط المعلن ١٠%. شركات النفط التي كانت تخشى من إتخاذ المجتمعين القرار بتأميم شركات النفط أرسلت مندوبين عنها من أجل حضور الجلسات والذين أرسلوا تقارير إيجابية الى مدرائهم بأن أجواء إنعقاد المؤتمر كانت إيجابية حيث أجرى ممثلو شركات النفط مناقشات غير رسمية مع نظرائهم ممن ممثلي الدول التي حضرت المؤتمر وأنه هناك الكثير من المكاسب المستقبلية التي يمكن أن تحققها شركات النفط في منطقة الشرق الأوسط. مايكل هوبارد ممثل شركة بريتش بتروليوم أرسل تقريرا الى مديره المباشر أنه تمكن من خلال مندوبة مجلة Petroleum Week الصحفية واندا جابلونسكي من عقد لقاء مع وزير النفط السعودي عبدالله الطريقي حيث يمكن مناقشة مسائل إقتصادية مع الوزير السعودية كما أخبرته جابلونسكي. ولكن بدلا من ذلك, فقد تلقى مايكل هوبارد تقريعا حادا من الوزير الطريقي بسبب التباين في إنتاج النفط من المنطقة المحايدة في الكويت مقارنة مع السعودية رغم فارق التعداد السكاني بين البلدين حيث إزدادت الهوة إتَّساعا بين الجانبين بدلا من الوصول الى تفاهم مشترك حول النقاط الخلافية بينهما.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

يتبع…

الحلقة السابعة

واندا جابلونسكي التي تخرجت من جامعة كورنيل العريقة في الولايات المتحدة وعملت في مجلة Petroleum Week قبل أن تصبح رئيسة تحرير مجلة Petroleum Intelligence Weekly, كانت ناشطة في كواليس المؤتمر ولديها القدرة على الحصول على المعلومات التي تمنحها السبق الصحفي مقارنة مع غيرها من الصحفيين والمراسلين. ولكنها في الوقت نفسه وليس كما كان يعتقد البعض, كانت واندا جابلونسكي تنظر بإيجابية الى شركات النفط وقطاع الطاقة بشكل عام وتعمل باستمرار على تعزيز العلاقات بين الشركات والدول المنتجة للنفط من خلال تمثيلها قناة اتصال خلفية بين جميع الأطراف بعيدا عن أعين الفضوليين. وقد التقت واندا جابلونسكي الملك سعود آل سعود بالإضافة الى وزير النفط عبد الله الطريقي سنة ١٩٥٦ خلال رحلة عمل في ١٢ بلدا عربيا حيث أمضت في قصر الملك السعودي أياما في قصر الملك سعود وأقامت في جناح الحريم وشربت الشاي بماء الورد ونقلت صورة أكثر واقعية من تلك التي نقلها صحفيون آخرون كانوا متأثرين بروايات ألف ليلة وليلة. 

جابلونسكي وخلال لقاء أخر جمعها مع الوزير الطريقي, نقلت إليه معلومة مهمة وهي أنه هناك شخص آخر ربما يشاركه وجهة نظر مماثلة حول شركات النفط التي تعمل في السعودية وأنه سوف تعمل على الجمع بينهما خلال أول فرصة ممكنة والتي لم تكن سوى مؤتمر القاهرة ١٩٥٩. وزير النفط السعودي عبدالله الطريقي الذي اجتمع مع وزير المعادن والطاقة الفنزويلي خوان بابلو ألفونزو على هامش جلسات المؤتمر حيث اتفق الوزيران على عقد جلسات سرية بعيدا عن عدسات الصحفيين مع مسؤولين آخرين في الدول المصدرة للنفط في أحد النوادي في منطقة المعادي والذي كان خاليا من الزبائن بسبب توقف الموسم السياحي حيث يمكن أن لا يلفت المجتمعون الأنظار. الإجتماع كان سريا للغاية حضره الوزير الطريقي,  وزير المعادن والطاقة الفنزويلي خوان بابلو ألفونزو وممثلون عن الكويت, إيران والعراق الذي حضر بصفته ممثل العراق في جامعة الدول العربية حيث تم توقيع اتفاق شرفي(Gentlemen’s Agreement) يتضمن توصيات حتى يتم رفعها الى الجهات المعنية في بلدانهم. الوزير الإيراني والذي كان مصرا على أن حضوره بصفته الشخصية كان يخشى من التوقيع حتى أنه إختفى من الإجتماع فجأة واضطر المجتمعون الى طلب المساعدة من الشرطة المصرية من أجل العثور عليه وإمضاء توقيعه على الاتفاق.

القرارات التي تضمنتها بنود الإتفاق كانت تتمحور حول اقتراحات الوزير الفنزويلي, تأسيس هيئة استشارية للنفط من أجل الحفاظ على ثبات واستقرار الأسعار وتحقيق مصالح الدول المصدرة للنفط, وتأسيس شركات نفط وطنية. الاتفاق تضمن أيضا توصية تم رفعها الى الحكومات بتعديل اتفاق المناصفة(٥٠/٥٠) الى ( الحكومات٦٠/ شركات النفط٤٠) والعمل على بناء صناعة تكرير النفط من أجل تحقيق التكامل الاقتصادي وحماية العائدات الحكومية وبالتالي الاقتصاد المحلي. واندا جابلونسكي لعبت دورا محوريا و رئيسيا في ذلك الإجتماع وكانت مسؤولة عن جمع الأطراف مع بعضها البعض في ذلك التحالف الذي سوف يتحول لاحقا الى منظمة الدول المصدر للبترول(أوبك).

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

يتبع…

 

الحلقة الثامنة

إن رواية قصة تأسيس منظمة الدول المصدرة للنفط(أوبك) ليست سوى أحد فصول تاريخ النفط ولعبة الطاقة الجيوسياسية حيث تداخل السياسة مع الاقتصاد, الإعلام, البنوك والأهم شركات السلاح والخدمات الأمنية. ولن تكتمل رواية قصة التأسيس من دون أن نكمل فصولها والأحداث التي أعقبت تأسيس أوبك لا تقل أهمية عن الأحداث التي سبقتها.

الإتحاد السوفياتي قام بالإنضمام الى لعبة النفط الجيوسياسية سنة ١٩٥٦ من خلال دخوله نادي الدول المصدرة للنفط بعد أن كان إستهلاك النفط داخليا يلتهم كامل الإنتاج. دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة كانت تشعر و شركات النفط بقلق بالغ حيث كانت الحرب الباردة في ذروتها والإتحاد السوفياتي كان في أمس الحاجة الى العملة الصعبة من أجل شراء الأدوات والمعدات والمنتجات الزراعية وكان على إستعداد لأن يعقد صفقات مبادلة أو يبيع النفط بسعر منخفض للغاية. دول الغرب على رأسها الولايات المتحدة كانت تعتقد ان الإتحاد السوفياتي يغرق الأسواق بالنفط متعمدا هبوط الأسعار وأن ذلك إحدى وسائل الحرب الاقتصادية التي يستخدمها.

تأسيس منظمة أوبك لم يكن له تأثير على أسعار النفط خصوصا في بدايتها حيث استمرت في الهبوط بسبب زيادة الإنتاج والمنافسة بين شركات النفط الرئيسية والنفط السوفياتي الرخيص والأهم عدد كبير من المنتجين المستقلين الذين لم يكونوا يهتمون بأي قواعد أو قوانين بل بأن يملؤوا جيوبهم بالمال. شركة بريتش بتروليوم وشركات أخرى استمرت في إعلان تخفيض أسعار النفط عن السعر الرسمي المعلن في عقودها مع حكومات الدول المنتجة للنفط مما أدى الى مزيد من الشعور بالغضب لدى المسؤولين في تلك الدول. شركات النفط بدأت تخشى من تأثير المنافسة على حصتها السوقية خصوصا في أوروبا الغربية والتي تعتبر المستورد الرئيسي للنفط الذي يتم تصديره من دول الشرق الأوسط خصوصا أنها إكتشفت أن إنريكو ماتي كان المشتري الرئيسي للنفط السوفياتي وأنه كان يمكن شراء النفط مباشرة من موانئ التصدير السوفياتية في البحر الأسود بنصف السعر الرسمي المعلن وشحنه مباشرة الى وجهته. النفط السوفياتي الرخيص كان يغرق الأسواق الأوروبية من خلال إيطاليا مما أدى الى هبوط حاد في الأسعار.

إنَّ المقولة الشائعة أن الأزمات تؤدي الى ظهور معادن الرجال الحقيقية تنطبق على رئيس مجلس إدارة شركة نفط نيوجرسي(Standard Oil of New Jersey) مونرو راتهاوس الذي كان لقبه بين موظفي الشركة تي المربع(T-Square). مونرو راتهاوس لم يكن غريبا عن عالم صناعة النفط حيث والده وعمه كانوا يمتلكون واحدة من أكبر شركات تكرير النفط في فيرجينيا الغربية وهو نفسه عمل خلال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى وتخرجه من الجامعة في تخصص الهندسة الكيميائية في مصفاة النفط التي تمتلكها شركة نفط نيوجرسي في بلدة باتون روج في ولاية لويزيانا والتي أصبح مديرها في عمر الواحد والثلاثين ولاحقا رئيس مجلس إدارة شركة نفط نيوجيرسي.

كان مونرو راتهاوس مصمما على التوسع في أسواق جديدة والحفاظ على حصة الشركة في أسواقها القائمة وذلك خلال فترة زمنية حرجة حيث تخمة المعروض وانخفاض الطلب. ولكن كانت هناك عدة عقبات أمام تحقيق ذلك وأحدها هو أنَّ البناء الإداري في شركة نفط نيوجيرسي كان قائما على لجان متعددة حيث يتم دراسة كل قرار بتمحيص وعناية من عدد من تلك اللجان قبل الموافقة عليه. القرار الذي كان على مونرو راتهاوس أن يتخذه يتلخص في المزيد من تخفيض أسعار النفط(الرسمية) في تعاقدات الشركة مع الدول مالكة حق الإمتياز لكنه واجه معارضة من أعضاء في مجلس الإدارة واللجان الفرعية أحدهم هوارد بيج (Howard Page) الذي يعتبر أحد أكثر مفاوضي الشركة خبرة في الشرق الأوسط وهو المسؤول عن تأسيس تحالف شركات النفط التي أدارت قطاع النفط في إيران خلال الفترة التي أعقبت إسقاط رئيس الوزراء محمد مصدق سنة 1953 في العملية السرية التي أطلق عليها الإسم "آجاكس". هوارد بيج (Howard Page)  كان مفاوضا وخبيرا دوليا محنكا في شؤون النفط يطلق عليه في الشركة لقب (Slide Rule), بينما كانت خبرة مونرو راتهاوس محلية وليس على دراية كاملة بعواقب قراره. هوارد بيج كان يخشى من قرارات التأميم ويعلم يقينا تأثير ذلك على الشحن العاطفي في الشرق الأوسط وتأثير سيكولوجيا الجماهير على تلك النوعية من القرارات خصوصا بعد مؤتمر القاهرة ١٩٥٩.

هوارد بيج وفي مساعيه من أجل دعم وجهة نظره في مواجهة رئيس مجلس الإدارة مونرو راتهاوس قام بعقد إجتماع بحضور الصحفية واندا جابلونسكي والتي لم يمضي أيام قليلة على عودتها من جولتها في منطقة الشرق الأوسط والتي تحدثت الى أعضاء مجلس الإدارة حول المناخ العدائي ضد شركات النفط التي تستنزف ثروات الدول المصدرة للنفط وشعبية الرئيس المصري جمال عبد الناصر مما يزيد من حالة الإحتقان. كما تحدثت جابلونسكي خلال الإجتماع عن مستقبل شركة نفط العراق(Iraq Petroleum Company) وشركة أرامكو وأن من المستحيل في المستقبل القريب بقاء الوضع على ماهو عليه وأن اتخاذ قرار مثل تخفيض في سعر النفط الرسمي, سوف يؤدي الى ردة فعل سلبية وعنيفة من الحكومات بتأثير الضغط الشعبي. كما عقدت جابلونسكي اجتماعا على إنفراد مع مونرو راتهاوس الذي أخبرها بعدم دقة وجهة نظرها وأنه كان في زيارة الى الشرق الأوسط وأن الأمور سوف تكون على مايرام.

مونرو راتهاوس تجاهل نصائح جابلونسكي و هوارد بيج الذي كان يرى من وجهة نظره أنه بأفضل الأحوال لا يمكن إتِّخاذ ذلك القرار من دون مشاورات مع حكومات الدول المعنية ولكن القرار النهائي كان من إختصاص رئيس مجلس الإدارة  حيث إتخذت شركة نفط نيوجيرسي بتاريخ ٩/أغسطس/١٩٦٠ قرارا مفاجئا تخفيض سعر برميل النفط ٧% من السعر الرسمي بما يعادل ١٤ سنت/برميل. شركات النفط الأخرى وعلى الرغم من تحفظها فإنها قامت باتخاذ قرار مماثل وهو ما سوف تندم عليه لاحقا. الدول المصدرة للنفط والتي وجدت نفسها في موقف محرج أمام مواطنيها حيث خسرت ٧% من دخلها القومي والأهم كبريائها وسيادتها وشعبيتها. أحد أعضاء مجلس الإدارة الذي كان معارضا للقرار والذي كان متواجدا في بغداد أخبر أعضاء أخرين أنه سعيد للغاية بعودته حيا الى الولايات المتحدة بسبب الغضب الرسمي والشعبي من القرار.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

يتبع…

الحلقة التاسعة

الدول المصدرة للنفط كانت غاضبة للغاية من قرار شركة ستاندرد أويل أو نيوجيرسي  والرد كان سريعا وخلال ساعات. فقد تبادل وزير النفط السعودي عبدالله الطريقي عدة برقيات مع نظيره الفنزويلي خوان بابلو ألفونزو وسافر الى العاصمة اللبنانية بيروت في زيارة كان من المفترض أن تستغرق ٢٤ ساعة. الهدف كان ترتيب اجتماع بين مندوبي الدول التي وقعت على وثيقة الإتفاق الشرفي في القاهرة سنة ١٩٥٩. الحكومة العراقية والرئيس عبد الكريم قاسم كانوا في على علاقة عدائية مع مصر والرئيس جمال عبد الناصر وكان إعلان شركة ستاندرد أويل أوف نيو جيرسي تخفيض سعر البرميل الرسمي فرصة مناسبة لهم حتى يبعدوا مصر عن لعبة النفط وذلك من خلال تأسيس منظمة تظم الدول (العربية)المصدرة للنفط دولتين أجنبيتين هما (إيران و فنزويلا). الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم كان يهدف من خلال الدعوة الى عقد اجتماع في بغداد حرمان جمال عبد الناصر من فرصة استغلال المناسبة سياسيا ومساعدته(عبد الكريم قاسم) في صراعه مع شركة نفط العراق(Iraq Petroleum Company). وزير النفط الفنزويلي كان سعيدا للغاية عندما وصلته برقية الحكومة العراقية الدعوة الى الاجتماع في بغداد حيث رفعها عاليا وصاح بالإنجليزية:"We’ve achieved it!" وترجمتها الحرفية "لقد حققنا ذلك!" أو "فعلناها."

شركات النفط الرئيسية أدركت عواقب القرار الذي تم اتخاذه تخفيض سعر النفط الرسمي حيث سارعت شركة شل على سبيل المثال الى أن تمد يدها بغصن الزيتون وأعلنت بتاريخ ٨/سبتمبر/١٩٦٠ الى زيادة سعر برميل النفط(الرسمي) بين ٢ سنت الى ٤ سنت ولكن تلك المبادرة جاءت متأخرة. السعودية, فنزويلا, العراق, إيران, الكويت حضروا بالإضافة الى قطر بصفة مراقب الى بغداد بتاريخ ١٠/سبتمبر/١٩٦٠ وبعد أربعة أيام من الاجتماعات في أجواء مشحونة بالتوتر بسبب محاولة إنقلاب فاشلة في بغداد, أعلن بتاريخ ١٤/سبتمبر/١٩٦٠ عن منظمة الدول المصدرة للنفط(أوبك). شركات النفط وحكومات دول غربية تعاملت مع تأسيس منظمة أوبك بلا مبالاة رغم اعتذارها الى الدول المصدرة للنفط عن قرار تخفيض سعر البرميل(الرسمي). تقرير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية(سي آي إيه) السري عن الشرق الأوسط والذي صدر في ٤٣ صفحة بتاريخ نوفمبر/١٩٦٠, بعد شهرين من الإعلان عن تأسيس أوبك ولكنه لم يخصص لذلك سوى أربعة أسطر.

إنَّ تأسيس منظمة أوبك رافقه الكثير من الضجة الإعلامية ولكن خلال العقد الأول من عمرها, كان تأثير المنظمة على سوق النفط العالمي محدودا للغاية وذلك يعود الى عدة أسباب. أحد تلك الأسباب هو أن التخمة النفطية التي أصابت الأسواق بسبب زيادة الإنتاج وعدم رغبة الدول المصدر للنفط تخريب العلاقة مع شركات النفط الرئيسية لأن الدول الأعضاء في منظمة أوبك كانوا في الوقت نفسه مهتمين بالحفاظ على حصصهم التصديرية وبالتالي على العائدات من منافسة الدول الأخرى في المنظمة. سبب آخر لا يقل أهمية هو أنه في جميع الدول الأعضاء المؤسسين في منظمة أوبك بإستثناء إيران, الاحتياطيات النفطية(oil reserves) في باطن الأرض تملكها شركات النفط وفق إتفاقية الإمتياز وليس الحكومة مما جعل من قدرة تلك الدول على المناورة محدودة للغاية. ولكن في الوقت نفسه, هناك أمران إثنان كان من الممكن للمنظمة القيام بهما, الأول هو عدم قيام شركات النفط تخفيض السعر(الرسمي) بدون التشاور مع حكومات الدول الأعضاء في المنظمة, بينما الثاني عدم إتخاذ أي قرار بدون التفاوض والتشاور مع حكومات الدول الأعضاء في أوبك.

حقبة الستينيات شهدت عدة تغييرات جيوسياسية كبرى في الوطن العربي والعالم وكانت الدول الأعضاء في أوبك ضمن دائرة تأثيرها المباشر مما أضعف تأثير المنظمة على مجريات الأحداث وأسعار النفط. شركات النفط الرئيسية سعت خلال تلك الفترة الى إمساك العصا من المنتصف في علاقتها مع الحكومات حيث قامت بزيادة الإنتاج من أجل زيادة العائدات المالية وهو هدف مشترك كانت تسعى الى تحقيقه الدول الأعضاء في المنظمة. الخلافات السياسية بين الدول الأعضاء رغم أهدافها المشتركة التي تسعى الى تحقيقها من خلال عضويتها في المنظمة أدت في مجملها الى إضعاف المنظمة, الكويت وهي أحد الأعضاء المؤسسين حصلت على استقلالها من بريطانيا سنة ١٩٦١ ولكن العراق اعترض على ذلك وطالب بضم الكويت باعتبارها محافظة عراقية سابقا خلال فترة الحكم العثماني وبدأ في التهديد بإستخدام القوة ضدها. العراق جمَّدَ عضويته في المنظمة مؤقتا إحتجاجا على إستقلال الكويت وعدم قبول ضمها الى العراق. هناك أيضا الخلاف بين السعودية وإيران وهما دولتان من الدول المؤسسة للمنظمة وفي الوقت نفسها بينهما قواسم مشتركة مثل نظام الحكم الملكي الوراثي وصعود شعبية الرئيس المصري جمال عبد الناصر والقومية العربية وعدائه ضد أنظمة الحكم الملكية مما يعني تهديدا مباشرا لهما. السعودية كانت تمر بتغييرات سياسية جذرية حيث أصبح من الواضح أنَّ الملك فيصل تمكَّنَ من إحكام قبضته على الحكم بعد عزل شقيقه الملك سعود. الملك فيصل كان يميل الى الولايات المتحدة والغرب على عكس الملك السابق الذي كان على علاقة وثيقة مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر. وزير النفط السعودي عبدالله الطريقي كان يدعم الملك سعود في مواجهة أخيه فيصل مما ادى لاحقا الى استبداله بالمحامي الشاب أحمد زكي اليماني. كما أنَّ الملك فيصل خاض مواجهة مباشرة مع جمال عبد الناصر في اليمن حيث كانت السعودية تدعم نظام الحكم الملكي بقيادة الإمام محمد البدر حميد الدين بينما مصر تدعم النظام الجمهوري بقيادة عبدالله السلال.

أما بالنسبة الى دولة فنزويلا والتي هي أحد الدول الأعضاء المؤسسين في أوبك فقد كانت تسعى الى التقرب من الولايات المتحدة وإصلاح علاقتها معها وذلك خلال فترة حكم الرئيس جون كينيدي ولاحقا نائبه ليندون جونسون. وزير المعادن والنفط الفنزويلي خوان بابلو ألفونزو أصابه اليأس والإرهاق من العمل والسفر المستمر ومن عالم السياسة و منظمة أوبك نفسها حيث إصطدم بالواقع المرير وقدَّم إستقالته سنة ١٩٦٣ وتقاعد في فيلته الخاصة وتحول من وزير للنفط والمعادن الى ناشط بيئي. وقد أطلق خوان ألفونزو خلال بضعة أسابيع من إستقالته تصريحات علنية حادَّة ضد منظمة أوبك التي ساهم هو في تأسيسها بسبب عجزها عن تقديم أي فوائد حقيقية على أرض الواقع لدولة فنزويلا.

شركات النفط الرئيسية تجنَّبت خلال فترة الستينيات أي مبادرة مفاوضات مع منظمة أوبك وكانت من وجهة نظرها تملك حق الإمتياز في دول تتفاوض مع حكوماتها مباشرة. الدور الذي لعبته منظمة أوبك خلال فترة الستينيات كان ثانويا و هامشيا حيث كان الواقع في عالم النفط يختلف عن أحلام وتمنيات خوان ألفونزو وعبدالله الطريقي حين عملوا على تأسيس منظمة أوبك. المنافسة, صادرات النفط الروسية وحصص التصدير الإلزامية الى الولايات المتحدة كانت هي الواقع.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment