Flag Counter

Flag Counter

Saturday, March 11, 2023

من البداية الى النهاية, تأميم قناة السويس وأزمة العدوان الثلاثي ١٩٥٦

قناة السويس هي ممر مائي حيوي ضيق يبلغ طوله ١٠٠ ميل ويربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط. القناة هي من بنات أفكار الفرنسي فرديناند ديليسبس وهو دبلوماسي ورجل أعمال وليس مهندسا بالمهنة. إن فكرة حفر قناة تربط البحرين الأحمر والأبيض المتوسط كانت تعتبر فكرة مستحيلة حتى قيام ديليسبس بإنشاء شركة قناة السويس وحصل على موافقة الحكومة المصرية وبدأ أعمال الحفر سنة ١٨٥٩ واستغرق العمل بها ١٠ سنين وتم افتتاحها سنة ١٨٦٩.

المعلومات التي يعرفها الجميع عن قناة السويس مصدرها وسائل الإعلام التي تحرص على عدم عرض المشهد كاملا. هناك أزمة العدوان الثلاثي ١٩٥٦ و حرب ١٩٦٧ كان السبب الرئيسي قناة السويس وحاليا هناك مشكلة تثيرها وسائل إعلام تنظيم الإخوان المسلمين حول بيع قناة السويس بسبب ضغط من صندوق النقد الدولي الذي تقدمت إليه مصر بطلب قرض مالي. الإخوان المسلمون ينشرون الإشاعات مثل الذباب الذي ينشر المرض ولكن المسألة التي تثيرها وسائل الإعلام ليست جديدة بل هناك سابقة تاريخية لها.

سنة ١٨٦٩ تم إفتتاح قناة السويس في حفل أسطوري كلف الخزينة المصرية المثقلة بالديون مبالغ مالية طائلة. بريطانيا كانت تشعر بعدم الرضا بسبب عدم امتلاكها حصة في قناة السويس الطريق الحيوي إلى مستعمرتها  في الهند التي كان لقبها "درة التاج البريطاني." القناة كانت تختصر الوقت الذي يستغرقه السفر الى الهند الى النصف. ولكنه بسبب الضغوط المالية وشروط الدائنين الدوليين فقد عرضت الحكومة المصرية حصتها في قناة السويس البالغة ٤٤% للبيع. رئيس الوزراء البريطاني بينجامين دزرائيلي سارع بمعونة فرع بنك روتشيلد في إنجلترا إلى ترتيب عملية الاستحواذ على حصة الحكومة المصرية في القناة وبذلك أصبحت القناة أنجلو-فرنسية.

الحكومة البريطانية كانت تعتبر الدفاع عن القناة مسألة أمن قومي حيث كانت هناك قوات بريطانية في مصر ومعسكرات مهمة في منطقة القناة. ولعل الجميع يذكر كيف سارعت بريطانيا إلى إرسال التعزيزات والقوات من أجل صد هجوم القوات الألمانية بقيادة ثعلب الصحراء رومل في معركتي العلمين الأولى والثانية وإبعادها عن القناة وعن مصر نهائيا. هناك أمر آخر مهم لابد من ان أذكره وهو أن أول مسجد للإخوان المسلمين في مصر تم بناؤه في مدينة الإسماعيلية وليس القاهرة وتم تمويله من شركة قناة السويس التي قدمت منحة مالية بلغت ٥٠٠ جنيه مصري وهو مبلغ ضخم بمعايير تلك الأيام.

إنَّ دوام الحال من المحال حيث أنه سنة ١٩٤٨ نالت الهند إستقلالها وتم تفكيك الإمبراطورية الإستعمارية البريطانية وفقدت القناة أهميتها بالنسبة الى بريطانيا. ولكن على الرغم من ذلك فقد ظهر دور حيوي آخر للقناة لا يقل أهمية وهو أنها تختصر طريق ناقلات النفط من موانئ الخليج العربي حول رأس الرجاء الصالح وصولا الى أوروبا والبالغ ١١ الف ميل الى ٦٥٠٠ ميل وحيث إنه سنة ١٩٥٥, كان ناقلات النفط تعتبر ثلثي السفن التي تعبر القناة وبالتالي فإن ثلثي النفط الذي تستورده أوروبا من دول الخليج العربي يعبر من خلال قناة السويس. إن زيادة اعتماد دول أوروبا على النفط ودوره في الإقتصاد العالمي  ومرور خطوط نقل النفط, التابلاين(Tapline) والأي بي سي(IPC)  قد أدى إلى ازدياد أهمية قناة السويس.

المشهد السياسي في مصر سنة ١٩٥٢ كان يشهد تغيرات جذرية فقد استولت مجموعة من ضباط الجيش(الضباط الأحرار) بقيادة محمد نجيب على الحكم ولكن جمال عبد الناصر, أحد أفراد المجموعة, إنقلب على محمد نجيب سنة ١٩٥٤ وأعلن سنة ١٩٥٦ تأميم قناة السويس وذلك ردا على قرار الولايات المتحدة سحب عرضها تمويل مشروع السد العالي بالإشتراك مع صندوق النقد الدولي. الولايات المتحدة التي كانت تتعاطف مع جمال عبد الناصر في البداية وذلك في إطار الحرب الباردة وعدم رغبتها في استمالة مصر إلى محور دول المعسكر الإشتراكي وحلف وارسو, كانت تضغط على بريطانيا من أجل الانسحاب من مصر حيث كانت هناك قاعدة تموين رئيسية ومعسكر للقوات البريطانية في منطقة القناة وفق بنود معاهدة ١٩٣٦ . ولكنها بدأت في الشعور بالقلق من محاولات جمال عبد الناصر ضم السودان الى مصر وبلغ القلق ذروته سنة ١٩٥٥ حين قامت مصر بشراء أسلحة من دول المعسكر الإشتراكي وعلى رأسها الإتحاد السوفياتي.

امتياز قناة السويس كان سوف ينتهي سنة ١٩٦٨ . كما أن وزير الخارجية البريطاني أنتوني إيدن قام بزيارة مصر سنة ١٩٥٤ وأعلن أن إنسحاب القوات البريطانية من منطقة القناة سوف يكون خلال عشرين عاما سنة ١٩٧٤ . الولايات المتحدة وبريطانيا كانوا يدرسون احتمال نشوب نزاع مع مصر وإغلاق قناة السويس في وجه حركة الملاحة الدولية أو حركة ناقلات النفط على الأقل. شركة نفط نيوجيرسي القياسية قامت بإجراء دراسة سنة ١٩٥٦ حول تلك الاحتمالية وآثارها. الرئيس المصري جمال عبد الناصر أجاب وزير خارجية بريطانيا جون لويد أثناء زيارته إلى مصر والنقاش الذي دار حول أهمية قناة السويس بالنسبة إلى صناعة النفط العالمية أن الدول المصدرة للنفط تحصل على ٥٠% من العائدات وأن مصر لا تحصل على ٥٠% من عائدات قناة السويس.

سنة ١٩٥٥, كانت الولايات المتحدة بالتعاون مع بريطانيا تدرس الوسائل الممكنة من أجل مساعدة مصر إقتصاديا وتدعيم الاقتصاد المصري من أجل المساهمة في عدم انضمامها إلى دول المعسكر الإشتراكي.  القرار الذي تم اتخاذه هو تقديم قرض الى مصر من أجل مشروع بناء السد العالي بالإشتراك مع البنك الدولي. ولكن كانت هناك معارضة للمشروع داخل الولايات المتحدة خصوصا من نواب الكونغرس من ولايات الجنوب التي كانت تخشى من ازدياد المساحات المزروعة بالقطن في مصر وبالتالي منافستهم على الأسواق. كما أن دولة الكيان الصهيوني كانت تنظر بعدم الرضا إلى منح عدوها اللدود قرضا والمساهمة في نهوض الاقتصاد المصري. الكونجرس الأمريكي وضع أمام وزير الخارجية جون فوستر دالاس خيار تقديم الدعم إلى دولة محايدة من إحدى الدولتين, مصر عبد الناصر أو يوغسلافيا تيتو واختار وزير الخارجية الأمريكي يوغسلافيا وأعلن بتاريخ ١٩/٧/١٩٥٦ رسميا سحب عرض تمويل السد العالي وحذرت بريطانيا حذوه وتفاجأ البنك الدولي من القرار.

 الرئيس المصري جمال عبد الناصر أعلن بتاريخ ٢٦/٧/١٩٥٦ تأميم قناة السويس خلال خطاب ألقاه في مدينة الإسكندرية وكانت كلمة السر التي تحرك على أثرها الجيش وسيطرة على مباني ومنشآت شركة قناة السويس هي ديليسبس. المثير للدهشة التقارير التي أشارت الى أن جمال عبد الناصر بعد الخطبة وإعلان قرار التأميم تسلل خفية الى أحد قاعات السينما من أجل حضور فيلم (Meet Me in Las Vegas) للمثل الأمريكي Cyd Charisse وذلك في محاولة للإسترخاء من الإرهاق الجسدي والنفسي الذي تسبَّبت به الخطبة والتحضيرات التي سبقتها. جهود دبلوماسية استمرت ثلاثة شهور أعقبت قرار التأميم في محاولة من أجل التوصل الى إتفاق ولكنها جميعها باءت بالفشل.

شركة قناة السويس وفي محاولة من أجل الضغط على الحكومة المصرية أصدرت أوامرها إلى موجهي السفن(Pilots) بالتوقف عن العمل. وكما هو معلوم فغن توجيه السفن من خلال مجرى القناة الضيق يتطلب مهارة عالية ومعرفة بمناخ المنطقة وطبيعة القناة وتضاريسها خصوصا الرياح القادمة من صحراء سيناء التي قد تتسبَّبُ في جنوح السفن وإغلاق القناة أمام حركة الملاحة. الحكومة المصرية كانت تستعد لذلك منذ عدة سنين من خلال الإصرار على الشركة تدريب موجي سفن مصريين كما أنها تلقت مساعدة فورية من دول المعسكر الإشتراكي التي سارعت إلى إرسال عدد من أمهر المختصين من الموجهين والملاحين من أجل مساعدة الحكومة المصرية واستمر العمل في القناة.

الموقف الأمريكي من الأزمة لم يكن واضحا للحكومة البريطانية أو الفرنسية أو حتى بالنسبة الى المسؤولين الأمريكيين أنفسهم.بريطانيا التي لعبت دورا رئيسيا بينما بقي الدور الفرنسي ثانويا كان المسؤول المباشر عن إدارة الأزمة هو وزير الخارجية السابق الذي تولى منصب رئيس الوزراء أنتوني إيدن بينما على الجانب الأمريكي وزير الخارجية جون فوستر دالاس الذي كان شقيقه ألين فوستر دالاس يشغل منصب رئيس وكالة المخابرات المركزية(السي آي إي). الاختلاف في الموقف من الأزمة والناجم عن اختلاف في طبيعة أيدن ودالاس وكذلك وجهات نظرهم المختلفة والمتناقضة أثار حيرة المتابعين. جون فوستر دالاس وأنطوني إيدن تصادما حول الموقف من أزمة الصين-الفرنسية(فيتنام) حيث كان الجانب الأمريكي يتبنى الحل العسكري بينما يؤيد أيدن الحل الدبلوماسي والمفاوضات. أما الموقف من أزمة قناة السويس فقد كان على العكس تماما. أنتوني إيدن كما كان واضحا من البرقيات المتبادلة بين المسؤولين الأمريكيين متصلبا في مواقفه أو سلبيا وغير مبالٍ, بينما جون دالاس في البرقيات البريطانية كان ثرثارا يتكلم بدون أي مراعاة في ترتيب جملة وألفاظه بحيث يبدو مشوشا وعاجزا عن شرح وجهة نظره إلى الطرف الآخر.

إنَّ سوء الفهم من جهة بريطانيا كان ناتجا عن عدم إدراك المسؤولين البريطانيين أن السياسة الخارجية الأمريكية يحدد معالمها الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور وليس وزير الخارجية والذي كان موقفه واضحا للغاية يرفض الخيار العسكري وذلك يعود الى مجموعة أسباب. أحد تلك الأسباب هو أن بريطانيا وفرنسا كانتا عاجزين عن تكوين حكومة بديلة متماسكة في مصر وأن نتيجة التدخل العسكري سوف تكون الفوضى وقيادة سياسية أكثر تشددا سوف تقود مصر إلى الوقوع في حضن الإتحاد السوفياتي وانخفاض شعبية الولايات المتحدة والدول الغربية حيث كانت الشعوب سوف تنظر بعدائية شديدة الى أي تدخل عسكري في مصر. الرئيس المصري جمال عبد الناصر كان من وجهة نظر دوايت أيزنهاور يستمد شعبيته من الدراما السياسية التي سوف يؤدي إليها العمل العسكري وأنه من الأفضل أن يدعوا الأزمة تمر بهدوء وإختيار الحل الدبلوماسي بديلا وحرمان الرئيس المصري من أي فرصة من أجل زيادة علاقته وارتباطه مع الإتحاد السوفياتي. الأزمة من وجهة نظر الرئيس الأمريكي كانت سوف تؤدي إلى إثارة الاضطرابات في أسواق النفط وهو ما كان يُشعِرُ الإدارة الأمريكي بالقلق.

هناك سبب أخر لا يقل أهمية عن سابقه وهو إقتراب موعد الإنتخابات الأمريكية حيث كان دوايت أيزنهاور يخوض معركة إعادة انتخابه. بينما كان قد تخلَّصَ من أزمة الحرب الكورية بداية فترته الرئاسية الأولى, كان أخر ما يريد أن يشعر بالقلق حوله هو أزمة أخرى أو حرب في منطقة الشرق الأوسط سوف تؤدي إلى زيادة أسعار النفط بشكل جنوني والتأثير بالتالي على الناخبين الأمريكيين. البريطانيون كانوا غير مهتمين بقضية الانتخابات الرئاسية الأمريكية وبينما استمرت الجهود الدبلوماسية العلنية, فقد كانت الدولتان تستعدان من أجل عملية التدخل العسكري والتي كانت تواجه عدة عقبات لوجستية. البريطانيون وجدوا أنفسهم مضطرين إلى الاستعانة بشركات السفن التجارية خلال ذروة موسم السياحة منها شركة Pickford Removals  التي تمت الإستعانة بها من أجل نقل كتائب دبابات بريطانية تمهيدا للعملية العسكرية المحتملة.

الهدف كان إحتلال منطقة قناة السويس وإسقاط نظام الرئيس المصري جمال عبد الناصر. ضباط ودبلوماسيون فرنسيون وبريطانيون اجتمعوا ليلة ٢٤/أكتوبر/١٩٥٦ في فيلا تقع في منطقة سيفرس(Sèvres) خارج العاصمة الفرنسية باريس مع ضباط كبار من دولة الكيان الصهيوني منهم ديفيد بن غوريون, شيمون بيريز وموشي ديان بهدف تنسيق عملية احتلال قناة السويس. القوات الصهيونية سوف تتقدم وتغزو الأراضي المصرية بينما بريطانيا وفرنسا سوف تصدران بيانا مشتركا حول أمن الملاحة في قناة السويس وأنه لو استمرت العمليات العسكرية, سوف يقومان بالتدخل. العلاقات بين فرنسا ودولة الكيان الصهيوني كانت أكثر من جيدة بينما على العكس, كان الكثير من المسؤولين البريطانيين بينهم أنتوني أيدن وكذلك وزير خارجيته يزدرون اليهود و يكرهونهم. الفرنسيون هم الذين لعبوا دورا رئيسيا في إجتماع سيفرس وفي غزو قناة السويس ١٩٥٦ فقد كانت هناك مخاوف فرنسية من إشتباك بريطاني-صهيوني من أجل السيطرة على الأردن أو أن تحاول قوات الإحتلال الصهيوني السيطرة على الأردن مستغلة انشغال بريطانيا في قناة السويس.

العملة بدأت ليلة ٢٩/١٠/١٩٥٦ حيث تقدمت القوات الصهيونية في الأراضي المصرية في صحراء شبه جزيرة سيناء حيث تخلى الجيش المصري عن مواقعه منسحبا وسط فوضى عارمة. بريطانيا وفرنسا أصدروا إنذارا حول نوايا الدولتين إحتلال منطقة قناة السويس وقامت قوات جوية بريطانية وفرنسية بقصف المطارات العسكرية المصرية. الرئيس الأمريكي وصلته أنباء عن العدوان الثلاثي أثناء جولة انتخابية في ولايات الجنوب الأمريكي وشعر بالحنق والغضب وأن رئيس الوزراء البريطاني قد خدعه. دوايت أيزنهاور كان يشعر بالقلق من العملية العسكرية الثلاثية ضد مصر لأنها من الممكن أن تؤدي إلى تدخل الإتحاد السوفياتي ومواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة. العملية العسكرية الثلاثية ضد مصر وهي حليفة للاتحاد السوفياتي من الممكن أن تؤدي إلى إستفزاز الإتحاد السوفياتي وهو ما حصل فعلا حيث لوح الإتحاد السوفياتي بإستخدام السلاح النووي والقى الرئيس السوفيتي بريجينيف خطابا غاضبا في الأمم المتحدة حيث ضرب حذائه على المنضدة.

المشهد السياسي ليلة العدوان الثلاثي كان يمتلئ بالمفاجئات, رئيس الوزراء البريطاني أنتوني إيدن كان مريضا للغاية بسبب خطأ طبي أثناء عملية جراحية ويتلقى عددا من الأدوية التي تؤثر على قدراته الذهنية وتبقيه في حالة من إنعدام التوازن, الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور تعرض الى جلطة قلبية سنة ١٩٥٥ وأخرى سنة ١٩٥٦ وكان مشغولا في حملته الإنتخابية بينما وزير خارجيته جون فوستر دالاس قد أجرى عملية جراحية معقدة في المعدة. الرئيس المصري جمال عبد الناصر كان مستعدا وردة فعله كانت سريعة حيث سارع الى إغراق عدد من السفن فى مجرى قناة السويس مما أدى إلى تعطيل الملاحة في القناة. كما أنه أصدر أوامره الى مهندسين سوريين بتخريب أنابيب نقل النفط ومنشآته التي تمر في سوريا مما أدى الى أزمة حادة في أسواق النفط ونقص في الوقود عانت منه بريطانيا وفرنسا مما أدى إلى تأخير تدخلهم عدة أيام عن الموعد المحدد في اتفاق سيفرس(Sèvres). الرئيس الأمريكي رفض التدخل وتفعيل خطة الطوارئ التي يتم إستخدامها في مثل تلك الأزمات وأخبر مساعديه أنه على البريطانيين والفرنسيين أن يحلوا مشاكلهم بأنفسهم وأنهم هم من بدأوا العملية العسكرية دون التشاور مع الولايات المتحدة مما يهدد مصالحها في المنطقة. الرئيس الأمريكي لم يكتف برفض التدخل ولكنه بدأ في التفكير في فرض عقوبات على بريطانيا وفرنسا.

تاريخ ١٩٥٦/٦/١١, وافقت بريطانيا وفرنسا على وقف إطلاق النار ولكن الرئيس الأمريكي الذي فاز في الإنتخابات في اليوم نفسه أعلن بكل وضوح أن وقف إطلاق النار ليس كافيا وأنه لابد من انسحاب قوات الدول الثلاثة من المواقع التي سيطرت عليها. الرئيس الأمريكي أخبر مساعديه أنه سوف يفرض عقوبات على دولة الكيان الصهيوني إذا لم توافق قواتها على الإنسحاب. كما أنَّ أيزنهاور بدأ يفكر في فرض عقوبات في مجال النفط على الدول الأوروبية خصوصا فرنسا وبريطانيا مما كان سوف يؤدي الى أزمة كبيرة خصوصا أن الشتاء كان يقترب والمخزونات لا تكفي إلا عدة أسابيع. إن فرض عقوبات على بريطانيا وفرنسا في مجال النفط وعلى أي دول تقوم بتصدير النفط اليهم كان تأثيره مضاعفا بسبب حظر السعودية تصدير النفط الى دول العدوان, بريطانيا وفرنسا, وقيام المهندسين في سوريا وعمال شركات النفط في الكويت بتخريب خطوط نقل النفط. الحكومة البريطانية أعلنت عن ترشيد في إستهلاك الطاقة ١٠% وبدات في التفكير في لإصدار كوبونات الوقود للمواطنين البريطانيين.

الصعوبات التي كانت تواجهها بريطانيا لم تقتصر على تناقص إمداداتها امن النفط وتفكير الرئيس الأمريكي أيزنهاور في فرض عقوبات عليها بل مشاكل إقتصادية فاقمتها مضاربات على الجنيه الإسترليني وهبوط حاد في قيمته منذ بداية اليوم الأول للعدوان الثلاثي على مصر. إنَّ مسؤولين بريطانيين كانوا يعتقدون أن جهات أمريكية ربما الرئيس الأمريكي نفسه هم من يقف خلف ذلك. كما أنَّ صندوق النقد الدولي الذي تتحكم فيه الولايات المتحدة رفض أيضا مساعدة بريطانيا بأي قروض من أجل وقف تدهور قيمة عملتها. دول العدوان الثلاثي أعلنت في نهاية شهر نوفمبر إستسلامها وسحبت قواتها من الأراضي المصرية حيث بدأت قوات السلام الدولية بالوصول الى شبه جزيرة سيناء منذ منتصف نوفمبر/١٩٥٦. جمال عبد الناصر كان هو المنتصر الوحيد في هذه الأزمة بينما تعرضت دول العدوان الثلاثي الى الإذلال العلني وأضرار إقتصادية.

أزمة العدوان الثلاثي قد أدَّت الى عدة نتائج وآثار مترتبة عليها حيث أنَّ العالم قبل الأزمة ليس هو العالم نفسه بعدها. أحد أهم تلك النتائج هو تعزيز مكانة الولايات المتحدة دوليا وإزدياد نفوذها بسبب تحكمها بمصادر الطاقة خصوصا في الشرق الأوسط, مصدر أكثر من ٧٠% من النفط الذي كانت تستورده أوروبا. الولايات المتحدة كانت تعمل على تصفية بقايا الإمبراطوريات السابقة البريطانية والفرنسية حيث لم ترغب في وجود أي قوة تقف في وجه مصالحها. إنَّ إنسحاب بريطانيا من منطقة الخليج العربي سنة ١٩٧٠ كان تحت تأثير أزمة العدوان الثلاثي والضغوطات الأمريكية. كما أنَّ أحداث الثورة الجزائرية التي كانت تدعمها مصر بقوة قد بدأت أحداثها في التأثُّر بنتاج العدوان الثلاثي حيث إنسحبت القوات الفرنسية من مستعمرتها في الجزائر ومستعمراتها الأخرى في المغرب, موريتانيا وتونس. 

هناك أمر أخر مهم لا يمكن إغفاله وهو أنَّ النفط قد تحول الى سلاح يمكن إستخدامه بطريقة مباشرة وغير مباشرة من أجل التأثير على نتائج الأزمات والحروب وذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. خطوط نقل النفط التي تعرضت الى التخريب وإغلاق جمال عبد الناصر قناة السويس من خلال إغراق عدد من السفن المحملة بالأسمنت والرمل فيها أدى الى البحث عن طرق بديلة من أجل تأمين الإمدادت النفطية بعيدا عن تأثير الأزمات والحروب. الحل كان من خلال ناقلات النفط التي كان عليها أن تسلك طرقا بحرية بديلة وأحدها هو الطريق حول رأس الرجاء الصالح. إنَّ ذلك أدى الى ظهور ناقلات النفط العملاقة والتي تنقل كمية ضخمة من النفط مما يجعل المسافة الطويلة التي تقطعها عملية ذات جدوى إقتصادية. اليابان كانت أول من نجح في تخطي الصعوبات التقنية التي تحول دون بناء مثل تلك الناقلات التي أطلق عليها الناقلات الفائقة القدرة(Supertankers).

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية





 





 

No comments:

Post a Comment