قارة إفريقيا أو كما يطلق عليها البعض القارة السمراء تعاني من عدد من المشاكل والتحديات الجدِّية لعل من أهمها هو الإدمان على المساعدات والذي يشبِّهه البعض بعادة الإدمان على المخدرات. ذلك الجانب الخفي من مشاكل البلدان الإفريقية لا يتم تناوله في وسائل الإعلام الموجهة والمسيطر عليها من نخب إعلامية تتحكم في نوعية الأخبار التي تعرض على المشاهدين. خلال الفترة 1960-2010, تلقت دول القارة الإفريقية مساعدات, هبات وقروض بفوائد منخفضة بلغت أكثر من تريليون دولار. وخلال الفترة 1970-2010 بلغت قيمة المساعدات المخصصة للتطوير والتنمية التي تلقتها دول القارة السمراء أكثر من 300 مليار دولار. خلال الفترة 1980-2000, بلغت نسبة النمو في دول القارة 0.2%. كما ازدادت نسبة الفقر من 11% الى 66% خلال الفترة 1970-1998 وهي التي شهدت تدفق أكبر كمية من المساعدات. وعند عقد مقارنة منذ بداية سنة 1960 بين دول إفريقية ودولة مثل كوريا الجنوبية التي رفضت تلقي المساعدات, يتسع الرتق على الراتق كما يقول المثل. حتى أن دولا إفريقية خلال تلك الفترة حققت نموا اقتصاديا وتفوقت على دول مثل الصين في الناتج المحلي الإجمالي.
وسائل الإعلام الغربية تحاول أن تعكس صورة نمطية عن القارة الإفريقية متمثلة في الفقر, الجهل, الأمِّية وإنتشار الأمراض. إن تدفق المساعدات على دول إفريقية لاتعني أن مقابل التكفير عن خطايا المرحلة الإستعمارية أو نوع من الإعتراف بالذنب. المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لا تمنح قروضا ومساعدات بدون تحقيق شروط ومتطلبات معينة مثل رفع الدعم عن السلع الأساسية, زيادة تعرفة خدمات المياه والكهرباء وخصخصة القطاعات الحكومية خصوصا الرابحة منها. وتلك النقطة الأخيرة وعلى الرغم من أنها على درجة من الأهمية, إلا أنها لا تلقى الكثير الإنتباه في وسائل الإعلام المحلية. وقد يفهم البعض الأسباب التي تدفع الى خصخصة مؤسسات حكومية خاسرة بهدف تحويلها الى مؤسسات تحقق أرباحا, ولكن من غير المفهوم تخصيص مؤسسات وطنية أو ذات أهمية للأمن القومي وتحقق أرباحا للخزينة العامة مثل مؤسسات الهاتف وحقول النفط ومناجم الذهب سوى أن الشركات الكبرى تسعى الى أن تنشب مخالبها في دول القارة الإفريقية حتى بعد إنتهاء المرحلة الإستعمارية على الأقل من الناحية النظرية.
طالبة إقتصاد شجاعة من دولة سيراليون(Mallence Bart-Williams) فضحت خلال أحد مؤتمرات تيدكس(TEDx) الإستعمار الإقتصادي الغربي للقارة السمراء. فرنسا التي استعمرت دولا إفريقية مازالت تحصل على 500 مليار يورو سنويا نتيجة مبادلات تجارية وديون من فترة الحقبة الإستعمارية حيث تجبر دولار إفريقية على إستخدام الفرنك الإفريقي وإيداع 50% من احتياطيها النقدي في فرنسا. وقد تم الإعلان مؤخرا أن هناك إتفاقا بين فرنسا ودول غرب إفريقيا الثمانية شمل ثلاثة بنود رئيسية: تغيير إسم الفرنك الإفريقي الى الإيكو, انسحاب ممثلي فرنسا من الهيئات المالية الحاكمة(البنك المركزي) في تلك الدول, إلغاء الشرط المتمثل في إيداع 50% من احتياطيها النقدي وديعة لدى البنك المركزي الفرنسي. ولكن ذلك التغيير لا يشمل دول إفريقيا الوسطى التي تعتبر كيانا اقتصاديا منفصلا وتستخدم أيضا الفرنك الإفريقي. الإعلام الفرنسي والمحلي في دول غرب إفريقيا واعلام دول عربية وناشطون عرب يحتفلون بما يصفونه بأنه إنتفاضة ضد الإستعمار الإقتصادي الأجنبي وذلك من الأوهام التي يسوقها الإعلام ويصدقها البسطاء والسذج وينخدع بها بعض الخبراء في كثير من الأحيان. الأقلية البيضاء في جنوب إفريقيا لم تتخلى نفوذها الاقتصادي ولم تقبل بإلغاء نظام الفصل العنصري إلا بعد إتفاق يضمن الحفاظ على مصالحها وشركاتها في مساومة صعبة مع نيلسون مانديلا إستغرقت سنين طويلة.
إن مشكلة الإدمان على المساعدات ليست محصورة بدول إفريقيا ولكنها مشكلة تعاني منها العديد من الدول وذلك يعني أن هناك مشكلة تتطلب حلولا جذرية وليست محصورة في نطاق إقليمي معين. ولكن الصورة ليست قاتمة تماما وهناك الكثير من دول إفريقيا التي انتشر فيها الوعي بأهمية مكافحة الفساد والإعتماد على النفس والانتباه الى أخطار المساعدات و الإستعمار الإقتصادي. دولة بوتسوانا في أحد الأمثلة على النمو الإقتصادي المقترن مع مكافحة الفساد والاستغلال الأمثل للثروات الطبيعية خصوصا الألماس وخامات المعادن. إن دولة بوتسوانا شغلت المركز 24 في مؤشر الشفافية ومكافحة الفساد وتمكنت من الوصول الى إحتياطي نقدي يزيد عن 7 مليار دولار وهي تنفق 30% من الناتج الإجمالي المحلي في الصحة والتعليم والبنية التحتية. كما أن دولة بوتسوانا لم تتورط في نزاعات مسلحة تستنزف مواردها وحلَّت مشاكلها الحدودية مع نامبيا بالطرق السلمية.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment