في تحليل الأسباب التي أدت الى اندلاع أحداث الربيع العربي , الكثيرين قد نسبوا لأنفسهم بأنهم الشرارة التي أشعلت نار الإحتجاجات منهم جوليان أسانج مؤسس موقع ويكليكس. وعلى الرغم من احتمال صِحَّة تلك المزاعم, إلا أننا لا نستطيع إغفال العامل الإقتصادي, محمد البوعزيزي أحرق نفسه في مدينة سيدي بوزيد في تونس بسبب منه من البيع على عربة جوالة من طرف شرطة البلدية. إن سوريا ليس إستثناء, هناك الكثيرين ممن يرجعون جذور الأحداث في سوريا لأسباب إقتصادية خصوصا الإصلاحات التي بدأها عبدالله الدردري نائب رئيس الوزراء للشؤون الإقتصادية(2006-2011) والتي لم تكن إلا تنفيذا لأجندات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وهنا يبرز سؤال مهم موجه للمدافعين عن تلك الأجندات, ماهي أسباب التحولات الإجتماعية التي حصلت في محافظة درعا وحولتها من معقل لحزب البعث العربي الإشتراكي حيث ينتمي إليها كبار شخصيات الحزب إلى مفرخة للإرهاب والتطرف؟ في الحقيقة هناك سبب واحد وليس أسباب وذالك السبب هو إقتصادي: الفقر.
إن المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد السوري تعتبر أمرا اعتياديا في كثير من الدول: فقاعة دين في الولايات المتحدة الأمريكية, إرتفاع أو إنخفاض نسبة البطالة في ألمانيا, دول أوروبية تعاني بشكل عام من مشاكل الدين والبطالة حتى في الدول الإسكندنافية. ولكن المشكلة في سوريا هي السياسات النيوليبرالية التي قام عبدالله الدردري بتطبيقها والتي من الممكن تلخيصها بما يلي: فتح باب الإستيراد, رفع الدعم عن المشتقات النفطية والأساسية, خصخصة شركات القطاع العام, تعزيز تصنيع المنتجات الاستهلاكية على حساب الصناعات الثقيلة والإنتاجية, فتح سوق للأسهم والسندات والأوراق المالية في سوريا ورفع سعر الخدمات مثل المياه والكهرباء. إن تلك السياسات قد أدت إلى تأكل الطبقة الوسطى في سوريا, ازدياد نسبة البطالة بسبب إغلاق عدد من المصانع الصغيرة والمتوسطة خصوصا في مدينة حلب حيث تضرر قطاع المنسوجات بسبب الاستيراد من تركيا وتضرر القطاع الزراعي. إن هجرة العمالة خصوصا في القطاع الزراعي وقطاع المنسوجات الى دول مثل السعودية وقطر قد أدى إلى تشبعهم بالأفكار الوهابية وعودتهم لوطنهم الأم وتكوين الحواضن الأولى التي قامت بالعصيان المسلح في بدايات سنة 2011.
سوريا كانت دائما في مرمى المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي خصوصا أن البنك المركزي السوري المسؤول عن إصدار العملة هو مؤسسة حكومية ولا يتبع مستثمرين وشركات خاصة. إن النيوليبرالية هي عبارة سياسات تخريبية تهدف للتمهيد لأحداث 2010\2011. إن تدفق رؤوس الأموال الأجنبية والإستثمارات لأي بلد سوف يخلق حالة من الإدمان والاعتماد على أدوات إقتصادية لا تخضع للسيادة الوطنية حيث يؤدي إنسحاب تلك الاستثمارات ورؤوس الأموال إلى إنهيار إقتصادي شامل, الإعتماد على رؤوس الأموال الأجنبية يخلق حالة من الاتكالية وذالك أمر له عواقب سيئة. مسؤولون سابقون في صندوق النقد الدولي صرحوا عن استعدادهم للمساهمة في إعادة إعمار سوريا. إن السياسات النيوليبرالية المدعومة مباشرة من تلك المؤسسات قد أدت إلى نتائج سلبية في عدد من البلدان التي قامت بتطبيقها. ولا تغرنكم المظاهر الخادعة من ناطحات سحاب وأضواء براقة حيث تختفي خلف تلك المظاهر اختلالات بنيوية ومشاكل اجتماعية خطيرة من فقر وبطالة وتفشي المخدرات وإنتشار تجارة الرقيق الأبيض.
إن سياسات الإصلاح الإقتصادي النيوليبرالية كانت لها عواقب سلبية في عدد من البلدان خصوصا إرتفاع الدين القومي والبطالة وسوريا ليست إستثناء. النيوليبرالية تعتمد استخدام سياسة الصدمة(Shock Policy) وذالك عن طريق إستغلال الأزمة التي يعاني منها السوريين وعامل الخوف والقلق من المستقبل ومزيج من الدعاية المضللة والبروباغندا للترويج عن تحويل سوريا إلى سويسرا الشرق الأوسط لتمرير أجندات إقتصادية لا تراعي المصلحة الوطنية السورية. الهدف من تلك السياسات الاقتصادية النيوليبرالية هو القضاء التام على الطبقة الوسطى التي كانت هي السد المنيع الذي حمى سوريا من التفكك وإنتشار الايديولوجيا الوهابية. إن السياسات التي قام بتطبيقها عبدالله الدردري لها أهداف أخرى لا علاقة مباشرة لها بالإقتصاد مثل القضاء على النقابات العمالية وتقليص حجم الجهاز الحكومي عبر تسريح الموظفين والتركيز في موضوع الخصخصة على قطاعي التعليم والصحة بهدف تغيير التركيبة الاجتماعية في سوريا
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment