جرائم الشعوب العربية والحكومات بحق الشعب الفلسطيني

إن القضية الفلسطينية لايمكن حصرها بمن خان ومن باع ومن قبض, ذلك تسطيح مبالغ فيه لقضية شعب هجِّرَ من أرضه وحاولت الماكينة الإعلامية الصهيونية إقتلاعه من جذوره, سرقة تاريخه وتراثه. حتى أن الوقاحة وصلت الى أنهم قاموا بنسب الأكلات الشعبية خصوصا طبق الحمص الى التراث اليهودي. بل وقام اليهود بممارسة هوايتهم المفضلة في لي أعناق النصوص الدينية التوراتية منها والقرآنية من أجل إثبات حقهم المزعوم في أرض فلسطين. هناك محاولة مستميتة من أجل تزوير التاريخ وفرض أمر واقع عبر تزييف حقائق تاريخية وأكاذيب وتكرارها حتى تتحول الى صورة نمطية في عقول الشعوب. أنا مهتم بالتاريخ ومهتم بالبحث عن الحقيقة من بين ركام من الأكاذيب خصوصا حين تتعرض تلك الحقيقة الى محاولة إستخدامها لأغراض سياسية.

إن أحد الأكاذيب التي يروجها الإعلام الصهيوني بمساندة الإعلام العربي المتصهين أن أهل فلسطين تخلوا عنها وأنهم باعوا أراضيهم الى اليهود وأنهم تركوا فلسطين بمحض إرادتهم. في مذكراته عن حرب فلسطين, يصف قائد معركة القدس الأردني عبدالله التل كيف أن الجيوش العربية دخلت الى فلسطين بناء على طلب من بريطانيا بعد أن حقق الثوار الفلسطينيون رغم قِلَّة إمكانياتهم إنتصارات ساحقة كادت أن تطيح بالعصابات الصهيونية وتضعها في موقف حرج وصولا الى إستئصال شأفتها عسكريا وتطهير فلسطين منها. تلك الجيوش العربية كانت بقيادة ضباط بريطانيين. 

الجامعة العربية قامت بتشكيل قوات الإنقاذ في مقابل القوات التي شكلتها اللجنة العربية العليا بقيادة أمين الحسيني وذلك في محاولة للتأثير على القرار العسكري الفلسطيني وتشتيت جهود الثوار الفلسطينيين. حتى أن هناك مدنا فلسطينية مثل اللد والرملة تم تسليمها الى العصابات الصهيونية تسليم مفتاح بعد تجريد سكانها من سلاحهم بحجة أن الجيوش العربية سوف تدافع عنهم. القوات العربية التي أرسلت الى فلسطين من جيوش نظامية ومتطوعين كانت تفتقر الى التدريب والتسليح ورغم ذلك حقق المتطوعون إنتصارات عسكرية حيث انهم لم يكونوا يخضعون لأوامر الضباط الإنجليز. الشهيد البطل عبد القادر الحسيني قائد قوات الجهاد المقدس وجه رسالة لاذعة الى الجامعة العربية قبل أن يخوض معركة القسطل ويستشهد فيها وهي المعركة التي انتصرت فيها قوات الثورة الفلسطينية رغم أن عدد أفرادها في تلك المعركة لم يزد عن خمسين متطوعا.

إن بعض الأنظمة العربية والتي هي طارئة على التاريخ والحضارة وتعتبر من بقايا ومخلفات إتفاقية سايكس بيكو تروج بين الفترة والأخرى أن الفلسطينيين باعوا أراضيهم الى اليهود وأنهم بذلك لايحق لهم المطالبة بتحرير فلسطين بعد أن خانوا قضيتهم. ولكن أولئك المدعين لم يحضروا برهانا واحدا أو صك بيع بإمضاء شخص فلسطيني. وقد قامت سلطات الإحتلال العثماني بتسهيل إقراض الفلاحين الفلسطينيين ومن ثم مصادرة أراضيهم بعد عجزهم عن السداد ونقل ملكيتها الى هيئات وجمعيات يهودية. سلطات الإحتلال البريطاني ساهمت بدورها في تلك المأساة عبر مصادرة أراضي الفلسطينيين بحجج وذرائع مختلفة ونقل ملكيتها الى جمعيات استيطانية يهودية تحت سمع وبصر المندوب السامي البريطاني اليهودي هربرت صموئيل حيث زادت مساحة تلك الأراضي عن 700 ألف دونم منها 175 ألف دونم من أخصب الأراضي الزراعية على الساحل بين حيفا وقيسارية. عائلات لبنانية مثل سرسق وتويني باعت مساحات شاسعة من الأراضي للوكالة اليهودية خصوصا أراضي سهل مرج بني عامر التي تزيد مساحتها عن 240 ألف دونم وصفقة أراضي حول بحيرة الحولة شمال فلسطين تبلغ 120 ألف دونم وصفقة أراضي وادي الحوارث التي تبلغ مساحتها 32 ألف دونم. آل سرسق وآل سلام وآل تويني وآل الخوري من لبنان وآل اليوسف وآل المارديني من سوريا من ضمن العائلات العربية التي عملت وسيطا عقاريا لصالح الوكالات والمؤسسات اليهودية خلال فترة الإحتلال العثماني والانتداب البريطاني. وقد بلغ مجموع ماحصلت عليه الوكالات اليهودية عبر الشراء من تلك العائلات اللبنانية والسورية ما مجموعه 55% من مساحات الأراضي التي سيطرت عليها في فلسطين بدون أن حساب الأراضي التي انتقلت الى الوكالات اليهودية عبر مصادرات السلطات العثمانية ومن بعدها سلطات الإنتداب البريطاني.

مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية