لن يكون هناك أدنى شك لدى أي شخص يمتلك الحد الأدنى من المعرفة المتعلقة بالسياسة الدولية بالعلاقة الوثيقة القائمة بين الإسلام السياسي و الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية, بريطانيا وفرنسا. تلك العلاقة القائمة على تبادل المنفعة بين الطرفين, الدول الغربية تقوم بتوفير الظروف الملائمة لأحزاب الإسلام السياسي للسيطرة على المجتمعات في الوطن العربي بما يتوافق مع مبادئها ومناهجها الظلامية بينما تقوم تلك الأحزاب بتمهيد الطريق للدول الغربية للسيطرة على مقدرات الوطن العربي ونهب خيراته تحت مسمى محاربة الشيوعية أو مكافحة الإرهاب, لا يهم, ولكن المهم هو وجود عدو أو خلقه من العدم إن لم يوجد. الحضارة الغربية بدون عدو تحاربه سوف تصاب بالذبول حتى تضمر وتختفي من الوجود.
إن تاريخ بداية تلك العلاقة يعود إلى سنة 1928 التي قدمت فيها شركة قناة السويس التي كانت تخضع للسيطرة البريطانية مبلغا وقدره 500 جنيه لحسن البنا من أجل بناء أول مسجد لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وذلك في مدينة الإسماعيلية, إحدى المدن المصرية التي تقع على ضفاف القناة. ولكن الحكومات البريطانية كانت مهتمة منذ ماقبل سنة 1928 بالإسلام وإمكانية استغلاله لحماية مصالحها في المنطقة التي تعوم على بحر من الثروات الطبيعية. إن مصر كانت تحتل مكانة مهمة بالنسبة لبريطانيا حيث تقع قناة السويس ذات الأهمية الاستراتيجية لبريطانيا والبوابة إلى مستعمرتها في الهند والتي كانت توصف بأنها درة التاج البريطاني. وبسبب تلك الأهمية والمكانة الإستراتيجية التي كانت تتمتع بها مصر خلال تلك الفترة فقد تعرضت لمحاولات الغزو والإحتلال من قبل أعداء بريطانيا خصوصا الحملة الفرنسية التي قادها نابليون بونابرت ومحاولة الغزو من قبل القوات النازية التي كان يقودها الجنرال رومل الملقب بثعلب الصحراء وذلك خلال الحرب العالمية الثانية.
ومن المهم أن نأخذ بعين الاعتبار الخطوات المهمة التي اتخذتها بريطانيا للسيطرة على مصر إثر غزوها عسكريا واحتلالها في الفترة التي أعقبت الحملة الفرنسية. وحيث أن الحكومة البريطانية راقبت بدقة وحللت الوقائع التي جرت خلال حملة نابليون بونابرت العسكرية لغزو مصر وكيف أنه إستخدم الدين في محاولته تطويع الرأي العام المصري وأعلن إسلامه وقام بالزواج من إمرأة مصرية مسلمة ولكن الجامع الأزهر الذي لم تنطوى على شيوخه تلك الألاعيب تعامل مع الفرنسيين كغزاة ومع نابليون بونابرت كقائد لقوة محتلة. إن شيوخ الجامع الأزهر كان لهم الفضل الأكبر في قيادة المقاومة ضد الغزو الفرنسي لمصر بل وكان سليمان الحلبي الذي اغتال الجنرال الفرنسي كليبر من تلاميذ الجامع الأزهر. وحتى يتم تطويع القيادات الدينية الازهرية في مصر, فقد تم وخلال الفترة التي تلت الإحتلال البريطاني تعيين محمد عبد إماما للجامع الأزهر وفصل منصب الإفتاء عن منصب الإمامة حيث كانا في السابق من مسؤولية شخص واحد, إمام الجامع الأزهر هو نفس الشخص الذي يتولى منصب المفتي الديار المصرية. ولمن لا يعرف محمد عبده الذي تم تقديمه للجماهير بأنه شيخ مجدد وصاحب مشروع إصلاحي, فهو تلميذ جمال الدين الأفغاني الذي كان يعمل لحساب عدة دول على رأسها بريطانيا حيث كان لا يتحرك في الهند أو في مصر إلا تحت رعاية الحاكم العام البريطاني ووصايته. كما أن جمال الدين الأفغاني هو صاحب مشروع حلف إسلامي لمواجهة روسيا القيصرية حيث رفضت الحكومة البريطانية مشروعه ولو مؤقتا في انتظار ظروف أفضل تسمح بتحقيقه.
إن جماعة الإخوان المسلمين قد خدمت المصالح الغربية في المنطقة خصوصا مصالح بريطانيا في مصر واستخدمت ثنائية الدين والعنف الدموي في معركتها ضد خصومها. فهي كانت تشكل التيار الرئيسي الذي كان يقف خلف المظاهرات المؤيدة للملك فاروق الذي كان يواجه معارضة قوية في مصر لحكمه خصوصا من حزب الوفد الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة, وهي التي تخلت عنه ودعمت حركة الضباط الأحرار للإنقلاب على الملك فاروق عندما أمنت بأن ذلك سوف يوصل أحد أفرادها لكرسي الحكم في مصر, وهي التي حاولت إغتيال الزعيم المصري جمال عبد الناصر بسبب رفضه الأجندات التي طالبته بتطبيقها خصوصا أسلمة المجتمع المصري بل وقام أحد التنظيمات المتفرعة منها بإغتيال الرئيس المصري انور السادات وحاولوا إغتيال الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك خلال إحدى زياراته الخارجية. إن كل تلك الأحداث في مصر والتي كانت تقف ورائها تنظيمات الإسلام السياسي وعلى رأسها الإخوان المسلمين هي السبب في كل الأحداث التي نمر بها في وقتنا الحالي خصوصا ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي الذي ومنذ اللحظة الأولى, تولت تنظيمات الإسلام السياسي المسؤولية الرئيسية عنه في محاولة أخرى مدعومة من دول غربية لإيصال تلك الجماعات لكرسي الحكم في مجموعة دول عربية دفعة واحدة تحضيرا لإتفاقية سايكس-بيكو 2 ولكن بنكهة دينية وفتاوى تصدر من جماعات الإسلام السياسي.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment