لقد كان هناك تخوف لدى القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة من أن يؤدي انتصار الإتحاد السوفياتي على القوات النازية خلال الحرب العالمية الثانية إلى انتشار الشيوعية في أوروبا التي كانت تعاني من أثار الحرب خصوصا دمار مدنها وبنيتها التحتية و قاعدتها الصناعية. إن ما يسمى بالحرب الباردة وهو مصطلح أخرجه للوجود ألة الدعاية الغربية التي كانت تبحث عن ذريعة لاستمرار الحرب مع اختلاف التسميات حيث الحاجة دائما إلى عدو. ولقد فرضت ظروف الصراع مع الشيوعية العالمية على الولايات المتحدة أن تبسط سيطرتها على أوروبا عبر إعادة إعمار مدنها المدمرة وإنعاش اقتصادها المنهك عبر مايسمى مشروع مارشال التي أعلن عنها الجنرال جورج مارشال رئيس الأركان الأمريكي الأسبق ووزير الخارجية وذلك في خطابه في جامعة هارفارد بتاريخ 5 يونيو 1947. إن توفر النفط وبسعر منخفض كان الأساس الذي يعتمد عليه نجاح ذلك المشروع والذي كانت قيمته تبلغ 13 مليار دولار أمريكي تقريبا.
خلال الفترة التي سبقت نهاية الحرب العالمية الثانية وتحديدا 1-22 يوليو 1944, فقد انعقد في فندق يقع في غابات ولاية نيوهامبشر الأمريكية مؤتمر بريتون وودز بمشاركة الدول المنتصرة في الحرب وذلك لتقرير مستقبل الاقتصاد العالمي بعد إنتهاء الحرب. وفي ذلك المؤتمر, فقد تم الموافقة على قرار باعتماد الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية مقابل أن تضمن الولايات المتحدة عملتها بالذهب بسعر 35 دولار للأونصة. ولكن ميزان الاتفاقية اختل حيث أن الولايات المتحدة خالفت شروطها وبدأت تحت ضغط حرب فيتنام و خطة الإنعاش الاقتصادي التي تم اعتمادها خلال فترة حكم الرئيس ليندون جونسون وعرفت بإسم المسدس والزبدة(Guns & Butter) بطبع دولارات بكميات كبيرة مما دفع دول أوروبية إلى مطالبة الولايات المتحدة بمبادلة الدولارات المكدسة لديها بالذهب حسب شروط الإتفاقية. فرنسا كانت السباقة في ذلك حيث إنتقد الرئيس الفرنسي شارل ديجول علنا السياسات النقدية الأمريكية فيما يتعلق بطباعة كميات زائدة من الدولارات بدون تغطية ذهبية وهو أمر لم تغفره له الإدارة الأمريكية مما ساهم في إسقاطه سنة 1968. وبعد أن قام الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بإعلان انسحاب الولايات المتحدة من الإتفاقية خلال خطابه الشهير بتاريخ 15\أغسطس\1971 حيث تحدث عن حرب اقتصادية ضد الولايات المتحدة, فكان لابد من توفير بديل آخر بدلا من الذهب يعمل كغطاء للدولار فقامت الإدارة الأمريكية بفرض إتفاقية مع مجموعة من الدول المنتجة للنفط بعدم تسعيرة وبيعه إلا بالدولار الأمريكي وبالتالي الحفاظ على مركز الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية.
ولكن ماذا يعني إرتفاع أو إنخفاض أسعار النفط مقارنة بأسعار السلع والخدمات وحتى أسعار صرف العملات وذلك بالنسبة للشخص العادي؟ كيف نستطيع أن نقدم تفسيرا واضحا وبسيطا في الوقت نفسه لتلك المسالة المتشابكة والتي تتمثل في العلاقة بين النفط وأسعار صرف العملات أو بين النفط وأسعار السلع والخدمات وكيف تتأثر بالتذبذب في أسعار النفط في الأسواق العالمية؟
إن إنخفاض سعر صرف الدولار الأمريكي مقارنة بالعملات الأخرى يعني أننا سوف نحتاج إلى المزيد من الدولارات وبالتالي كميات أكبر من عملتنا المحلية لشراء مانحتاج إليه من السلع والخدمات خلال تعاملاتنا اليومية وعكس ذلك صحيح في حالة إرتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي في أسواق العملات الدولية. إن النفط هو أحد تلك السلع الأساسية التي نحتاج إليها ونستخدمها ونستفيد منها في حياتنا اليومية وبشكل مستمر. العلاقة بين أسعار النفط وسعر صرف الدولار الأمريكي هي علاقة عكسية بما معناه أن إنخفاض سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل العملات الأخرى سوف يؤدي إلى إرتفاع أسعار النفط والعكس صحيح. وحتى نعلم إلى أي مدى وصل التشابك في العلاقة بين النفط والدولار فيكفي أن نعرف بأن إنخفاض سعر صرف الدولار الأمريكي يعني تعزيز مكانة الصادرات الأمريكية التي سوف تصبح أكثر تنافسية في الأسواق العالمية بسبب انخفاض سعرها وبالتالي تحقيق الإنتعاش الإقتصادي في الولايات المتحدة ولكن في الوقت نفسه سوف يرفع فاتورة الواردات الأمريكية من النفط بما يسبب عجزا متزايدا في ميزان مدفوعات وفي الموازنة يتزايد بإستمرار ويقترب حاليا من حاجز 20 تريليون دولار. الولايات المتحدة أعلنت تحقيقها الإكتفاء الذاتي من النفط بل ورفعت الحظر عن تصديره وذالك بسبب طفرة إنتاجية يعود الفضل فيها إلى مايعرف بعمليات الحفر الهيدروليكي أو التصديع(Fracking) وإن كان البعض يشك بان ذلك الإعلان لم يترجم إلى حقيقة على أراض الواقع وأن أهدافه سياسية بحتة. انخفاض سعر صرف الدولار الأمريكي وبالتالي ارتفاع سعر النفط كأحد السلع الأساسية يعني تصدير التضخم من الولايات المتحدة لدول العالم خصوصا إرتفاع أسعار المواد الغذائية والمنتجات الزراعية بما يؤدي إلى إرتفاع مستوى الفقر وازدياد الفجوة الاقتصادية بين الفقراء والأغنياء.
إن النفط يعتبر عصب الحياة فهو المحرك الأول للصناعة والتجارة وكافة التعاملات في حياتنا اليومية تعتمد عليه فى نهاية عصر النفط تعتبر نهاية الحضارة ونهاية الحياة كما نعرفها اليوم. النفط يعتبر المحرك الأول للتدخلات الأجنبية في الوطن العربي وأفريقيا وأسيا حيث لا تتردد القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في تدبير الإنقلابات العسكرية أو حتى الغزو العسكري المباشر لأي بلد يتجرأ على مخالفة السياسات النفطية التي ترسمها القوى الإستعمارية في العالم. وحتى ندرك المستوى الذي وصل إليه التداخل بين النفط, الإقتصاد والسياسة فما علينا إلا أن ندرك حقيقة أن النفط هو عامل رئيسي في نجاح خطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية, الحفاظ على الدولار كعملة احتياطية عالمية ومؤشر على إرتفاع أو إنخفاض أسعار السلع والخدمات حول العالم. إن تلك ليست هي نقاط التداخل الوحيدة التي يلعب في النفط دورا رئيسيا فهي أكثر من أن يكون موضوع واحد قادر على استيعابها.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment