Flag Counter

Flag Counter

Wednesday, November 7, 2018

هكذا تسرق الولايات المتحدة العالم

يعتبر شارل ديغول الرئيس الفرنسي الأبرز في ذاكرة مواطنيه حتى يومنا هذا, فهو المسؤول عن قيادة القوات الفرنسية للمساهمة مع قوات الحلفاء في تحرير فرنسا من الإحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية. كما أنه كان يتمتع بشعبية في فرنسا مما سمح بإعادة انتخابه لمنصب الرئاسة عدة مرات. إن تلك الشعبية لم تشفع له أمام الوضع الإقتصادي المتدهور الذي أدى إلى مظاهرات عارمة سنة 1968 تزعمتها الحركة الطلابية الفرنسية والتي كان يهيمن عليها اليسار الفرنسي أدت في النهاية إلى إستقالته من منصبه سنة 1969. إن الخطيئة الكبرى التي ارتكبها الرئيس ديغول هي تحدي الهيمنة الإقتصادية الأمريكية على العالم خصوصا دعوته في خطاب ألقاه بتاريخ فبراير\1965 إلى التخلي عن الدولار كعملة احتياطية عالمية والعودة إلى اعتماد المعيار الذهبي فقامت الحكومة الأمريكية بالتعاون مع بنوك وول ستريت بشن حرب اقتصادية ضد فرنسا عمادها سحب ودائع البنوك الأمريكية من فرنسا  وتحريض البنوك الألمانية على القيام بأمر مماثل, القيام بشراء كميات كبيرة من المارك الألماني مما أدى إلى إرتفاع قيمته أمام الفرنك الفرنسي, حظر الواردات الفرنسية للولايات المتحدة وتحذير الأمريكيين من السفر إلى فرنسا. الحرب الإقتصادية كانت متوازية مع حرب إعلامية قامت صحف ووسائل إعلام أمريكية بشنها على فرنسا خصوصا القيام بتلميع صورة مجموعة غير معروفة من الفوضويين(Anarchist) ظهرت فجأة إلى واجهة الأحداث في فرنسا وتدعى The Situationist International وذالك على أنها تتزعم الحركة اليسارية الفرنسية وأن مطالبها عادلة ومشروعة.
إن خطاب الرئيس الفرنسي جاء إثر قيام الحكومة الفرنسية بتاريخ يناير\1965 بتحويل 150 مليون دولار أمريكي من احتياطيات نقدها الأجنبي إلى الذهب بموجب معاهدة بريتون وودز التي تحدد سعر 35 دولار للاونصة كما أنها أعلنت نيتها القيام بعملية تحويل أخرى من الدولار للذهب قيمتها 150 مليون دولار. إسبانيا لحقت بفرنسا وقامت بتحويل ماقيمته 60 مليون من احتياطي الدولار إلى ذهب وكذلك عدد من الدول الأوروبية التي قامت بتحويل رصيدها من إحتياطي الدولار الذي تحتفظ به إلى الذهب مما أدى بالرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى إلقاء خطابه الشهير أغسطس\1971 الذي تحدث فيه عن قيام بعض الدول بشن حرب اقتصادية ضد الولايات المتحدة وأعلن إلغاء مبادلة الدولار بالذهب وتعويم الدولار الأمريكي مقابل العملات الأخرى. الولايات المتحدة كانت تقوم بطبع الدولار بدون تغطية ذهبية بالمخالفة لاتفاقية بريتون وودز وذلك لتغطية نفقات حرب فيتنام وخطط الرئيس ليندون جونسون المتعلقة بزيادة الإنفاق العسكري وعلى برامج الرعاية الإجتماعية. كما أن الشركات والبنوك والمؤسسات الإستثمارية الأمريكية كانت تقوم بعمليات شراء شركات ومؤسسات أوروبية بدولار منخفض القيمة وبدون غطاء ذهبي مما أدى إلى الرئيس الفرنسي إلى وصف ذلك بأنه عملية مصادرة في خطابه. (Jacques Rueff) والذي كان يشغل منصب المستشار الإقتصادي للرئيس الفرنسي ذكر في مقال نشره في صحيفة وول ستريت أن معدل التضخم في الولايات المتحدة قد ازداد بمقدار الضعف منذ سنة 1934 مع بقاء أسعار الذهب ثابتة وأن ذلك غير منصف وغير عادل لبقية الدول, وأنه يتوجب زيادة سعر أونصة الذهب بمقدار الضعف.
الولايات المتحدة تقوم بطباعة الدولار بدون أي رقابة من مؤسسات مستقلة ومحايدة وبالتالي تغرق الأسواق المالية حول العالم بعملة لاقيمة لها وتصدر التضخم لدول العالم الأخرى. إن سياسة طبع العملة بدون رقابة بالإضافة إلى انخفاض سعر الفائدة في الولايات المتحدة إلى ما يقارب الصفر مئوية لفترة زمنية طويلة قبل البدء بزيادته مؤخرا قد أدى إلى ظاهرة الأموال الساخنة التي تبحث عن أعلى عائدات ممكنة بسبب إنخفاض سعر الفائدة في بلدها الأم وتتدفق إلى أسواق الدول النامية في أمريكا اللاتينية كدولة البرازيل ودول أسيوية كالهند وبنجلاديش التي تحاول جذب الاستثمارات الأجنبية برفع سعر الفائدة على الودائع والسندات الحكومية. ولكن عند سحب تلك الأموال لأي سبب قد يكون سياسيا أو له علاقة بالإقتصاد كما حصل مع فرنسا, فسوف يؤدي ذلك بالتالي إلى انهيار قيمة العملة المحلية أمام الدولار وذلك يعني التضخم وإرتفاع أسعار السلع والمواد الأولية خصوصا النفط لأن دولة بنغلاديش سوف تحتاج إلى المزيد من عملتها المحلية مقابل الدولار لإستيراد احتياجاتها وبالتالي يختل ميزانها التجاري وتزداد نسبة العجز في موازنتها وتضطر لإتخاذ إجراءات إقتصادية إستثنائية مثل رفع الدعم عن المواد الغذائية والمحروقات وهي إجرائات لن تلقى قبولا شعبيا وبالتالي قد تؤدي إلى الاضطرابات والمظاهرات وزعزعة الإستقرار.
إن إقتصاد الولايات المتحدة خصوصا خلال بداية حقبة الثمانينيات قد بدأ بالتحول إلى الاقتصاد الاستهلاكي حيث فقد الإقتصاد الأمريكي قاعدته الصناعية والخدماتية لصالح دول مثل الصين, الهند والفلبين حيث انتقلت المصانع والشركات الأمريكية وأنشأت لها مكاتب هناك حيث تتوفر على تسهيلات ضريبية, عمالة مدربة ومنخفضة الأجور مقارنة بنظيرتها الأمريكية. إن أغلب البنوك الأمريكية, شركات الهاتف والإنترنت, السيارات, الأجهزة الإلكترونية والملابس أنشأت لها مصانع ومراكز اتصال وخدمة عملاء في دول كالهند والفلبين. الولايات المتحدة وبعد أن قررت التنصل من جميع اتفاقياتها التجارية التي وقعتها ضمن منظمة التجارة العالمية أو إتفاقيات كالنافتا, قد بدأت بالشكوى والتذمر وتوجيه الاتهامات بأن الدول الأخرى تقوم بسرقة الوظائف من الأمريكيين وأن الإدارة الأمريكية سوف تقوم بفرض ضرائب إستيراد على منتجات الحديد والصلب والسيارات والأجهزة الإلكترونية التي يتم تصنيعها خارج الولايات المتحدة من قبل شركات امريكية واستيرادها للاستهلاك داخل الولايات المتحدة أو تصديرها من خلال الموانئ الأمريكية إلى دول أخرى. إن مقارنة بسيطة تكشف زيف الادعاءات الأمريكية والذرائع التي يتم استخدامها لأهداف سياسية فسعر صرف اليوان مقابل الدولار يعتبر حاليا (٦.٩٢) فلو افترضنا أن راتب عامل في شركة أثاث أمريكية نقلت مصانعها ومكاتبها للصين هو 400 دولار أمريكي بما يساوي(٢٧٦٨يوان), ولكن مستوى الأجور عند 400 دولار شهريا يعتبر مقبولا في الصين ولكنه غير مقبول بالنسبة للعامل الأمريكي الذي سوف يبلغ متوسط أجره إلى 2000 دولار أمريكي بما يعادل (١٣٨٤٠يوان). فذالك يعني أنه حتى تتمكن الصين من الدفاع عن نفسها في مواجهة الاتهامات بالتلاعب بسعر صرف العملة فعليها أن ترفع سعر صرف اليوان ليبلغ(٢ -٣يوان) مقابل الدولار وذلك يعتبر أمرا غير ممكن الحدوث.
ليس هناك خلاف على إنهيار الدولار الأمريكي وفقدانه مركزه كعملة احتياطية عالمية ولكن السؤال هو عن التوقيت. بنوك وول ستريت والمؤسسات الاستثمارية والنخب المالية في الولايات المتحدة ليس لديها مشكلة في مسألة سقوط الدولار الأمريكي فهي قد اتخذت إحتياطاتها إما بشراء الذهب والفضة أو بشراء عقارات ومنازل خارج الولايات المتحدة في دول مثل نيوزيلندا, أستراليا, النمسا وسويسرا., ولكن مشكلتها مرة أخرى في الوقت, فهي تريده في أن يكون مناسبا لها بحيث لا تتأثر مؤسساتها المالية أو إستثماراتها  إلا بالحد الأدنى بينما يؤدي ذلك في نفس الوقت إلى تدمير خصومها السياسيين خصوصا الصين, روسيا, فنزويلا وكذلك يعتبر الإتحاد الأوروبي وفي قلبه ألمانيا كأقوى وأغنى دولة أوروبية مستهدفا بتلك الحرب الإقتصادية التي يعتبر الدولار الأمريكي أهم رموزها. الولايات المتحدة مستمرة في سرقة النمو من الدول الأخرى وتصدير التضخم لها وشراء أصولها الإقتصادية بعملة لا قيمة لها وغير مدعومة بغير عامل الثقة الذي بدأ مؤخرا يهتز وبشدة.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment