Flag Counter

Flag Counter

Tuesday, November 13, 2018

كيف ساهمت ظاهرة العولمة في تغيير العالم كما نعرفه؟

إن تداخل وتشابك الأسواق المالية وذالك على المستوى العالمي قد أدى إلى زيادة حدة الأزمات الإقتصادية وتقلُّص الفترة الزمنية الفاصلة بين أزمة وأخرى. كما أدى إلى سهولة إنتقال الأزمات من بلد لأخر بما يشبه الأمراض الفيروسية التي تنتقل بالعدوى. إن فقدان الثقة بقدرة حكومات مختلفة في أسيا وأمريكا اللاتينية على الوفاء بالتزاماتها تجاه المستثمرين من رجال أعمال وصناديق تحوط قد أدى إلى هروب رؤوس الأموال من تلك البلدان وبحثها عن ملاذات أمنة للاستثمار حيث وجدتها في فئات السندات المختلفة التي تصدرها وزارة الخزانة الأمريكية. إن زيادة الإقبال على تلك السندات قد أدى نشوء أزمة أخرى فالحكومة الأمريكية قد اضطرت إلى تخفيض سعر الفائدة على تلك السندات لجذب المزيد من المستثمرين والبنوك وصناديق التحوط, إن تخفيض سعر الفائدة على تلك السندات أدى ببعض صناديق التحوط إلى المراهنة على المزيد من الانخفاض في سعر الفائدة للسندات التي تصدرها وزارة الخزانة الأمريكية وعودة السندات التي تصدرها الدول الصاعدة اقتصاديا كدولة البرازيل إلى الارتفاع. ففي صيف عام 1998, راهن صندوق التحوط(LTCM-Long Term Capital Management) على إنخفاض سعر فئات معينة من سندات وزارة الخارجية الأمريكية وإرتفاع أسعار دول الأسواق الصاعدة بمبلغ 120 مليار دولار ولكن النتيجة وهي انه بسبب أزمة النمور الآسيوية وامتدادها على المستوى العالمي, فقد قفز سعر الفائدة على  سندات الرهن التي تصدرها وزارة الخزانة الأمريكية وانخفض سعر الفائدة على ما يعرف دول الأسواق الصاعدة.
لقد كان للثورة الصناعية و الإكتشافات والإختراعات التي تمت على هامشها خصوصا التطور في وسائل الإتصالات والمواصلات خلال الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى أكبر الأثر في إتساع الرقعة الجغرافية المتأثرة بالعولمة. فعلى سبيل المثال, فإن اختراع التلغراف ومد خطوط الإتصالات عبر المحيط الأطلسي ووصلها ببعضها البعض قد أدى إلى سرعة إنتقال التطورات والأخبار المتعلقة بسوق الأسهم والسندات في نيويورك إلى فرنسا وبريطانيا. الحرب العالمية الأولى كانت حدثا استثنائيا أدى إلى تغيير في طبيعة العلاقات السياسية والإقتصادية بين دول العالم, فقبل عام 1914 لم يكن مطلوبا من مواطني الدول الأوروبية حمل جواز سفر أثناء تنقلهم وسفرهم خارج بلدانهم الأم. بالإضافة إلى الحرب العالمية الأولى, فإنه هناك مجموعة من الأحداث أدت إلى تفكيك منظومة العولمة الأولى التي كانت قائمة في الفترة التي سبقت الحرب, الثورة الروسية وأزمة الكساد الكبير(1929-1933) تعتبران من أهم تلك الأحداث. ومن ثم خلال الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية حتى إنهيار جدار برلين(1945-1989) وهي الفترة التي عرفت بالحرب الباردة قد شهدت تكتلات دول العالم المختلفة في معسكرين: المعسكر الأول يجمع التحالف بين الدول الغربية تحت ظل حلف الناتو وعلى رأسه الولايات المتحدة, بينما المعسكر الثاني يجمع تحالف دول أوروبا الشرقية تحت ظل حلف وارسو وعلى رأسها الإتحاد السوفياتي. وقد بدأت المنظومة الثانية للعولمة بالتفاعل والتأثير على دول العالم مع إنهيار جدار برلين ونهاية مايعرف بالحرب الباردة حيث بدأت هيمنة القطب الواحد وهو الولايات المتحدة التي فرضت على دول العالم مفاهيم كحرية التجارة, إلغاء الحواجز الجمركية والخصخصة وذلك لمصلحة الدول الغربية بشكل عام وعلى رأسها الولايات المتحدة التي يحاول هذه الأيام رئيسها دونالد ترامب التنصل من تلك الاتفاقيات والمفاهيم باعتبارها ضارة ببلاده على الرغم من أنها اتفاقيات ومفاهيم فرضت برغبة امريكية على دول العالم وذلك بالترغيب أو بالتهديد.
إن الفرق بين المرحلة الأولى للعولمة وهي المرحلة التي سبقت الحرب العالمية الأولى وبين المرحلة الثانية للعولمة التي بدأت مع إنهيار جدار برلين سنة 1989 ومازلنا نعيش تأثيراتها حتى يومنا هذا هو أن بداية المرحلة الأولى قد تمحورت حول التطور في قطاع النقل خصوصا التطور في المحرك البخاري, السيارات, إنتشار خطوط السكة الحديد, أما بالنسبة للمرحلة الثانية من العولمة فقد تمحورت حول التطور في قطاع الإتصالات خصوصا الإنترنت, شرائح معالجة البيانات وتخزين المعلومات والأقمار الصناعية. إن تكلفة مكالمة تستغرق ثلاثة دقائق بين نيويورك ولندن يتم إجرائها سنة 1933 تبلغ 300 دولار بسعر صرف الدولار سنة 1996, بداية إنتشار الإنترنت حول العالم حيث يمكن إجراء هذه المكالمة حاليا بالمجان عبر برامج الفويب(VOIP – Voice over Internet Protocol) كبرنامج سكايبي وهو أشهرها. وخلال المرحلة الأولى من العولمة, فقد كانت بريطانيا, الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وتحكم ربع سكان العالم, هي المسيطر والمهيمن حيث كان الجنيه الاسترليني هو العملة الأقوى و المهيمنة على المشهد الإقتصادي. ولكن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية, فقد فرضت الولايات المتحدة شروطها وأصبح الدولار هو العملة الاحتياطية العالمية وذلك من خلال إتفاقية بريتون-وودز التي عقدت سنة 1944 ووافقت عليها جميع الدول الأوروبية مرغمة وعارضها ولم ينضم إليها الإتحاد السوفياتي ودول حلف وارسو. الولايات المتحدة كانت مهتمة بإنشاء نظام للتجارة الدولية يحفز النمو الإقتصادي وينافس الإتحاد السوفياتي الذي بدأ يحقق معدلات نمو مرتفعة وتقدما في عدة مجالات أهمها العسكري. ولذالك فقد قامت بالتكفل بإعادة إعمار أوروبا من خلال إتفاقية مارشال واستخدمت نفوذها لفرض إتفاقية الجات وتأسيس مؤسسات كصندوق النقد الدولي(IMF). إن نظام العولمة(Globalization) الذي ورث مرحلة الحرب الباردة بكل آثارها وتداعياتها هو النظام الذي أسسته ورعته وأشرفت عليه الولايات المتحدة وهي التي تحاول حاليا إعادة تصميمه بما يوافق مصالحها ونظرة رئيسها دونالد ترامب الضيقة للعلاقات الدولية والدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في العالم.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية

No comments:

Post a Comment