Flag Counter

Flag Counter

Sunday, June 18, 2017

إخوان إنكلترا, حسن البنا وأمين الحسيني(1)

في الفترة التي تلت إنتهاء الحرب العالمية الأولى وحتى فشل الحملة العسكرية البريطانية على مصر سنة 1956 والمعروفة بحرب السويس, فقد قامت بريطانيا بتقديم الدعم لشخصييتين إسلامييتين إعتمدت عليهما بشكل رئيسي في إعادة تشكيل الخارطة السياسية في الوطن العربي. الشخصية الأولى هي المصري حسن البنا بينما الشخصية الثانية هي الفلسطيني أمين الحسيني. كلا الطرفين وبدعم بريطاني وسعودي فقد كانا مسؤولين عما ظهور الإسلام السياسي في المنطقة حيث قام كل منهما بتأسيس الصلة بين مايعرف بالحركة الوهابية مع أفكار جمال الدين الأفغاني والذي يعد الأب الروحي للحركات الإسلامية التي تفرعت من تنظيم الإخوان المسلمين في مرحلة لاحقة.
حسن البنا وهو الشخصية الأولى قام بتأسيس نواة حركته في مدينة الإسماعيلية المصرية حيث تم بناء أول مسجد يتبع الجماعة الوليدة بمنحة 500 جنيه مصري من شركة قناة السويس سنة 1928. والد حسن البنا الذي يقال أنه كان عالما ومن تلاميذ محمد عبده وحتى البنا فقد قرأ مجلة المنارة التي أصدرها محمد رشيد رضا تلميذ جمال الدين الأفغاني.
الشخصية الثانية هي الحاج أمين الحسيني والذي يعتبر مثيرا للجدل حيث أمضى حوالي 4 سنوات في ألمانيا تحت رعاية هتلر وكان يوصف بأنه معادي للسامية ولكنها في الوقت نفسه تلقى دعما بريطانيا حيث أقام في مصر التي كانت تحت الإنتداب البريطاني وبرعاية رسمية سنة 1947 على الرغم من كونه مطلوبا لبريطانيا وأمريكا ودولة الكيان الصهيوني الغاصب.
العلاقة بين تنظيم الإخوان المسلمين والإنتداب البريطاني على مصر من جهة والملكية المصرية ممثلة بالملك فاروق من جهة أخرى كانت متقلبة حيث كانت تحركات التنظيم تخدم الأهداف البريطانية بمقاومة التيارات السياسية الشيوعية والقومية التي بدأت تنشر أفكارها في مصر حيث لقيت رواجا. السلطات البريطانية إعتمدت على وجه الخصوص على الجناح المسلح السري للتنظيم في القيام بإغتيال خصوم بريطانيا والملكية المصرية ولكن ذالك لم يمنع أن الجماعة قد إنقلبت على مشغليهاا في وقت لاحق وتلك صفة تتصف بها كل الحركات الإسلامية التي تفرعت عنها.
يعد السوري محمد رشيد رضا الذي درس الفقه في مدينة طرابلس اللبنانية وكان أحد أتباع جمعية العروة الوثقى أحد أهم الشخصيات التي ساهمت بأفكارها في تطوير مقترحات الشيخ محمد عبده وأستاذه جمال الدين الأفغاني حيث قام بتأسيس مجلة المنارة كاداة للدعاية لأفكاره وأفكار أساتذته مع وجود فرق بينه وبينهم هو أن عمله كان في العلن بينما كان عمل الأفغاني وعبده يعتمد العمل السري. محمد رشيد رضا إلتحق بمحمد عبده في مصر حيث كان يشغل في ذالك الوقت منصب مفتي مصر بدعم من اللورد كرومر الحاكم العام البريطاني لمصر.
مجلة المنارة التي أسسها محمد رشيد رضا كانت تنتقد الحركة القومية وتصف أتباعها الكفر والإلحاد بينما كانت في الوقت نفسه كانت تمتدح الحركة الوهابية في المملكة العربية السعودية وتصف إبن سعود بأنه قام بتأسيس أعظم قوة إسلامية بعد إنهيار الدولة العثمانية. ثم كانت خطوة رشيد رضا التالية هي تأسيس مدرسة دار الدعوة والإرشاد والتي كانت تقبل طلابا من جميع البلاد الإسلامية غير أن تلك التجربة لم يكتب لها النجاح إذا أغلقت أبوابها بسبب نقص التمويل خصوصا مع بداية الحرب العالمية الأولى.
وقد قام محمد رشيد رضا وبالإشتراك مع مجموعة من الأشخاص من المؤمنين بفكر مجلة المنارة بتأسيس حزب الشعب كرد على تأسيس الحزب الوطني المصري على يد مصطفى كامل حيث تمتع حزب الشعب بدعم حكم الإنتداب البريطاني على مصر بينما كانت أجندات حزب مصطفى كامل ترتكز على معاداة الإنجليز وإستقلال مصر حيث طاف في أوروبا منددا بالإحتلال الإنجليزي لبلده وكتب في الصحف والمجلات الأوروبية إدانة لحادثة دنشواي.
إن فكرة حسن البنا بخصوص بنية وتركيبة الدولة الإسلامية المنشودة كانت مشوشة وضعيفة خصوصا من ناحية الصيغة التنفيذية ولكنها كانت قائمة على ثلاثة مبادئ (1) القرأن هو الدستور, (2) الشورى, (3) الحكم ملزم بالإلتزام بأحكام الشريعة والإستماع لأراء المواطنين. المشكلة ان حسن البنا وتنظيم الإخوان المسلمين مازالوا حتى وقتنا الحالي يناقضون تلك المبادئ الثلاثة خصوصا مبدأ الشوري فقد أسس تنظيم الإخوان المسلمين احد أسوأ أنواع الديكتاتوريات الدينية إن لم يكن أسوأها وتبين مع تجربتهم الأخيرة في مصر (محمد مرسي) أن تصورهم القائم لطريقة الحكم وإدارة الدولة مازال ضعيفا وهشا.
قام حسن البنا سنة 1932م بالإنتقال للقاهرة وإفتتح فيها الفرع الرئيسي للجماعة ومقرها الدائم حيث بدأ بنشر أفكارها وأصبح تنظيم الإخوان المسلمين أحد ممثلي الجناح اليميني المؤيد للحكم الملكي وحليف مع حزب الوفد المصري. وفي سنة 1933 قام حسن البنا بعقد أول مؤتمر وطني لتنظيمه في العاصمة المصرية حيث أنه خلال ثلاثة سنين من إنعقاده فقد إنتشرت نوادي شبابية وإتحادات الرياضية تتبع التنظيم وقامت بتنظيم المنتمين إليها في تشكيلات شبه عسكرية أصبحت تعرف سنة 1936 بالجوالة(الكشافة) وعرفت لاحقا بالكتائب تلقت إعترافا رسميا بالسماح لها توفير الحماية لمراسم تتويج الملك فاروق سنة 1937.
خلال العشرة سنين القادمة فقد قام حسن البنا بلعب أدوار مزدوجة على أكثر من جهة, فهو من ناحية كان على علاقة وإن كانت متقلبة مع القصر الملكي من خلال طبيب الملك الخاص ومن خلال شخصيات سياسية وعسكرية. كما أن حسن البنا كان على علاقة مع علي ماهر وعزيز علي المصري. الأول كان رئيس الوزراء ومن مؤيدي أفكار جمال الدين الأفغاني والثاني كان وزيرا للدفاع. وقد بلغت علاقة البنا بالملك فاروق أن الأخير كان يستشيره في تعيين رئيس الوزراء كما أنه دعي إلى مأدبة ملكية رسمية مرة واحدة على الأقل. ولكن العلاقة بين الطرفين كانت عبارة عن منفعة متبادلة حيث تم إستخدام كتائب حسن البنا, تطورت لاحقا لما يسمى التنظيم الخاص, ضد خصوم الملك فاروق خصوصا الوفديين والشيوعيين. حسن البنا أيضا أقام علاقة وثيقة مع أقلية يمينية من حزب الوفد كانت تتكون من كبار ملاك الأراضي وأصحاب رؤوس الأموال وإستخدم تلك العلاقة في لعبة توازنات سياسية تصب في مجملها ضمن سياسة فرق تسد ولتمكين نفوذ القصر الملكي.
تطورت كشافة حسن البنا من مجرد كشافة إلى تنظيمات شبه عسكرية إلى تنظيم عسكري سري يعرف بالتنظيم الخاص سنة 1942 والذي كان ينتهج العنف المسلح في محاولة لخلق حالة من الفوضى والإستياء بين صفوف الشعب فيسهل لهم الإستيلاء على الحكم. التنظيم الخاص قام بإغتيال قضاة, ضباط الجيش والشرطة, موظفين حكوميين والهجوم على المصالح اليهودية في مصر ونهبها وحرق بعضها. كما تورط التنظيم الخاص بهجمات دموية ضد النقابات العمالية وشخصيات يسارية وشيوعية معارضة للملك فاروق.
ولكن التحالف بين تنظيم الإخوان المسلمين والملك فاروق أصابه الضعف والوهن حين بدأ الأخير يفقد قبضته الحديدية على الحكم وبدأ حسن البنا وتنظيمه ينئون بأنفسهم بعيدا عنه ولكنهم حافظوا على علاقات وثيقة مع الجيش ومع سفارات أجنبية كانت بطبيعتها معادية للتنظيمات الشيوعية التي إستفادت من حالة الوهن التي أصابت القصر الملكي حيث تمكن تنظيم الإخوان المسلمين من إختراقها بداية من سنة 1944.
العلاقة بين حسن البنا والقصر الملكي من جهة, وبينه وبين الإستعمار البريطاني لمصر من جهة اخرى كانت مستمرة حيث عمل تنظيم حسن البنا متمتعا بالحصانة من الملاحقة والمحاسبة وكذالك توفير كافة انواع الدعم المالي واللوجستي مادام يعمل خدمة لأهداف القصر الملكي والمصالح البريطانية في مصر. في بعض الأحيان فإن التنظيم الخاص كان يتعدى الخطوط الحمر ويعمل خارج دائرة الحماية فتقوم الحكومة وقوات الإستعمار البريطاني لمصر بملاحقة أعضائه وزجهم في السجون. كما أنه كان لحسن البنا علاقة بالنظام السعودي ويتلقى الدعم المالي منها في مسعاها لنشر أفكار ودعوى محمد بن عبد الوهاب إلى مصر.
أعضاء الإخوان المسلمين كانوا ينظمون أنفسهم في خلايا تتألف كل واحدة من خمسة إلى سبعة أعضاء وتتلقى كل خلية تدريبات مكثفة عقائدية وعسكرية حيث ما أن تنتهي كل خلية من تدريباتها حتى يتظاهر أعضائها بتخليهم عن تنظيم الإخوان المسلمين ومن ثم ينتسبون إلى أحزاب وحركات أخرى أو حتى نوادي رياضية أو جمعيات خيرية وتشكيل خلايا نائمة تقوم بجمع المعلومات وإنتظار الأوامر.
السفارة الأمريكية والبريطانية كانتا على إتصال منتظم بتنظيم الإخوان المسلمين كما أن ميليشات تنظيم الإخوان المسلمين كانت في مقدمة المواجهة مع التنظيمات الشيوعية في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية والتي رسمت بداية معالم الحرب الباردة. رئيس الوزراء المصري إسماعيل صدقي قام بتمويل جماعة الإخوان المسلمين علنا كما وفر لهم معسكرات لتدريب ميليشياتهم التي سوف يثبت منفعتها فيما بعد في معارك الحكومة لتحجيم نفوذ الحركة الشيوعية المصرية خصوصا أن التنظيم الخاص قد قام وعبر جهازه الأمني بإختراق كافة الأحزاب والتنظيمات الشيوعية والنقابات العمالية وكان يمرر معلومات مفيدة أولا بأول للحكومة المصرية خصوصا حول المنتسبين للأحزاب الشيوعية والنقابات العمالية التي كان للحركة الشيوعية المصرية نفوذ قوي فيها.
وفي سنة 1952 قامت حركة الضباط الأحرار بالإستيلاء على السلطة والقيام بنفي الملك فاروق خارج مصر. الحركة كانت تتشكل من ضباط الجيش من مختلف الإنتمائات خصوصا الشيوعيين, الوفديين, الوطنيين اليساريين وبالتأكيد الإخوان المسلمين حيث كان أنور السادات عضوا في تنظيم الإخوان المسلمين ومسؤول الإتصال بين تنظيم الإخوان المسلمين والضباط الأحرار وتدور الشكوك أيضا حول عضوية الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر في تنظيم الإخوان المسلمين حيث كان هو من قام على تأسيس الضباط الأحرار سنة 1949 إثر حرب 1948 في فلسطين وفضيحة الأسلحة الفاسدة.
" البحث عن الذات " هو عنوان الكتاب الذي يحكي السيرة الذاتية للرئيس المصري السابق أنور السادات حيث مدح السادات فيه حسن البنا وفهمه العميق للإسلام.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

نهاية الجزء الأول

No comments:

Post a Comment