يقوم البعض بالمقارنة بين أزمة الدين السيادي في الولايات المتحدة واليونان ويحذرون من تكرار سيناريو اليونان وإنفجار فقاعة الديون الأمريكية جارفة معها الإقتصاد العالمي إلى هوة سحيقة لا قرار لها.
المستثمر الأمريكي الشهير وارن بافيت وعدد من نجوم هوليود وشخصيات عامة قد قامت بالدعوة إلى زيادة الضرائب على الأغنياء في محاولة لتقليص عجز الميزانية وهو ماتم إقراره سنة 2011 حيث قام الرئيس الأمريكي بالتوقيع على مرسوم مراقبة الميزانية(Budget Control Act) وبذالك تم إقراره كقانون حيث تم رفع سقف الدين السيادي وبشكل فوري بمقدار 400 مليار دولار.
المقارنة بين الولايات المتحدة واليونان لاتأخذ في الإعتبار إلا الديون السيادية ولكن إذا نظرنا إلى المشكلة بعمق فإن الوضع أسوأ مما يتصور البعض. بالتأكيد فإن وضع الولايات المتحدة فيما يتعلق بدينها السيادي أفضل من اليونان ولكنه أسوأ من دول مثل بريطانيا, كندا, أستراليا أو السويد وكل بلد أوروبي بإستثناء البرتغال, أيرلندا وإيطاليا. عندما قامت مؤسسة الخدمات المالية والإستثمارية مورجان ستانلي سنة 2009 بإجراء تقييم لوضع الدين في الولايات المتحدة أخذة في الإعتبار ديون البلديات والعجر في مستحقات صناديق التقاعد, فإن نسبة الدين\الدخل في الولايات المتحدة 358% مقارنة 312% في اليونان. ولكن إذا أدخلنا في الحسبان العجز في مستحقات الضمان الإجتماعي وخطة الضمان الصحي الحكومية(Medicare) فإن النسبة سوف تكون 911% الولايات المتحدة, 875% اليونان مقارنة بدولة مثل فرنسا تبلغ نسبة الدخل\الدين 549%.
في الفترة الرئاسية الأولى للرئيس الأمريكي باراك أوباما والتي شهدت أسوأ أزمة إقتصادية ليس فقط في الولايات المتحدة بل وفي العالم فقد تم إضافة مبلغ 5 تريليون دولار لعجز الميزانية وهو رقم يعد كارثيا بكل المعايير والمقاييس.
- متوسط عجز الميزانية في فترة حكم الرئيس باراك أوباما 1.3 تريليون دولار سنويا او مايعادل الناتج الإجمالي المحلي لأستراليا.
- إجمالي الدين القومي للولايات المتحدة يبلغ 16 تريليون دولار تقريبا أو مايعادل الناتج المحلي الإجمالي لدول الإتحاد الأوروبي مجتمعة.
- إجمالي دين الحكومات المحلية في الولايات المتحدة يبلغ 1.1 تريليون دولار بمايعادل الناتج الإجمالي المحلي للمكسيك.
- دين البلديات على مستوى الولايات الولايات المتحدة يبلغ 1.75 تريليون دولار مايعادل الناتج الإجمالي المحلي لكندا.
- دين القروض الجامعية يبلغ في الولايات المتحدة تريليون دولار وهو رقم يماثل تقريبا الناتج المحلي الإجمالي لدولة بحجم كوريا الجنوبية.
- إجمالي الدين في الولايات المتحدة سواء كان فدرالي أو محلي أو على مستوى البلديات أو ديون أخرى يبلغ 57 تريليون دولار تقريبا وهو مايعادل الناتج المحلي الإجمالي لجميع الدول في الكرة الأرضية. إن ذالك يعني أن كل أمريكي منذ ولادته يترتب عليه 200 ألف دولار نصيبه من إجمالي الدين والذي يبلغ 57 تريليون ويتزايد سنويا.
- وإذا أضفنا الديون التي هي عبارة عن مستحقات والدفعات المترتبة على صناديق التقاعد والضمان الصحي(Medicare) و(Medicaid) والتأمين الإجتماعي(Social Insurance) وإلتزامات عسكرية طويلة الأمد, فإن الرقم سوف يصل إلى 211 تريليون دولار.
- متوسط مدخرات الأسرة الأمريكية يبلغ 4 ألاف دولار وهو يعد من بين الأقل مقارنة بنظرائهم في دول أخرى خصوصا دول أسيا كالصين.
تلك بعض الإحصائيات البسيطة وهي ليست كما يقولون (Up To Date) ولكنها سوف تساعدنا على فهم المشكلة ولماذا أوشكت الولايات المتحدة أن تنهار بتاريخ 2\أغسطس\2011 وتأخذ العالم كله معها إلى الهاوية. إن منتصف تلك الليلة كان المهلة النهائية للوصول إلى إتفاق بخصوص رفع المستوى المسموح للدين القومي الأمريكي أن يصله حيث تم الإتفاق على زيادته بمقدار 400 مليار دولار ولولا ذالك لإنهارت الدور الإقتصادية في الولايات المتحدة والعالم فلا رواتب موظفين والنظام البنكي سوف ينهار وتنهار معه قيمة الدولار الأمريكي بسبب موجة بيع الأصول المقومة بالدولار وأهمها سندات الدين الحكومية التي تصدرها وزارة الخزانة.
كما أن المناقشات حول التخفيضات في الميزانية أثير حولها في الكونجرس جدل شديد حيث أن المتحدث بإسم مجلس النواب الأمريكي جون بوهينر(John Boehner) ذكر أنه تم التوصل لإتفاق بإجراء تخفيضات بقيمة 7 مليار دولار في ميزانية 2012 بينما مكتب الميزانية في الكونجرس الأمريكي أقر تخفيضات في ميزانية سنة 2012 تبلغ مليار دولار. في الحقيقة فإن تخفيض عجز الميزانية بمبلغ مليار دولار أو 7 مليار دولار لايهم لأن المبلغ الأخير يمثل عجز الميزانية خلال 37 ساعة, قيمة ماتستدينه الحكومة الأمريكية خلال تلك الفترة. حتى المليار دولار تمثل قيمة ماتستدينه الحكومة الأمريكية خلال خمسة ساعات وعشرين دقيقة.
هناك مقولة شائعة يتم تداولها هي أنه إذا كنت تدين لبنك بألف دولار فلديك مشكلة أما إذا كنت تدين للبنك بمليون دولار فالبنك هو من لديه المشكلة. الولايات المتحدة تدين للعالم بأكثر من 16 تريليون دولار ومن يزعم أن الإستدانة للأبد سوف تبني إقتصادا قويا فهو مخطئ, لايوجد أي دولة في العالم سوف تكون قادرة على الإستدانة بدون أن تصل لمرحلة إنهيار إقتصادي شامل. ماحدث في مدينة ديترويت الأمريكية ليس إلا سيناريو مصغر لما قد يحصل في الولايات المتحدة مستقبلا فمن كان يتخيل أن أحد مراكز صناعة السيارات في الولايات المتحدة سوف تنتهي إلى مصير مدينة مهجورة بأكثر من 75 ألف مبنى ومنزل خالي من السكان.
هناك مشكلة حكومة متضخمة في الولايات المتحدة, روتين وبيروقراطية كما أنه هناك إختلاف على الأولويات. بتاريخ يونيو\حزيران 2011 فقد أصدرت وزارة التعليم الأمريكية(هيئة فيدرالية) أمرا بإعتقال مواطن أمريكي(kenneth wright) على خلفية قضية متعلقة بقروض الطالب الجامعي(Student Loans) وتم إرسال 15 فردا من فريق من قوات الشرطة الخاصة(Swat team) إقتحموا منزله مع كل الجلبة المصاحبة وقاموا بإحتجازه في سيارة الشرطة لمدة ستة ساعات وحجز أطفاله في إحدى غرف المنزل أثناء تفتيشهم له بموجب مذكرة بحث وإعتقال. التهمة هي عدم قيام زوجته بدفع أقساط قرض طالب جامعي فتم توجيه تهمة الإحتيال إليها وتهمة لزوجها لقيامه بمساعدتها.
تلك حادثة بسيطة من عشرات الألاف من الحوادث والتي تدل على الفوضى العارمة في القوانين والأنظمة في الولايات المتحدة. تخيلوا كم الموارد التي تم إهدارها من أجل مشكلة كان من الممكن حلها بإرسال رسالة للمدعى عليها تطلب منها الحضور أو من الممكن الحجز على حسابها البنكي أو على راتبها أو مصادرها المالية بدون إثارة فزع أسرة كاملة بتكل الطريقة حيث كان أفراد قوات الشرطة الخاصة كأنهم ذاهبون لإعتقال أحد أكبر تجار المخدرات.
والسؤال الذي يطرح نفسه, هل من الممكن أن يستمر الوضع في الولايات المتحدة على ماهو عليه؟ وماهي الفترة الزمنية اللازمة لتصل الأزمة لنقطة اللاعودة؟
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment