الشركات ورؤوس الأموال العابرة للقارات والتي تشكل تحالفات مع القوى الإستغلالية والإقطاعية المحلية لشراء الأصول والشركات التي يفترض أنها متعثرة لايهمها إلا الربح على حساب جودة الخدمة وتوفيرها لأكبر قطاع من المستهلكين. فمن يملك ثمن إستهلاك المياه أو الكهرباء يستطيع الحصول على الخدمة وإلا فمصيره الموت عطشا والعيش في الظلام الدامس أو على ضوء الشموع إن كان قادرا حتى على شرائها.
هناك الكثير من الحجج التي يسوقها المناصرون لقضية العولمة ومنها أنها السبب الرئيسي لإنتشال مئات الملايين من البشر من فقرهم المدقع وزيادة نسبة الدخل وإنخفاض مستوى البطالة وذالك مردود عليهم لمجموعة أسباب. أول تلك الأسباب هي أن إتفاقيات التجارة الحرة قد أدت إلى إنتقال فرص العمل من الدول الغربية(Developed Country) حيث التكلفة المرتفعة إلى دول نامية(Developing Country) حيث الأجور منخفضة وبتطبيق نظرية الكم صفر(Sum Zero) فإن إنخفاض نسبة البطالة في الفلبين أو بنغلاديش أو المكسيك سوف يقابله إرتفاعها في الولايات المتحدة وأوروبا. ثاني تلك الأسباب أن الدول النامية سوف تبقى عاجزة عن القيام بأي إجرائات من شأنها الحد من تأثيرات العولمة السلبية خصوصا التشريعات المتعلقة بحماية العمال والمصادر الطبيعية من الإستغلال لأن أي دولة تقوم بذالك فسوف تكون التهمة جاهزة وهي الشيوعية كما في عصر الحرب الباردة أو يتم إشهار سلاح حقوق الإنسان لتبرير التدخل العسكري أو إحتلالها مباشرة أو إتهامها بالإرهاب كما حصل مع بعض الناشطين لحماية غابات الأمازون حيث تم إتهامهم بأنهم يتلقون السلاح والتدريب من متطرفين إسلاميين.
لست أفهم كيف ينظر المؤيدون للعولمة بنظرة إيجابية لأحياء الفقر والتهميش التي يسكنها العمال الفقراء في بنغلاديش وفيتنام وأندونيسيا والذين يعملون على صناعة أحذية وحقائب يد نسائية وألبسة جاهزة لصالح ماركات تجارية عالمية؟ كيف ينظرون لإرتفاع نسبة الجريمة وحوادث الإغتصاب والإستغلال الجنسي في المدن المكسيكية حيث تنتشر مصانع الألبسة والمنسوجات التي تعمل لصالح شركات أمريكية وأوروبية؟ كيف ينظرون لتلك الأماكن حيث لايتمتع العمال بأي حقوق أو إجازات مدفوعة وترتفع نسبة الفقر بسبب الأجور الزهيدة التي بالكاد تكفي لدفع تكلفة الطعام والسكن في أماكن تعتبر مكاره صحية وبيئية حيث يعاني العمال وأسرهم من الأمراض والأوبئة وترتفع نسبة وفيات المواليد الجدد؟
ولايكتفي أنصار العولمة بالدفاع عن وجهة نظرهم وهو دفاع فاشل بإمتياز بل يمتد إلى إنتقاد الدول الأخرى التي لاتطبق تلك المفاهيم بحذافيرها حيث يعتبرون منح العمال إجازات مدفوعة الأجر وإجازات ولادة أمورا غير مستحبة ويعدونها مسؤولة مسؤولية مباشرة عن إنخفاض الإنتاجية بينما العكس هو الصحيح حيث تكفي نظرة معمقة لبلدان مثل فرنسا, إيطاليا, ألمانيا, فنلندا, السويد والدانيمرك خطأ وجهة نظرهم. في السويد لايتم إلقاء المرضى خارج المستشفيات لأنهم لايملكون ثمن العلاج. في الدانيمرك يتم منح الطلاب راتبا ماداموا منتظمين في دراستهم. في ألمانيا وإيطاليا يتم منح العاملين حتى في الشركات الخاصة إجازات سنوية مدفوعة الأجر وإجازات أمومة تعد مرتفعة نسبيا قياسا بدول غربية أخرى قد لا تزيد فيها إجازة الأمومة عن 5 أشهر. المدارس الفرنسية في المناطق الأكثر فقرا تعد وجبات طعام لطلابها أفضل من أفخم الفنادق في منطقة الشرق الأوسط والخدمة في تلك المدارس خمسة نجوم. فنلندا تتمتع بأحد أرقى الأنظمة التعليمية في العالم حيث تتفوق حتى على الولايات المتحدة بنظامها التعليمي.
حتى وسائل الإعلام أصابتها عدوى العولمة حيث يمتلك عدد صغير جدا من الشركات قد لايتعد ستة أو سبعة شركات أغلب الوسائل الإعلامية على إختلافها من الصحف والمجلات والإذاعات وشركات الإنتاج السينمائي والتلفزيوني. تلك الشركات تدافع عن مصالحها بشراسة وتتعمد مهاجة الأطراف الأخرى, تضخيم السلبيات وإخفاء الإيجابيات والإنجازات والترويج لنموذج إقتصادي قائم على إستغلال الطبقات الأكثر فقرا وعوزا حتى يزدادو في الفقر ويزدادو هم وداعميهم ثراء ونفوذا وسطوة.
رموز العولمة كأشهر ماركات الساعات والأزياء والعطور ليست هي النموذج الوحيد على نجاح المفهوم من الناحية العملية بل هناك سلاسل مطاعم الوجبات السريعة وهي تختلف عن الفئة الأولى التي ذكرت أنها تستهدف الطبقة الوسطى بشكل رئيسي. إن وجود طبقة وسطى مؤثرة في أي مجتمع أو بلد لا على التعيين يعد دليلا على تجربة عولمة نموذجية ومثالية حيث أن تلك الطبقة قادرة على دعم وجود ماكدونالدز وكي. إف. سي وغيرها من شركات وجبات المطاعم السريعة.
تلك النظرة تعد قاصرة برأي لأنه في الكثير الدول التي تنتشر مطاعم الوجبات السريعة خصوصا ماكدونالدز وقوسها الذهبي المشهور ينتشر الفقر والجوع خصوصا المتسولين الذين قد ينتظرونك عند أحد تلك المطاعم يستجدون الزبائن والمارة. في الكثير من الدول الغربية وهي مليئة بمطاعم الوجبات السريعة ومقاهي شركات عالمية يتم بث إعلانات متلفزة حكومية تحذر من ظاهرة الفقر والجوع محليا وليس في أدغال أفريقيا وتحذر من إنتشار ظاهرة الإختيار بين سقف يؤوي الأسرة أو تناول ثلاثة وجبات في اليوم وتحث على التبرع لبنوك الطعام. كما أن شركات المطاعم السريعة لاتقدم أي مساهمة في تنمية الإقتصاد المحلي حيث يعيش نسبة كبيرة من موظفيها خصوصا في الدول الصناعية على كوبونات الطعام الحكومية والإعانة الإجتماعية على الرغم من حصولهم على عمل بدوام كامل وتعد عبئا بيئيا وصحيا خصوصا بسبب طريقة إعداد منتجاتها ومصدر تلك المنتجات من شركات تعتمد أسلوب الزراعة المكثفة والأغذية المعدلة وراثيا ومزارع الحيوانات التي تحقنها بهرمونات النمو والمضادات الحيوية بكثافة. محلات بيع التجزئة(وول مارت - Walmart) تعد أيضا نموذجا لتطبيق ونجاح مفهوم العولمة من الناحة النظرية ولكن بالتدقيق في سيرتها الذاتية نجد عدد كبيرا من موظفيها ممن يعملون بدوام كامل خصوصا في الولايات المتحدة يعيشون تحت خط الفقر بسبب أجورهم المنخفضة ويحصلون على إعانات ومساكن وكوبونات طعام حكومية.
كما أن ثورة الإتصالات والمواصلات وخصوصا الإنترنت قد تكون سببا في إقتراب حضارات وثقافات من بعضها البعض ونشوء صراع بينها للإستحواذ على مساحة ضيقة في العالم الذي تحول إلى قرية صغيرة تزداد ضيقا. هناك فترة طويلة جدا قد تقاس بالسنين الضوئية قبل أن يعم إستخدام الإنترنت خصوصا في البلدان النامية بحيث تكون عاملا إيجابيا وسببا في تضييق الفجوة الإقتصادية التي كانت العولمة سببها رئيسيا فيها.
النهاية
No comments:
Post a Comment