الولايات المتحدة عبارة عن أمَّة حديثة التأسيس ولكنها في أقل من 200 سنة إنحدرت بحسب أراء الكثيرين إلى مستوى غير مقبول من كافة النواحي بالتعارض مما كان يأمله الأباء المؤسسون خصوصا من قاموا بوضع وثيقة الإستقلال. في مقال بعنوان(الأباء لايعرفون الأفضل دائما - Father's don't know always the best) للكاتب مارك كيرلنسكي نشرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز سنة 2006 حيث يتحدث الكاتب أن الولايات المتحدة لديها أسوأ برنامج للرعاية الصحية في العالم, أحد أسوأ أنظمة المدارس العمومية وأسوأ نظام تعويضات للعمال. في الوقت الذي يتم فيه تضييق الهوة بين الأغنياء والفقراء في أوروبا فإن تلك الهوة قد إزدادت إتساعا في الولايات المتحدة ومن بين كل الديمقراطيات فإن الولايات المتحدة تستخدم القوة العسكرية بشكل أكثر إفراطا وتظهر إحتراما أقل للقانون الدولي. وقد تكون الولايات المتحدة تمتلك أسوأ نظام لتعويض العمال ولكن نسبة البطالة بالتأكيد أقل من أوروبا حيث تتراوح نسبتها 10% كما أن الولايات المتحدة قد نجحت في خفض الإنبعاثات الضارة حتى وإن لم تنضم لمعاهدة كيوتو بينما فشلت دول أوروبية إنضمت للمعاهدة في ذالك.
في أوروبا هناك هواجس عودة الحركات النازية والفاشية مما أدى إلى الحروب بين الدول الأوروبية حيث كان الهدف الأساسي من قيام الإتحاد الأوروبي هو جعل الحروب بين الدول الأوروبية ليس صعبة بل مستحيلة. إن ذالك الهاجس كان واضحا وتمثل بتحذير رئيس الوزراء الهولندي المواطنين من التصويت بإجابة (لا) على دستور الإتحاد الأوروبي في إستفتاء سنة 2005 خصوصا أنه هو نفسه قام بزيارة معسكرات الإعتقال النازية مثل أوشفت(Auschwitz) والتي تذكره بقدرة الحركات المتطرفة مثل النازية على إحداث المجازر والأعمال الوحشية. في النهاية فإن الهولنديين والفرنسيين صوتوا بإجابة(لا) على إستفتاء الدستور الأوروبي سنة 2005.
هناك عدد من الفروقات بين الولايات المتحدة وأوروبا بشكل عام تتجاوز الخلاف حول غزو العراق من أجل إسقاط الرئيس العراقي صدام حسين سنة 2003 حيث وصل الصدام بين الطرفين إلى مطالبة المواطنين الأمريكيين بتغيير إسم البطاطا المقلية من (French Fries) إلى إسم أخر بسبب حالة العداء مع فرنسا.
أحد تلك الفروقات وهو جوهري له علاقة بالمشكلة الديمغرافية. الأمر ليس له علاقة بنسبة المسلمين إلى العدد الكلي للسكان في الدول الأوروبية مقارنة بالولايات المتحدة بل بنظام الحياة في أمريكا الذي يعتبر بوتقة ينصهر فيها الجميع ولديهم فرصة ليكونوا مواطنين أمريكيين بينما على العكس في أوروبا. وأنا هنا لا أقول أنه لايوجد عنصرية في الولايات المتحدة فحتى الوطن العربي مليئ بالعنصرية والقبلية والعشائرية ولكن الولايات المتحدة تعني مواطن واحد وهوية واحدة بينما أوروبا مواطن واحد وهوييتين. في الولايات المتحدة فإنك أمريكي حتى لو كنت مسلما بينما في أوروبا فمن الممكن أن تكون مسلما ومواطنا أوروبيا, يسمونه تعدد الثقافات وهو ما أثبت فشله فلا يمكن تعايش ثقافتين تعاديين بعضهما البعض بجانب بعضهما البعض بدون حصول تصادم. بإختصار فإن سياسة الدمج للمهاجرين في الولايات المتحدة أنجح منها في أوروبا.
لمن يبحث عن أسباب المعارضة الفرنسية لغزو العراق سنة 2003 فعليه أن يسأل عن نسبة المسلمين الفرنسيين إلى العدد الكلي للسكان؟ أقرأ من مصادر متعددة منها جريدة لوموند سنة 2007 أن عدد المسلمين في فرنسا يبلغ 5-6 ملايين بينما وزارة الداخلية الفرنسية تذكر 4.5 مليون. مصادر أخرى ذكرت أن 33% من المسلمين في فرنسا يمارسون الشعائر الدينية.
في أخر أسفار الكتابا لمقدس وهو سفر الرؤيا الذي ينسب ليوحنا تلميذ يسوع المسيح فقد ذكر الفرسان الأربعة وهم رموز لأربعة كوارث سوف تحل بالأرض قبل يوم الدينونة وهم على الترتيب: الموت, المجاعة, الحرب والنصر. بإسقاط تلك الرمزية الإنجيلية على الوضع الأوروبي الراهن فإن الموت يعني إنقراض الجنس الأوروبي بسبب إنخفاض معدلات المواليد. المجاعة تعني إنتهاء نمط الحياة الأوروبية الباذخ مثل ساعات العمل المنخفضة وإمتيازات التقاعد المرتفعة. الحرب هي عبارة عن إضطرابات داخلية بسبب عوامل ديمغرافية وإقتصادية. النصر عبارة عن إعادة إستعمار أوروبا من قبل المسلمين. إن تلك الأخيرة تمثل كابوسا للمفكرين الأوروبيين واليمين المتطرف حيث مايزالون في إسبانيا يخرجون راية الموحدين التي غنموها إثر معركة العقاب وهزيمة جيوش الموحدين ويطوفون فيها في الشوارع حيث كانوا يعلمون علم اليقين انه لولا هزيمة جيوش المسلمين في معركة بلاط الشهداء(بواتييه) لما توقفت المد الإسلامي حتى أتى على أوروبا بأكملها. والسؤال هو هل إقترب يوم الدينونة الأوروبية خصوصا مع وجود 50 مليون مسلم في أوروبا يضاف إليهم مئات الألوف من اللاجئين المسلمين من الشبان الصغار في السن؟
الكثير من الأوروبيين يتهكمون على لقب رجل أوروبا المريض والذي كان يطلق على الإمبراطورية العثمانية حيث يطلق على القارة الأوروبية الأن لقب القارة العجوز بسبب زيادة نسبة الكبار في السن وإنخفاض معدل المواليد.
من الواضح أن أوروبا تسير بخطى متسارعة نحو أن تصبح تلك القارة العجوز حيث هناك 17 بلدا متوسط مجموع النسبة المئوية للولادات إنخفض إلى 1.3%. أحد أشهر الأفلام الوثائقية يحذر من تحول أوروبا إلى قارة إسلامية بحلول سنة 2050 ولكن ذالك التاريخ قد يتم تقديمه حاليا خصوصا مع تزايد اللاجئين لأوروبا وأغلبهم من صغار السن من الذكور. الأوروبيون يمارسون الإنقراض الذاتي بملئ إرادتهم حيث أنه وفي سنة 2050 سوف يكون عدد سكان الولايات المتحدة قد إزداد 100 مليون بينما نقص عدد سكان أوروبا 100 مليون. في سنة 1970 كان هناك 4.6 مليون إيطالي أعمارهم تحت الخمس سنوات بينما في سنة 2004 بلغ ذالك العدد 2.6 مليون.
إيطاليا تعد مثالا على الإنقراض الذاتي الذي يمارسه الأوروبيون بملئ إرادتهم ولكن المشكلة ليست محصورة في إيطاليا. في إنتخابات 2005 في ألمانيا كان خيار الناخبين بين غيرهارد شرودر(Gerhard Schröder) أو إنجيلا ميركل( Angela Merkel) وكلاهما بدون أطفال.
في أوروبا ينتشر الإلحاد وخصوصا في الدول الإسكندنافية وقد يكون ذالك له علاقة بمعدل المواليد وفي الولايات المتحدة يزداد معدل المواليد في الولايات الجنوبية التي تعتبر الأكثر محافظة من الناحية الدينية حيث يعتبر إنجاب الأطفال واجبا مقدسا عن معدل المواليد في الولايات الأخرى. كما أنه هناك أقليات دينية في الولايات المتحدة مثل المورمن والأميش تعتبر التأخر في الزواج وإنجاب الأطفال يتعارض مع التعاليم المسيحية. في الولايات المتحدة يبلغ معدل المواليد 1.61% بدون حساب الهجرة من أمريكا اللاتينية خصوصا المكسيك حيث سوف تبلغ في تلك الحالة 2.11% وهو الحد الأدني لكي تحمي أي حضارة نفسها من الإنقراض.
السبب الرئيسي لقيام الإتحاد الأوروبي هو منع قيام الحروب بين الدول الأوروبية والإزدهار والرخاء الإقتصادي ولكن في إستطلاع للرأي بمناسبة حلول الذكرى الأولى لأحداث سيبتمبر في الولايات المتحدة فأن 61% من الأمريكيين يعدون متفائلين بالمستقبل, 43% من الكنديين, 42% من البريطانيين, 29% من الفرنسيين, 23% من مواطني روسيا و15% من الألمان.
إن نسبة كبيرة من الأوروبيين يؤمنون بحتمية تحول أوروبا خصوصا بسبب المشكلة الديمغرافية والسؤال ليس عن التوقيت ولكن عن الكيفية التي سوف يتم بها ذالك التحول. الحياة بالنسبة للأوروبي تعد نزهة مفتوحة حيث ساعات عمل قليلة, رواتب مرتفعة, رعاية صحية مجانية, تعليم مجاني وإمتيازات تقاعد مرتفعة ولكن المشكلة من سوف يدفع من أجل إستمرار نظام الرفاه الإجتماعي إذا كان عدد الداخلين إلى سوق العمل يتناقص جيلا بعد جيل بسبب تناقص معدل المواليد؟
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment