إن الشروط الواجب توافرها في مساحة جغرافية معينة تتألف من عدة بلدان وتستخدم عملة موحدة يمكن تلخيصها على الشكل التالي:
- مرونة في إنسيابية القوى العاملة بين الدول الأعضاء
- أسواق إنتاج وخدمات إقتصادية مرنة
- تكامل إقتصادي بين الدول التي تشكل منطقة العملة الموحدة
- التنوع وتعدد الأنشطة الإقتصادية
- حكومة مركزية قوية وسياسات مالية معقولة
- نسب تضخم متماثلة
- التركيز على النمو الإقتصادي
النقطة المهمة المتعلقة هي أنه يجب توافر جميع تلك الشروط السابقة وأفضل مثال هو الولايات المتحدة التي تتوفر فيها كل الشروط السابقة وخصوصا حكومة مركزية قوية, مرونة في أسواق العمل وإنسيابية في حركة القوى العاملة.
هناك أربعة خصائص تمت مناقشتها والتركيز على أهميتها لأنها متعلقة بمنطقة العملة الموحدة حيث هناك إختلاف حول أي منها له الأولوية وهي:
- إزدياد مساهمة التجارة في إجمالي الناتج للدول الأعضاء
- تماثل في الأزمات المالية والدورات الإقتصادية
- درجة إنسيابية الأيدي العاملة
- المشاركة في تحمل المخاطرة بين الدول الأعضاء
إن قانون باريتو تمت تسميه على إسم الإقتصادي الإيطالي فيلفريدو باريتو(Vilfredo Pareto) ويمكن تلخيصه بتحقيق التكامل بين الدول التي تشكل منطقة عملة موحدة عن طريق التخصص في المجال الذي تكون لها فيه الأفضلية بدلا من تشتيت الجهود والكفائات ورؤوس الأموال. على سبيل المثال فاليونان من الممكن أن تتخصص في الزراعة والسياحة والشحن, ألمانيا في الصناعات الثقيلة والبضائع الإستهلاكية.
المشكلة أن العديد من الدول التي إنضمت للإتحاد الأوروبي لم تكن تتمتع حتى بالحد الأدني من الشروط الواجب توافرها في منطقة العملة الموحدة. على سبيل المثال فقد أدى تدفق الأموال على اليونان وتسهيل الشروط الإئتمانية بعد إنضمامها إلى منطقة اليورو وعدم مراعاة التنوع الإقتصادي إلى أزمة ديون سيادية تكاد تهدد الإتحاد الأوروبي بالتفكك. أغلب تلك القروض والأموال قد تم إنفاقها في مشاريع إستهلاكية وليس في تأسيس بنية صناعية ذات عائد مجزي على المدى الطويل.
إن تجاهل أسباب فشل ألية أسعار الصرف التي تم إقرارها في الفترة التي سبقت إقرار الإتحاد الأوروبي قد أدى إلى عدد من الأزمات المزمنة منها أزمة الديون السيادية في عدد من الدول الأعضاء. في شهر سيبتمبر\1992 أجبر الجنيه الإسترليني على الخروج من الإتفاقية, وتلاه الليرة الإيطالية في نفس الشهر. في شهر نوفمبر خرجت البيزيتا الإسبانية والإسكودو البرتغالية من الإتفاقية. في كانون الثاني 1993 تم إجراء تخفيض على قيمة الجنيه الإيرلندي بنسبة 10% وفي مارس تم إجراء تخفيض على قيمة صرف الإسكودو والبيزيتا مرة أخرى. في شهر أغسطس\1993 إتخذ وزراء الإقتصاد الأوروبيون قرار برفع الهامش الذي يسمح بتقلب أسعار الصرف من خلاله بنسبة 15%. مضاربون من أمثال الملياردير جورج سوروس حققوا أرباحا هائلة من خلال المضاربة على أسعار صرف العملات المختلفة والتباين في أسعار صرفها بين دولة وأخرى.
المشكلة أنه بعد 14 عاما من العمل بموجب ألية أسعار الصرف(ERM) التي من المفترض أن يكون دورها التقريب بين الدول المشاركة فيها بغرض الوصول للهدف النهائي وهو الوحدة النقدية(اليورو), فقد فشلت في تحقيق تلك الغاية ورغم ذالك فقد تم إخراج اليورو لحيز الوجود.
تم عقد إجتماع تمهيدي من أجل إقرار مجموعة بنود منها الوحدة النقدية في مدينة ماستريخت الهولندية بتاريخ ديسمبر\1991 حيث تقع تلك المدينة في منطقة حدودية مشتركة مع كل من ألمانيا وبلجيكا حيث كان المتاجر تقبل بالدفع بخيار من أي من عملات البلدان الثلاثة وهي الجلدر, الفرنك البلجيكي والمارك الألماني. تم توقيع الإتفاقية بتاريخ فبراير 1992 والتي مهدت الطريق من أجل خروج اليورو إلى حيز الوجود.
منذ البداية فقد لقي تسويق مشروع الوحدة النقدية الأوروبية معارضة شعبية وبرلمانية في الدول المشاركة. إرتفاع تكلفة قضاء الإجازات في الدول التي إنضمت للإتفاقية مثل اليونان وإسبانيا كان أحد أثارها السلبية مما لم يسعد الكثير من المواطنين وخصوصا الألمان الذي كانت عملتهم(المارك) تتمتع بأفضلية مقارنة بالعملات الأخرى. حزب المحافظين البريطاني أصبح منقسما على نفسه وفي النهاية لم تنضم بريطانيا للوحدة النقدية وبقيت محافظة على عملتها الوطنية(الجنيه الإسترليني-الباوند) رغم كونها عضوا في الإتحاد الأوروبي حيث يتم تداول اليورو جنبا إلى جنب مع الجنيه الإسترليني. الدانيمرك رفضت اليورو في إستفتاء شعبي سنة 1992 ومرة أخرى في إستفتاء سنة 2000. فرنسا وهي من الدول المؤسسة للإتحاد الأوروبي وافقت على الوحدة النقدية في إستفتاء وبهامش ضئيل 50.7% ولكن المشكلة أن الإستفتاء على اليورو لم يتم تطبيقه في جميع الدول الأوروبية. في ألمانيا كانت هناك معارضة قوية حيث أنه بتاريخ فبراير\09\1998 فقد نشر 155 إقتصادي ألماني رسالة مفتوحة أنه مازال مبكرا إقرار اليورو رسميا حتى أن أربعة من الأكاديميين الألمان قاموا برفع دعوى قضائية أمام المحكمة الدستورية بخصوص إنضمام ألمانيا للوحدة النقدية الأوروبية. وفي سنة 2010 قام نفس الأشخاص برفع دعوى قضائية بخصوص حزمة الإنقاذ التي تم تقديمها لليونان حيث أن ذالك يخالف قوانين الوحدة النقدية الأوروبية ومعاهدة ماستريخت.
في سنة 1995 فقد كانت فكرة اليورو تتمتع بتأييد 33% من الألمان ومعارضة 45% بينما بعد إطلاقة رسميا سنة 1999 فإن نسبة التأييد لليورو لم تزد عن 55% حتى بعد وعود الإزدهار والرخاء الإقتصادي التي يتأمل أنها سوف تحل على أوروبا بعد وحدتها النقدية. المشكلة أنه في تلك الفترة فقد كان من المتوقع أن يكون اليورو بشكل عام أضعف من المارك الألماني أو أي عملة أوروبية رئيسية وكان تخلي ألمانيا عن عملتها التي تعد الأقوى أوروبيا هو الثمن الذي كان يجب عليها أن تدفعه من أجل إقناع الأخرين بالإنضمام للوحدة النقدية وإزالة مخاوفهم من النتائج السلبية لذالك. المشكلة أنه بدون وحدة سياسية حقيقة فإن الوحدة النقدية لن تكون ناجحة على المدى الطويل حيث بدأت الإنقسامات مؤخرا تظهر في أوروبا بخصوص مشكلة اللاجئين, إنفصال بريطانيا عن الإتحاد الأوروبي, الإستفتاء المتعلق بإنفصال إسكتلندا عن بريطانيا, مقاطعات إسبانية منها الباسك ترغب بالإنفصال عن الوطن الأم إسبانيا وغير ذالك مما يهدد الإستقرار السياسي للإتحاد الأوروبي وبالتالي وحدته النقدية.
الكثير من التفائل كان سائدا بأن الوحدة النقدية الأوروبية سوف تؤدي إلى مزيد من الإصلاحات مماسوف يؤدي بالتالي لزيادة مرونة النظام النقدي الأوروبي حيث سوف تكون النتيجة إستجابة سريعة للمسؤولين الأوروبيين والمضي قدما بتنفيذ تلك الأجندات الإصلاحية. ولكن لاتجري الرياح دائما بما تشتهي أشرعة السفن حيث كانت النتيجة أنه بدلا من المضي في تلك الإصلاحات الإقتصادية والنقدية فقد تم ترك الوضع على ماهو عليه لأنه كان مخالفا للمعتقدات الأساسية لما كان أولئك المسؤلون يؤمنون به. حزمات الإنقاذ وتجاوز الدين السيادي لنسبة متفق عليها مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي هي أمور تم التغاضي عنها لقبول إنضمام دول جديدة للإتحاد الأوروبي. الهدف من الوحدة النقدية كان نبيلا ولكن أليات التطبيق والتغاضي عن الكثير من التجاوزات قد أدى إلى نتائج سلبية مازال الإتحاد الأوروبي يعاني منها حتى وقتنا الحالي.
أول رئيس للبنك المركزي الأوروبي(ECB) ويم ديزنبرغ(Wim Duisenberg) قد صرح بأن اليورو لايعتبر مجرد عملة نقدية بل يعتبر رمزا لعملية التكامل بين الدول الأوروبية بكل ماتحمله الكلمة من معنى. إن ذالك التصريح وغيره لمسؤولين أوروبيين أخرين يعد جوهر المشكلة حيث ينظر لليورو وأهميته من وجهة نظر سياسية وليست إقتصادية.
خلال التسعينيات وفي ذروة النقاش حول الوحدة النقدية الأوروبية(اليورو) فقد كانت هناك عدد من وجهات النظر المختلفة منها وجهة النظر الألمانية والهولندية التي كانت ترى أنه لاحاجة لتنفيذ أجندات إصلاحية والتكامل الإقتصادي قبل تبني اليورو. الإيطاليون كان مصرين على المضي قدما في الجدول الزمني لإنجاز الوحدة النقدية حتى لو لم تكتمل الإصلاحات الإقتصادية الضرورية حيث أن القوانين المنظمة لعمل الإتحاد الأوروبي سوف تؤدي في النهاية لإنجاز الإصلاحات المطلوبة. المفوضية الأوروبية كانت ترغب في وحدة نقدية أوروبية كاملة ولكنها عجزت عن ضمان التعاون الكامل من رؤساء الدول. جاكويز ديلورس(Jacques Delors) الذي كان رئيسا للمفوضية الأوروبية وهو المسؤول عن المسودة الرئيسية لإتفاقية ماستريخت أن العملة الموحدة يجب أن تكون مسبوقة بإصلاحات مالية واسعة.
جون بالمر(John Palmer) عضو لجنة السياسات في مركز السياسات الأوروبي ذكر في تصريح له أن الأكثر حماسة للعملة الأوروبية الموحدة والذين كانوا مؤيدين لإصلاحات مالية متزامنة مع الوحدة النقدية قد واجهوا معارضة من الدول المؤسسة وعلى رأسها ألمانيا.
وبين هاذا الرأي وذاك فقد تم تمرير الرأي المؤيد للإلتزام بالجدول الزمني المعلن للمضي في الوحدة الأوروبية والعملة الموحدة على الرغم من كل السلبيات التي جعلت الكثير من الخبراء من المؤيدين للتأجيل.
ولكن أي من الطرفين جانب الصواب وأيهم جانب الخطأ؟
سؤال أظن أنه قد أجابت عليه الأيام
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment