Flag Counter

Flag Counter

Sunday, December 27, 2015

القصة الكاملة للعملة الأوروبية الموحدة (اليورو) - الجزء الثالث

هناك دول لم تنضم للوحدة النقدية الأوروبية وإن كانت عضوة في الإتحاد الأوروبي ومنها السويد والدانيمرك وبريطانيا حيث تم رفض اليورو عند عرض القضية في إستفتاء شعبي وبريطانيا تهدد حاليا بالإنسحاب من الإتحاد الأوروبي في حال عدم إدخال إصلاحات إقتصادية وإصلاحات في مجال الهجرة. إن الشكوك التي تبديها تلك الدول بخصوص الوحدة النقدية الأوروبية المتمثلة باليورو قد تكون مزيجا بين الكبرياء القومي, نوعا من عقلية التفكيرة المحافظة في طبيعتها أو مجرد تحيز لعملتها الوطنية.
ولكن هل تعد معارضة تلك الدول للوحدة النقدية ممثلة باليورو مجرد حالة من الرهاب أو مجرد شكوك من الناحية العملية؟ هل منافع الوحدة النقدية مثل الشفافية ومنطقة تجارة أوروبية موحدة تعادل خسارة السلطة الحكومية المنفردة على السياسة المالية والإقتصادية؟
ألية أسعار صرف العملات الأوروبية(ERM) التي تم بواسطتها التمهيد للوحدة النقدية الأوروبية ممثلة باليورو كمحطتها النهائية كانت السبب في الكثير من الأزمات الإقتصادية خصوصا أزمة الكساد بين سنتي 1990-1992 حيث إرتفعت نسبة البطالة في الدول الصناعية. هناك الكثير من الشعور القومي في الدول الأوروبية خصوصا التي يعارض مواطنوها العملة الأوروبية الموحدة(اليورو) ولكن الكثير من الإنتقادات لها مصداقية إذا تم النظر إليها بطريقة عملية. قياس واحد للجميع(One Fits all) تعتبر سياسة خاطئة من وجهة نظر الكثيرين حيث أنه في المرحلة التي سبقت إقرار اليورو رسميا وأثناء العمل بألية أسعار الصرف فقد تم ربط أسعار صرف العملات الأوروبية المختلفة بالمارك الألماني المرتفع القيمة المتأثر بقوة ومتانة الإقتصاد الألماني مما يعني أسعار فائدة مرتفعة وتم تجاهل تلك السلبيات وتم العمل بالوحدة النقدية على الرغم من كل تلك التحذيرات.
أزمة الديون السيادية اليونانية هي أحد نتائج تجاهل السلبيات والتقليل من شأنها حيث أن إنخفاض أسعار الفائدة في السنين التي تلت تطبيق الوحدة النقدية الأوروبية قد أدى إلى توفر سيولة نقدية في بلدان ذات إقتصاد هامشي غير صناعي يعتمد على الزراعة والسياحة وبدون أي أجندات إقتصادية إصلاحية مما أدى لتوجيه تلك السيولة ليس في بناء قاعدة صناعية وتنويع مصادر الدخل القومي بل في أمور كمالية وهامشية كشراء الأصوات من قبل أحزاب سياسية فاسدة عن طريق وعود بوظائف ورفع غير مبرر لمعاشات التقاعد وتقليل ساعات العمل الأسبوعية مما أدى إلى إنخفاض الإنتاجية.
هناك مشكلة عدم ثقة تراكمت بسبب مايظنه الكثير من المواطنين الأوروبيين المعارضين ليس فقط للوحدة النقدية بل لفكرة الإتحاد الأوروبي بالمجمل أنه مجرد مؤامرة لسلب بلدانهم قرارها الوطني. الكثير من التصريحات من قبل مسؤولين أوروبيين تساهم في تعزيز مبدأ عدم الثقة. رئيس سابق للمفوضية الأوروبية كريس باتن(Chris Patten) صرح لصحيفة فاينانشيال تايمز بتاريخ 3\يونيو\2010 بأن إقرار سياسات غير شعبية في الإتحاد الأوروبي تتم بإتخاذ خطوات صغيرة بدون إثارة الضجة حولها ولا يتم ملاحظتها من قبل الناخبين ويتم لاحقا إتخاذ القرارات في مرحلة لاحقة وبشكل علني حيث لايتمكن جمهور الناخبين من تغييرها حتى عن طريق الديمقراطية والإنتخابات.
كان هناك حملة إعلامية ترويجية للوحدة النقدية الأوروبية حيث إستخدمت أساليب ضغط إعلامي في محاولة لدفع قطار اليورو خصوصا في البلدان المعارضة له. وزير الشؤون الأوروبية في مجلس الوزراء الإيطالي بيرون فاسينو(Piero Fassino) قد صرح سنة 1997 بأن الدول التي تنضم لليورو سوف تحجز لها مقعدا في دوائر صنع القرار الأوروبية وسوف يكون لها صوت مؤثر بينما الدول التي لم تقبل الإنضمام فسوف تفقد تأثيرها وتبقى على الهامش. وفي نفس السنة فقد صرح رئيس المفوضية الأوروبية (Jacques Santer) بأن الدول التي لم تقبل بالإنضمام للفريق الرابح عليها أن تفكر مليا في الثمن السياسي الذي سوف تتكبده لرفضها. حملة الضغط قد وصلت لذروتها بتلك التصريحات للذين كان يمهم أن يسير قطار اليورو في موعده دون تأخير على الرغم من كل المعوقات التي كانت تلوح في الأفق وتنذر بالأزمة التي وصلت ذروتها سنة 2010 ومازالت مستمرة حتى وقتنا الحالي.
أحد الوعود التي تم الترويج لها في إطار الحملة الإعلامية هي أن الدول التي تقبل بالعملة الأوروبية الموحدة(اليورو) سوف تكون جزاء من قوة إقتصادية عظمى, عملاق إقتصادي ومنطقة إقتصادية سوف تتجاوز في حجمها منطقة الدولار الأمريكي. بعد مرور عشرة سنوات على دخول اليورو رسميا حيز التنفيذ فقد تجاوز حجم إقتصاد الصين إقتصاديات ألمانيا, فرنسا وبريطانيا مجتمعة وإحتلت الإقتصاد الصيني المركز الثاني بعد الولايات المتحدة ويتوقع انه في سنة 2016 سوف يتجاوز الإقتصاد الأمريكي لتصبح الصين صاحبة أكبر إقتصاد على وجه الكرة الأرضية.
الكثيرون يعتقدون بل ومتأكدين من كون الغاية من إنشاء العملة الأوروبية الموحدة(اليورو) هي غاية نبيلة وفكرة جيدة لو أن تطبيقها كان بطريقة سيئة بل سيئة جدا حيث تم تجاهل تأثير الوحدة النقدية على الإقتصاديات الأضعف في الإتحاد الأوروبي وتلك كانت أخطاء تسببت لاحقا بمشاكل تضخمت بسبب عدم إيجاد حلول جذرية والإكتفاء بالترقيع.
حتى تتحقق الوحدة النقدية الأوروبية فلابد من حد أدنى من المعايير تتفق عليه مبدئيا الدول المشاركة في الإتحاد النقدي. تلك المعايير تتمثل بخمسة نقاط:
  • أن لا يتجاوز عجز ميزانية 3% من الناتج الإجمالي المحلي الإجمالي
  • أن لايتجاوز الدين العام(ليس السيادي) مانسبته 60% من الناتج المحلي الإجمالي
  • نسبة تضخم لاتتجاوز 1.5 مقارنة بالبلدان التي تمتلك أقل ثلاثة نسب تضخم بين دول الإتحاد
  • أسعار الفائدة طويلة المدى لاتتجاوز 2% من أقل أسعار الفائدة لثلاثة دول أعضاء في الإتحاد
  • أسعار صرف تتماشى مع نسب التقلب التي حددتها ألية أسعار الصرف التي مهدت لتطبيق الوحدة النقدية الأوروبية رسميا
المتفائلون بنجاح الوحدة النقدية الأوروبية يستندون في تفائلهم إلى أنها العملة الموحدة سوف تقضي على التلاعب بأسعار صرف عملات الدول التي تقبل باليورو وذالك في محاولة لإكتساب أفضلية إقتصادية على الدول الأخرى كما أنها سوف تؤدي إلى التحسن في إنسيابية البضائع بين الدول المشاركة مما سوف يؤدي إلى تقليص النفقات وزيادة الأرباح.
المشكلة أن الدول التي أثارت القلق في الفترة الإنتقالية التي سبقت تطبيق اليورو رسميا وأيضا في الفترة اللاحقة هي إيطاليا وبلجيكا ولاحقا ألمانيا وفرنسا خصوص في الفترة 2003-2004.
إن البرتغال واليونان كانتا تمتلكان نسبة عجز تجاري 7% و 3% على التوالي وعلى الرغم من ذالك فقد تم قبولهما بالإتحاد الأوروبي من دون أجندات إصلاحية واضحة في كلتا البلدين لتقليص نسبة العجز بما يتماشى مع قوانين الإنضمام للإتحاد الأوروبي والعملة الموحدة(اليورو).
بتاريخ 3\مايو\1998 تم الحكم من قبل الإتحاد الأوروبي بأن اليونان لم تسوفي شروط الإنضمام للوحدة النقدية الأوروبية حيث ذكر في تعليل القرار تضخم العجز في القطاع الحكومي. وبتاريخ 10\نوفمبر\1999 فقد قامت المفوضية الأوروبية بنقض القرار السابق وحكمت بأن اليونان يحق لها الإنضمام للوحدة النقدية الأوروبية لأنها إستوفت الشروط المطلوبة وهو القرار الذي لقي التأييد في الشهر اللاحق من قبل مجلس الوزراء الأوروبي. بتاريخ مارس 2000 أعلنت الحكومة اليونانية تقدمها بطلب رسمي للإنضمام إلى المرحلة الثالثة والنهائية من الوحدة الإقتصادية والنقدية الأوروبية حيث بدأ كل من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي بتحليل البيانات التي قدمتها الحكومة اليونانية لتقرير المستوى الذي وصلت إليه الجهود الحكومية في إستيفاء الشروط المطلوبة. كما قامت نفس الجهات بإعادة تقييم طلب السويد الذي حكم سابقا بأنه غير مستوفي للشروط المطلوبة في الموجة الأولى لضم الدول للوحدة النقدية والتي بدأت في 1\يناير\1999. قرار المفوضية الأوروبية الذي صدر خلال الشهرين التاليين وأرفق به تقرير البنك المركزي الأوروبي الذي تم إعتماده بتاريخ 27\أبريل\2000 حيث أوصت المفوضية الأوروبية بأن اليونان إستوفت الشروط المطلوبة لإنضمامها للدول التي تعتمد اليورو ورفع تقريره لمجلس الوزراء الأوروبي بخصوص عدم وفاء اليونان بشروط الوحدة الإقتصادية والإصلاحات المالية المطلوبة. المفوضية الأوروبية أوصت بإستثناء اليونان من تلك الشروط في المرحلة الحالية بداية من تاريخ 1\يناير\2001. البرلمان الأوروبي صادق على تقرير المفوضية الأوروبية بتاريخ 18\مايو\200.
الحقائق بدأت تتضح لاحقا حيث أن إعتراض المفوضية الأوروبية حصريا كان على الفقرة المتعلقة بالدين العام لليونان الذي تجاوز 60% من الناتج المحلي الإجمالي ولكنه تم الإستعانة بالفقرة 104C-B من إتفاقية ماستريخت والتي لاتشترط بلوغ الدين العام للدول الراغبة في الإنضمام للإتحاد الأوروبي النسبة المطلوبة لحظة الموافقة على إنضمامها بل إمتلاكها خطة واضحة لتخفيضه في المستقبل القريب. إن ذالك يؤكد أن القبول بإنضمام اليونان للإتحاد الأوروبي هو ليس إلا قرار سياسي وليس إقتصادي.
إن الحقائق حول نسبة العجز التجاري الخاصة باليونان لم تبدأ بالظهور حتى إنتخابات 2009 حيث أعلن حزب (Pasok) والذي كان رئيسه (George Papandreou) يشغل منصب رئيس الوزراء بأن النسبة الحقيقية للعجز في الميزانية مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي هي في الحقيقة 12% وليس 6% كما تم التصريح حين تقديم اليونان طلبا للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي وكان ذالك البداية الحقيقية للأزمة.
الحكومة اليونانية قامت بتقديم بيانات مضللة متعلقة بميزانيتها ونسبة العجز مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي ولم تكن مضطرة لتقديم بيانات الموازنة السنوية للهيئات المالية المركزية الأوروبية للموافقة عليها كما أصبح من المطلوب في مرحلة لاحقة من أجل ضمان إلتزام الدول العضوة في الإتحاد بشروط الوحدة النقدية.
في تمام الساعة 12 صباحا سنة 2002 فقد تم رسميا إطلاق اليورو للتداول وأصبح متوفرا بين أيدي المواطنين الأوروبيين وفي ماكينات الصراف الألية للبنوك المختلفة في 12 بلدا أوروبيا. سكان جزيرة (Reunion) الفرنسية في المحيط الهادي هم اول من تمكن من تداول اليورو ثم فنلندا واليونان في أوروبا وباقي الدول الأوروبية العضوة في الإتحاد النقدي الأوروبي بفرق ساعات قليلة حيث تمت عملية بداية التداول بنجاح وسلاسة وإرتفعت قيمة اليورو مقابل الدولار بمجرد أن زالت المخاوف من تعقيدات من المحتمل أن  تواكب عملية إطلاق العملة الأوروبية الموحدة.
الإحتفالات عمت أنحاء أوروبا خصوصا أمام مكاتب البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت وأصبح تاريخ 01\01\2002 إلى رمزية تاريخية في كتب التاريخ كونه كان اليوم الذي شهد خطوة رئيسية نحو عملية التكامل الأوروبي والوحدة الأوروبية فهل سوف يحافظ اليورو على مكانته خصوصا مع ظهور تكتلات عالمية جديدة بالتأكيد لن يكون اليورو عملتها الإحتياطية ولا الدولار الذي يفقد مركزه تدريجيا؟
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية










No comments:

Post a Comment