إن اليورو ليس شأنا إقتصاديا على الإطلاق. إنه خطوة سياسية مطلقة...الميزة التاريخية لليورو هي قيام إقتصاد عالمي ثنائي القطب. أقطابه هي الدولار واليورو. إن ذالك هو المعنى السياسي للعملة الأوروبية الموحدة. إنها خطوة سوف يكون ورائها خطوات أخرى. اليورو ليس عبارة إلا عن مقدمة.
روماني برودي - رئيس المفوضية الأوروبية في حديث لمحطة السي إن إن
1\1\2002
بتاريخ 9 مايو 1950 قام وزير الخارجية الفرنسي روبرت شومان(Robert Schuman) بإلقاء خطاب في مجموعة من الزعماء الأوروبيين يحوي مجموعة نقاط متعلقة بالتعاون الإقتصادي الأوروبي ومنع الحروب بين الدول الأوروبية حيث سمي بإعلان شومان(Schuman) ويمكن تلخيص أهدافه بالنقاط التالية:
- الحروب بين الدول الأوروبية يجب أن تكون ليس فقط غير وارد التفكير فيها ولكن من المستحيل ماديا القيام بها
- لتشجيع السلام العالمي
- عملية توحيد أوروبا بما فيها أوروبا الشرقية يجب أن تتم خطوة بخطوة
- إنشاء وكالة معنية بمنع قيام التكتلات الإحتكارية على المستوى العالمي
- قيام سوق أوروبي موحد
في سنة 1951 قامت ستة دول أوروبية وهي فرنسا, ألمانيا الغربية, اللوكسمبورغ,هولندا, إيطاليا وبلجيكا بتأسيس مجموعة الفحم والصلب والتي كانت نوعا من توحيد السياسة التي تحكم المصادر الطبيعية المتوفرة في تلك البلدان وإستخدامها للمنفعة الجماعية بدلا من الحروب حيث أن الفحم والصلب من أهم الموارد اللازمة لإنتاج الأسلحة.
الهدف من مجموعة الفحم والصلب كان إنشاء لبنة صلبة يتم البناء عليها فيما بعد لتأسيس الولايات المتحدة الأوروبية بعملة واحدة وحكومة واحدة. إن مصداقية المزاعم التي تم بناء عليها تأسيس الإتحاد الأوروبي مازالت موضوع نقاش وجدال كما ان الحاجة الحقيقية لعملة موحدة تعد أمرا مشكوكا فيه خصوصا بعد توسع الإتحاد الأوروبي من 6 دول إلى 27 دولة في العقد الأول من الألفية الجديدة.
في سنة 1957 تم إطلاق المجموعة الإقتصادية الأوروبية خلال إجتماع روما بين الدول الستة التي سبق لها تأسيس مجموعة الفحم والصلب حيث تم الإعلان عن المبادئ الأولية للسوق الحرة الأوروبية وحرية تنقل الأشخاص بين دول الإتحاد الأوروبي. تلك المبادئ تم تعزيزها سنة 1987 بإصدار القانون الأوروبي الموحد الذي أصبح واقعا في 01\كانون الثاني\1993 بإطلاق السوق الأوروبية الموحدة والتي مكنت الشركات الأوروبية من التعامل مع جميع دول الإتحاد كأنهم سوقهم الوطني وذالك بإلغاء ثلاثة قيود وهي: الحواجز الغير جمركية, الضوابط الجمركية المادية, المعايير التقنية المختلفة والمستويات الضريبية.
تقرير الإتحاد الأوروبي لسنة 2002 ذكر أن إرتفاع مستوى التجارة في مجال الخدمات بلغ 362 مليار يورو مقارنة بمبلغ 194 مليار يورو في الفترة التي سبقت سنة 1993. كما ان التجارة والصناعة قد إرتفعت من 670 مليار يورو إلى 1تريليون يورو تقريبا خلال نفس الفترة الزمنية. نفس التقرير ذكر مجموعة من العقبات والحواجز خصوصا في المجال الإقتصادي مازالت قائمة وأوصى برفع تقرير بخصوصها لإتخاذ الإجرائات اللازمة.
وزير الخارجية الفرنسي روبرت شومان ذكر في خطابه أن إكتمال عقد الإتحاد الأوروبي وتحوله إلى واقع يتطلب إزالة الخلاف التقليدي بين ألمانيا وفرنسا وهما أكبر قوتين في الإتحاد الأوروبي. الدولتان سبق أن خاضتا ثلاثة حروب, إثنتان منهما تحولتا لحرب عالمية حيث تم إحتلال فرنسا من قبل الجيش الألماني خلال الحرب العالمية الثانية.
الخلاف بين ألمانيا وفرنسا بقي متجذرا بطريقة أو بأخرى حتى لو كان من خلال الساحات الدبلومساية وليس ساحات المعارك حيث أنكر قصر الإليزيه الفرنسي سنة 2010 في ذروة الإختلاف حول أزمة الديون السيادية اليونانية تصريحات للرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي بخصوص إنهاء جميع الروابط مع ألمانيا وحتى الإنسحاب من الإتحاد الأوروبي وتشكيل تحالف أوثق مع دول مثل إسبانيا وإيطاليا.
بحلول سنة 1970 تحولت ألمانيا إلى أكبر قوة صناعية وتصديرية في أوروبا متجاوزة بريطانيا التي خسرت أغلب مستعمراتها السابقة وباتت تواجه مشاكل داخلية متعلقة بإيرلندا وإنخفاض قيمة الجنيه الإسترليني والكساد الإقتصادي.
المطالبات التي قامت عليها الأسس والقواعد الراسخة والتي ساهمت في إخراج اليورو إلى حيز الوجود ظهرت واضحة خلال معاهدة ماستريخت(Maastricht) سنة 1991 ولكن ذالك ليس وليد اللحظة حيث صرح وزير الخارجية الفرنسي روبرت شومان بضرورة الوحدة النقدية الأوروبية كما أن الإقتصادي الفرنسي البارز (Jacques Rueff) بأن الإتحاد الأوروبي سوف يكون من خلال الوحدة النقدية أو لن يكون أبدا.
بداية سنة 1960 بدأت الخطوات الفعلية نحو الوحدة النقدية الأوروبية ولكن كان هناك عقبات حيث كان العمل بموجب إتفاقية بريتون وودز مازال ساري المفعول وكانت هناك تشريعات تحد من حرية حركة رأس المال بين الدول الأوروبية. وحتى لو تم إخراج اليورو إلى حيز الوجود في الفترة الزمنية التي سبقت سنة 1970 لكان مصيره الإنهيار حيث أن الدولار الأمريكي مرتبطا بالمعيار الذهبي ومعترف به كعملة إحتياطية عالمية.
مدينة Hague الهولندية شهدت سنة 1969 مؤتمرا أوروبيا أقر لأول مرة وبشكل رسمي الخطوط العريضة لوحدة إقتصادية ونقدية أوروبية خصوصا مع إشتداد حرب فيتنام وتضعضع مركز الدولار الأمريكي وإنخفاض قيمته. الخطة كانت مدتها عشرة سنين ولكنها تعرضت لمجموعة صعوبات في تنفيذها خصوصا بسبب حرب سنة 1973 والحظر النفطي الذي تلاه إرتفاع هائل في أسعار كافة السلع والخدمات. سنة 1971 حيث تم رسميا إلغاء إرتباط الدولار الأمريكي بالذهب وبالتالي إلغاء إتفاقية بريتون وودز فإن حصول جولة جديد في من التقلبات في أسعار العملات وقف أيضا عائقا حيث إرتفعت قيمة الدوتشمارك(Deutschmark) أو المارك الألماني في مقابل الفرنك الفرنسي والجنيه الإسترليني.
الأفعى(The Snake) هي التسمية التي أطلقت على محاولة تنظيم أسعار الصرف بهامش 2.25% في الدول التي من المفترض أنها سوف تشكل الإتحاد الأوروبي عند الإعلان عنه رسميا حيث إنضمت أيرلندا, بريطانيا والدانيمرك للوحدة النقدية والأوروبية المفترضة. السبب الرئيسي لمحاولة تنظيم أسعار الصرف هو إلغاء أي منافسة غير عادلة تكتسبها مكاتب تصديرية وصناعية أو أفرع لها يتم تأسيسها في الدول الأوروبية الصغيرة لإكتساب أفضلية تصديرية بسبب فرق سعر صرف العملة. ولكن مع حلول سنة 1977 وإنسحاب عدد من الدول من محاولة تنظيم أسعار الصرف للعملات(الأفعى) حيث تحول الإتحاد الأوروبي إلى منطقة سيادة شبه مطلقة للمارك الألماني.
النظام النقدي الأوروبي خرج إلى حيز الوجود سنة 1978 على إثر إجتماع بين المستشار الألماني هيلموت شميت والرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديكسان والذي شمل ألية تضمن التقليل من التقلبات في أسعار الصرف وتضييق هامش المناورة في الفروقات بين أسعار صرف العملات لمنع التلاعب والمضاربات. ولكن إنتخاب فرتنسوا ميتران في فرنسا سنة 1981 قد وضع إستمرار تلك الإتفاقية على المحك حيث أن الرئيس الفرنسي الجديد تم إنتخابه بناء على أجندات إشتراكية وحكومته كان تحتوي أعضاء فاعلين في الحزب الشيوعي الفرنسي حيث ساهمت السياسات التي تم إقرارها في تلك الفترة بتقييد الحركة التجارية وإضعاف الإقتصاد.
برنارد كونولي(Bernard Connolly) العضو السابق في المفوضية الأوروبية إنتقد السياسة النقدية الأوروبية بمرارة ووصفها بكونها ألية مسؤولة عن أزمات مالية متفرقة وتقلبات في أسعار الصرف لايمكن التنبئ بعواقبها. الكثيرون توقعوا أنه مع إستمرار السياسات المالية الخاطئة فإن ذالك سوف يؤدي إلى تفكك الإتحاد الأوروبي خصوصا مع أزمة ديون سيادية في أكثر من بلد أوروبي مثل اليونان, إسبانيا, إيطاليا وإيرلندا والسؤال هو عن حجر الدومينو الذي سوف يكون السبب في تساقط باقي الأحجار؟
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment