Flag Counter

Flag Counter

Friday, June 30, 2023

الصومال, الفردوس الإفريقي المفقود

كان الصومال قبل أن تمزِّقَ الدول الإستعمارية أوصاله وتبعثر أشلائه ويغرق في بحر الدماء والصراعات القبلية, العشائرية والسياسية دولة قوية وغنية ويطلق عليه لقب "سويسرا إفريقيا." ثراء أهل الصومال بسبب موقعه الحيوي على مفترق طرق التجارة ووفرة مواردها الزراعية والسمكية حيث يمتلك شواطئ على المحيط الهندي, البحر الأحمر وخليج عدن. كان أهل الصومال يمارسون الزراعة, صيد الأسماك و رعاية الماشية. كان الصومال بلدا غاية في الثراء حتى أن الصوماليين كانوا يتبرعون بأموال الصدقات الى فقراء السعودية.

الصومال ليس بلدا كان يعيش على هامش التاريخ بل له جذور غاية في العمق. الصوماليون تصدوا بقيادة أحمد بن إبراهيم الغازي في القرن السادس عشر للبرتغاليين الذي كانوا يحاولون الوصول الى مكة ونبش قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وتمكنوا من هزيمة البرتغاليين في معركة وفلة ٢٨/أغسطس/١٥٤٢ وقتلوا القائد البرتغالي كريستوفاو دي غاما وهو إبن القائد البرتغالي المجرم فاسكو دي غاما. كما أنَّ الصوماليون بقيادة أحمد بن إبراهيم الغازي نجحوا في الإستيلاء على مناطق واسعة من الحبشة(أثيوبيا) المسيحية.

ولكن الدول الاستعمارية عملت على مبدأ فرق تسد في تقسيم الصومال خلال الفترة التي سبقت الإستقلال حيث ضمَّت أجزاء منه الى أثيوبيا(أوغادين) و كينيا. وقد كانت الدول الإستعمارية في بداية تواجدها في المنطقة في القرن التاسع عشر إحتلَّت كل منها منطقة من مناطق الصومال: فرنسا سيطرت على ميناء جيبوتي والمناطق المحيطة به(الصومال الفرنسي), بريطانيا إحتلَّت المناطق الشمالية من الصومال حتى تضمن إستمرار تزويد مستعمرتها في عدن بالمؤن, إيطاليا بسطت نفوذها على العاصمة مقديشو والمناطق المحيطة بها ولاحقا ضمت أجزاء من المناطق الجنوبية الى كينيا التي كانت مستعمرة بريطانية و منطقة أوغادين في الجنوب الى أثيوبيا.

الصومال كان أحد بلدان إفريقيا المميزة بسبب تجانسها سكانها الذين يعتنقون الدين الإسلامي ويتحدثون اللغة العربية وتجمعهم ثقافة مشتركة حيث يعمل أهل الصومال بشكل رئيسي في رعي الماشية. ولكن في الوقت نفسه فإن الصومال كان ضحية التجاذبات القبلية والحرب الباردة حيث الصراع بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي.

الإستقلال لم يكن إلا بداية الطريق في بناء الدولة وقد كانت بداية متعثرة. الصراع القبلي في الصومال أدى الى سيطرة محمد سياد بري على السلطة في انقلاب عسكري سنة ١٩٦٩ وأعلن عن تطبيق الإشتراكية في الصومال حيث أمَّم المصارف والمصانع والشركات وطبَّق قانون الإصلاح الزراعي. ولكن الصراع مع إثيوبيا على منطقة أوغادين والذي حقَّقَت فيه القوات الصومالية إنتصارات حاسمة في البداية قد أدى الى تحول جذري في العلاقة بين الصومال والإتحاد السوفياتي والذي تغير موقفه مع مرور الوقت الى دعم أثيوبيا التي تمكنت من تحقيق الإنتصار بدعم من كوبا والإتحاد السوفياتي.

إنَّ هزيمة القوات الصومالية في أوغادين كانت بداية إنزلاق الصومال الى فوضى الصراع والحرب الأهلية لأن الصوماليين كانوا يتوحدون ضد عدو خارجي وبعد زوال خطر ذلك العدو, يبدأون في القتال بين بعضهم. الصومال تم تقسيمه بشكل رئيسي بعد هزيمة قوات محمد سياد بري وفراره بين شخصين, الأول هو محمد فرح عيديد أحد ضباط الجيش الذي لعب دورا رئيسيا في الإطاحة بحكم محمد سياد بري, بينما الشخص الآخر هو علي مهدي محمد أحد السياسيين وكبار تجار الصومال.

سنة ٢٠٠٦ نجح تحالف قبلي تحت مسمى اتحاد المحاكم الإسلامية في طرد أمراء الحرب المدعومين من الولايات المتحدة والسيطرة على العاصمة الصومالية مقديشو وإنهاء فوضى أمراء الحرب والاقتتال الداخلي وفرض الأمن. الولايات المتحدة سارعت الى التدخل عسكريا في الصومال من خلال دعم الجيش الأثيوبي الذي نجح في إسقاط المحاكم الإسلامية في نهاية سنة ٢٠٠٦. إنتماء اتحاد المحاكم الإسلامية الى تنظيم القاعدة كان هو السبب المعلن في عملية التدخل العسكري الإثيوبي الذي دعمته الولايات المتحدة والذي أدى الى ظهور تنظيم أكثر تطرفا حتى من القاعدة وهو حركة الشباب الصومالية التي بايعت تنظيم القاعدة وأعلنت موالاتها له.

الصومال يعاني حتى يومنا هذا من التقسيم والتجزئة والشرذمة الى عدة دويلات وسيطرة أمراء الحرب وانعدام الأمن. العاصمة الصومالية تعتبر الكثير من مناطقها غير آمنة ولايمكن التنقل فيها بدون مرافقة أمنية مسلحة. الفنادق والدوائر الحكومية وغيرها من المنشآت تخضع الى حراسة أمنية مكثفة ودوريات أمنية على مدار الساعة.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment