إن مخطط الشرق الأوسط الكبير قد لقي معارضة واسعة من قبل عدد من الدول في المنطقة خصوصا مصر والمملكة العربية السعودية التي أدركت القيادة السياسية في كلا البلدين حساسية الموقف خلال تلك المرحلة. إن ذلك المخطط الشيطاني كان أكبر من أن يتم إختصاره وفق مسميات والتي إن اختلفت, يبقى الهدف هو نفسه, التقسيم والتجزئة. المخطط كان سوف يشمل جميع الدول الإسلامية من أفغانستان الى المغرب. إن مخطط الشرق الأوسط الكبير كان مستوحى من النجاح الذي حققته الولايات المتحدة في تفكيك حلف وارسو وابتلاع بلدانه الواحد تلو الآخر ضمن إطار حلف الناتو واتفاقيات التجارة الحرة, الولايات المتحدة كانت تخطط لتحويل الشرق الأوسط الى منطقة تبادل تجاري مع الولايات المتحدة حيث كان ذلك محور نقاش ورقة بحثية أمريكية بعنوان (G8-Greater Middle East Partnership) خلال مؤتمر الدول الصناعية الثمانية(G8) الذي عقد بتاريخ (8-10 يوليو). صحيفة الحياة اللندنية نشرت نسخة مسربة من تلك الوثيقة مما أثار عاصفة واسعة من الإحتجاج في دول عربية ضد الولايات المتحدة.
إن معاهد الأبحاث والنخب السياسية الأمريكية على إختلاف توجهاتها لم تكن تخفي نواياها العدوانية منذ سنة 1996 في إسقاط النظام العراقي, تكثيف العمليات العسكرية ضد المقاومة الفلسطينية وضرب قوات الجيش السوري في لبنان وصولا الى شن هجمات داخل سوريا نفسها. المملكة العربية السعودية ومصر عارضتا بشدة المخططات الأمريكية مما أدى الى تأجيلها حتى يحين الوقت المناسب. الموقف الأمريكي سنة 2010 كانت أضعف بينما الصين كانت تزداد قوة. ولذلك, قررت الإدارة الأمريكية المخاطرة ببدء عملية واسعة لتغيير الأنظمة الحاكمة في عدد من الدول الإسلامية والعربية دفعة واحدة.
بعد نجاح ثورة الياسمين في تونس بدأت الأحداث في مصر بدعوى للاضراب والاعتصام يوم 25/يناير/2011 تحت مسمى يوم الغضب والتي دعا إليها منظمة تدعى "حركة 6 أبريل" والتي يرأسها مهندس مصري عمره 29 عاما ويدعى أحمد ماهر. التحركات كانت منظمة وقوية الى درجة دفعت الرئيس المصري الى إقالة الوزارة وتعيين عمر سليمان, رئيس جهاز المخابرات المصري السابق, نائبا للرئيس. الهيئة الوطنية لنشر الديمقراطية(NED-National Endowment for Democracy) ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الغير حكومية التي ساهمت في الثورات الملونة في جورجيا وأوكرانيا كانت تبحث عن إسم براق ليتم من خلاله تلميع الثورة الملونة في مصر ومنحها وهجا إعلاميا, كفاية(Enough) هو الإسم الذي تم اختياره وهو نفس الإسم الذي تم اختياره ليطلق على ثورة الورود في جورجيا(Kmara) وتعني بالعربية كفاية. الولايات المتحدة كانت متورطة حتى النخاع في دعم الثورات الملونة من خلال معهد ألبرت آينشتاين والذي يعتبر مؤسسة اليهودي الأمريكي جين شارب أحد الدعاة الى تغيير أنظمة الحكم عن طريق منهجية اللاعنف, منهجية حق يراد بها باطل حيث سوف يتم اللجوء الى العنف بشكل متعمد في حال لم تخضع تلك الأنظمة للإملائات الأمريكية. ممثلون عن معهد ألبرت أينشتاين كانوا متواجدين في ساحة تيانانمن في الصين خلال الأيام التي سبقت الإحتجاجات. حركة كفاية والتي كان يطلق عليها سابقا (الحركة المصرية للتغيير) تم تأسيسها سنة 2004 أثناء اجتماع في منزل أبو العلا ماضي مؤسس وأمين عام حزب الوسط الإسلامي الذي يعتبر واجهة لحركة الإخوان المسلمين. حركة كفاية دعمت ترشيح محمد البرادعي في إنتخابات 2011 الرئاسية في مصر.
مركز راند للأبحاث والذي يتبع اليمين الأمريكي المحافظ نشر دراسة عن حركة كفاية سنة 2008 بعنوان "The Kefaya Movement: A Case Study of a Grassroots Reform Initiative" برعاية مكتب وزير الدفاع, هيئة الأركان المشتركة, قيادة البحرية وعدد من الوكالات الأمنية في الولايات المتحدة. ويمكن تلخيص أهم نقاط الدراسة فيما يلي:
- الولايات المتحدة كانت مهتمة بالديمقراطية في الوطن العربي وقد ازداد ذلك إثر أحداث 11/سبتمبر.
- الولايات المتحدة عملت حتى في حالات التدخل العسكري في الوطن العربي على بناء مؤسسات ديمقراطية.
- الحركات الإصلاحية مثل "حركة كفاية" سوف تبقى الوسيلة الأفضل لبناء المؤسسات الديمقراطية في بلدانها الأم.
إن مركز راند للأبحاث قد درس بعمق طرقا غير تقليدية لتغيير الأنظمة منها أسلوب(Swarming) الذي تعتمد على مجموعة كبيرة من الأشخاص الذي ينسقون فيما بينهم عبر شبكات التواصل الإجتماعي حيث ينظمون مظاهرة وسرعان ما يختفون ليظهروا في مكان آخر. الولايات المتحدة كانت تقدم الدعم الى منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الغير حكومية مثل "كفاية" من خلال مؤسسة التنمية الدولية(USAID) ومؤسسة التنمية التابعة للأمم المتحدة خصوصا في مجال الدعاية والبروباغندا وفي مجال الإستخدام الأمثل لشبكات التواصل الإجتماعي. إن شكوك الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك حول موقف الولايات المتحدة من نظام حكمه لها شواهد عدة, أحدها أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون قد اجتمعت في مايو/2009 قبل سفر الرئيس باراك أوباما الى القاهرة مع عدد من الناشطين المصريين برعاية منظمة فريدوم هاوس التي يمولها الملياردير جورج سوروس. اللقاء كانت على هامش إنتهاء دورة تدريبية على الديمقراطية مدتها شهران بتمويل من رجل الأعمال الذي عرف بتقديمه الدعم للثورات الملونة بداية من صربيا, جورجيا, أوكرانيا وليس إنتهاء بمصر.
النهاية
No comments:
Post a Comment