تدور الدراما العربية حول الحمى تحاول أن لا تقع فيه, هذه حالة الدراما العربية التي تحاول عبر إستخدام التورية والإستعارات في محاولة للإقتراب قدر الإمكان من القصة الواقعية بدون الوقوع في مصيدة أجهزة الرقابة الحكومية أو حتى الرقابة المجتمعية الغارقة التي مازالت غارقة في التركة الإستعمارية القائمة على الجهل والتخلف الفكري. والحقيقة أنني مستغرب عن عدم إنقراض ما يسمى أجهزة الرقابة على المصنفات الفنية وحتى الكتب والمؤلفات حيث إنقرضت في أغلب أنحاء العالم وإن كان ذالك في الظاهر. ففي معارض الكتاب التي تقام في أي بلد عربي, هناك قائمة طويلة بعشرات إن لم تكن مئات الكتب المحظورة والتي سوف يتم مصادرتها فورا إن وجدت وربما إغلاق جناح الجهة الناشرة وطردها من المعرض وتداول إسمها في قائمة سوداء لمنع مشاركتها في معارض مستقبلية. المثير للشفقة أن أغلب الكتب الممنوعة من الممكن شراء نسخ إلكترونية منها أو حتى تنزيلها من مواقع منتشرة في الشبكة العنكبوتية.
أجهزة الرقابة الحكومية مشغولة بكتاب أو بمقال في صحيفة أو موقع إلكتروني تلاحق كاتبه أو قد تقتحم مبنى صحيفة للبحث في خوادمها عن صاحب تعليق لم يعجب أحد المسؤولين فإعتبره قذفا وتهجما. في دولة عريقة كمصر, الأزهر يمارس الرقابة على المؤلفين والمثقفين ويصدر توصيات أو هي قرارات ملزمة تحمل صيغة التوصية بمنع كتاب من الصدور أو محاكمة كاتب بتهمة الردة عن الدين الإسلامي أو التعدي على الذات الإلهية. حتى فيلم الرسالة للمخرج السوري العالمي والمبدع مصطفى العقاد تم منع عرضه في مصر ومازال ممنوعا من العرض بحسب علمي حتى يومنا هاذا. المثير للإستغراب عند البعض ممن لم يفهم دور المؤسسة الدينية أو حتى أجهزة الرقابة الحكومية أننا لم نسمع إلا أصواتا هنا أو هناك عند عرض مسلسل عمر إبن الخطاب على الرغم من أن فيه تجسيد للصحابة بل وبصورة سيئة جدا وضعيفة من الناحية الدرامية فأين تبخرت الفتاوي الدينية التي تحرم تجسيد الصحابة.
إن تلك الإزدواجية في المعايير ليست محصورة بالمؤسسة الدينية فحتى أجهزة الرقابة الحكومية مصابة بالحول والرمد وكل الأمراض المتعلقة بالمعايير التي يحكم بناء عليها على الأعمال الدرامية وكل ما يتعلق بالفن بشكل عام. حاسة التذوق الفني عندهم تساوي صفرا والأعمال الفنية يحكم عليها بالسماح أو عدمه بناء على معايير سياسية. الدراما التلفزيونية العربية مليئة بقصص عن زنا المحارم وعقوق الوالدين والغدر والخيانة بين الإخوة والأهل بطريقة مخجلة تجعل التسائلات عن دور أجهزة الرقابة الحكومية أمرا ملحا. شهر رمضان والذي هو من المفترض أنه شهر عبادة ومع ذالك لم تخجل المحطات الفضائية العربية والمنتجين بطرح كل أنواع الأعمال الفنية التي تمتلئ بكل القيم المنحطة والساقطة والأزياء الخادشة للحياء وكأنهم إستكثروا على المشاهدين شهرا واحدا يصومون فيه عن الطعام والشراب وسفالة المنتجين وإنحطاط المحطات الفضائية والتلفزيونية الفكري. أجهزة الرقابة الحكومية لا حديث لها إلا عن فستان هيفاء وهبي وفيلمها حلاوة روح وغناء إليسا بالشرشف وفيلم حين ميسرة بينما تتغاضى عن أفلام واعمال أخرى أكثر سفالة لأن القضية هي خيار وفقوس.
في جميع الدول التي تحترم نفسها وتحترم مواطنيها ولديها نوازع أخلاقية وإن كان بالحد الأدني, لا يتم بث تلك النوعية من الأفلام والمسلسلات إلا في أوقات متأخرة أو يتم وضع تحذير مسبق متعلق بمحتوى الفيلم أو المسلسل كأنه يتضمن ألفاظا خادشة للحياء أو أنه غير مناسب لمن دون سن معين, +18 أو +16. في الوطن العربي, أجهزة الرقابة الحكومية والمنتجين والممثلين ونقابات الفنانين لا تحترم المشاهد والمتابع ولا يهمها إلا الأرباح وعائدات الإعلانات. فكلما إزدادت السفالة والمشاهد المنحطة, كلما زادت نسبة المتابعة وزادت عائدات الإعلانات. وبعد أن إنتقلت تلك العدوى من السينما المصرية إلى باقي الوطن العربي حيث أصبحت تلك المشاعدة عادية وروتينية, ثلاثة أرباع المسلسل أو الفيلم يتم تصويره في غرفة النوم على وقع مشاهد التعري والزنا مع التركيز على زنا المحارم.
إن الحديث على الأثار السلبية لتلك النوعية من الفن الهابط تحتاج إلى مجلدات للحديث عنها ولكن أضرارها على المجتمع لا تخفى على أحد خصوصا نشوء جيل جديد متمدن ومتعصرن بحسب وجهة النظر الغربية ليس لديه مشكلة في أن يخون زوجته مع أمها(حماته) أو أن يلعب الشاب والفتاة تحت السرير فالمهم هو أن يحافظ عليها. إن شر البلية ما يضحك فأجهزة الرقابة ونقابات الفنانين مشغولة بفنانة إستعراضية كهيفاء وهبي أصبحت ممنوعة من دخول دول عربية أو الغناء فيها أكثر من المعارضين السياسيين وتثور أعاصير مدمرة عند الإعلان عن حفلة للمطربة إليسا ويتم التذكير بغنائها بالشرشف وفي على السرير. بل ووصل الأمر للقتل حيث يشاع على نطاق واسع أن جريمة قتل الفنانة السورية شيندا خليل في الدانيمرك على يد شقيقها لها علاقة بمشاهدها في مسلسل الندم وليس أنه إرتكب جريمته وهو في حالة غياب ذهني بسبب تعاطيه المسكرات. الذريعة التي يتم بموجبها منع حفلات هذه المطربة أو تلك المغنية او إتهام هذه الراقصة بأنها ترتدي بدلة خليعة هو الحفاظ على الأخلاق العامة من الإنحلال بينما تبث الفضائيات وأحيانا المحطات المحلية مسلسلات وأفلام منتجة محليا +18 ولا تقوم بالحد الأدنى أخلاقيا وهو وضع شارة تحذيرية تتعلق بمحتوى المشاهدة.
أين أجهزة الرقابة على المصنفات الفنية الحكومية ونقابات الفنانين والمنتجين التي جعلت همها الأول والأخير ملاحقة فنانات الشرشف وغرف النوم بينما يتركون مشاهد الشرشف وغرف النوم وزنا المحارم تتسلل إلى البيوت والمنازل من خلال الشاشة الفضية التي تحولت من رفاهية إلى, وللأسف, سلعة ضرورية في كل منزل. إن مهمة تلك المحطات الفضائية والتلفزيونية هي الإرتقاء بمستوى المشاهد بمحتواها الراقي ولكن الذي يحصل للأسف هو العكس حيث أصبحت تلك المحطات تهبط بمحتواها لمستويات لم يمكن تخيلها قبل ذالك فتبث كل محتوى جنسي ورخيصة للحفاظ على نسبة المشاهدة والأهم على عائدات الدعاية والإعلان.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment