ليس من الضروري أن تحب أو تكره أو حتى تسمع كل مايقال أو يكتب عن كارل ماركس وشيوعيته أو تشارلز داروين وإلحاده المزعوم فهي ليست إلا نظرية روجتها الكنيسة التي تعارض توجهاته العلمية. كتاب أصل الأنواع من أفضل الكتب التي كتبت في ذالك المجال كما أن تشارلز داروين كان متمكنا بطريقة مدهشة من اللغة الإنجليزية كتابة من ناحية إستخدام المصطلحات وأسلوب التعبير وأضيف إلى كل ذالك أنه لم يكن ملحدا بل ويعترف بالله والخلق ومن يقرأ مقدمة كتاب أصل الأنواع سوف يكتشف في الصفحات الأولى منه عدم صحة تلك النظريات التي نسخها رجال الدين المسلمون من دون أن يفتحوا صفحة واحدة من ذالك الكتاب. منذ بضعة سنين هناك الكثير من المطالبات بالديمقراطية وحرية الرأي والتعبير حيث إزدادت وتيرتها مع مايعرف بالربيع العربي وتم الترويج له إعلاميا تحت ستار مصطلح الفوضى الخلاقة ولكن من يزرع فوضى لا يحصد إلا فوضى. تلك قاعدة معروفة فلا يخدعكم أحد بفكرة القائد المخلص الذي سوف يخرج من بين ركام الأوطان المحطمة فتلك كانت مهمة الأنبياء وزمن الانبياء قد إنتهى.
في كتابها خيارات صعبة وصفت هيلاري كلينتون متظاهري ميدان التحرير بأنهم كانوا مدفوعين بواسطة وسائل التواصل الإجتماعي وتناقل الأخبار المتعلقة بالمظاهرات شفاهةً بدلا من كونهم منتمين لحركة معارضة متماسكة. كما أنها في موقع أخر من الكتاب ذكرت فيه أنه عقب لقائها مع نشطاء وطلاب ممن لعبوا دورا في تنظيم المظاهرات والإعتصامات خصوصا في ميدان التحرير حيث كان لديها فضول لمعرفة وجهة نظرتهم حول كيفية التحول من حركة معارضة لحركة سياسية والتأثير فيما يتعلق كتابة الدستور القادم والمشاركة في الإنتخابات, أن أولئك الطلاب والناشطين لم يمتلكوا أي وجهة نظر فاعلة وليس لديهم أدنى فكرة عن المشاركة في الإنتخابات وأنهم لا يملكون أي نوع من التأثير. والسؤال هنا من أسقط الأنظمة في تونس ومصر وليبيا ويحاول إسقاط النظام في سوريا إذا كان المسؤولين عن القيام بعبئ تنظيم المظاهرات والإضرابات والإعتصامات على ذالك المستوى من الجهل وعدم إمتلاكهم أي رؤية للخطوة التالية؟ وهل الهدف هو إسقاط الأنظمة أم إسقاط البلدان وتخريبها؟
هناك من يتهم أنظمة الحكم في الدول العربية بتجهيل الشعوب وتلك وجهة نظر قد تكون صحيحة إلى درجة معينة ولكن إلقاء الملامة كاملة على الحكومات فيه مجانبة للواقع لأن المكتبات موجودة ومفتوحة وتباع فيها الكتب التي تعرض كافة وجهات النظر كما أن الكثير من الكتب متوفرة على شبكة الإنترنت وذالك برأي الشخصي هو مايلزم لتشكيل حركة وعي مستقلة عن المناهج الدراسية والجامعية وقالبها النمطي والتقليدي. العملية الديمقراطية هي عبارة عن إنتخابات رئاسية أو برلمانية كلاهما حيث يتم إنتخابه بواسطة التصويت وفق نظام القوائم الإنتخابية أو الصوت الواحد. في بعض البلدان إنتخابات توصف بأنها ديمقراطية ولكنها محكومة وفق نظام ملكي يملك فيه الملك ولا يحكم كبريطانيا والسويد. ومن وجهة نظر عامة فإن كلمة الديمقراطية هي تعبير مطاط يختلف عليه الكثيرون ولا يوجد تعريف موحد لتلك الكلمة.
ولكن لننظر للأمر بواقعية إن مانشهده في عصرنا الحالي بخصوص العملية الإنتخابية ليس ديمقراطية بالمعنى الحرفي للكلمة وليس له أي علاقة بها من قريب أو من بعيد. وحتى في الأدبيات التي تزعم الديمقراطية الإسلامية فإن { أمرهم شورى بينهم } لا تشمل جميع فئات المجتمع فهي ليس أكثر من ديمقراطية النخبة الحاكمة تتساوى في ذالك وجهة النظر العلمانية والإسلامية. على سبيل المثال في الإسلام فإن تلك الأية لا تشمل فئات من المجتمع كتارك الصلاة أو شارب الخمر أو الذمي وحتى النساء غير مشمولات بأي قرارات متعلقة بمصير الامة الإسلامية حتى لو كان متعلقا بهم أو يؤثر على تفاصيل حياتهم اليومية.
في الإسلام فإن نظام الحكم قائم على الطاعة للحاكم أو خليفة المسلمين ولو جلد ظهرك وأكل مالك ولا عصيان أو خلع البيعة إلا بشرط "الكفر البواح الذي عندكم من الله فيه برهان" وحتى من يقرر ذالك الكفر البواح ليس عوام الأمة بل علمائها وحتى في تلك النقطة الأخيرة هناك إشكالية في تعريف ذالك العالم المؤهل للقبول برأيه في إتخاذ ذالك القرار المصيري. كما أن بعض العلماء إشترط القدرة وعدم سفك الدم حتى مع توفر كافة الشروط الشرعية الأخرى لخلع الحاكم والأمثلة التاريخية كثيرة بداية من تولي معاوية رضي الله عنه الحكم ثم تولية ولده يزيد بالمخالفة لشروط الإتفاق بينه وبين الحسين بجعلها بعد معاوية شورى بين المسلمين. وفي عهدنا الحالي فتاوي الشيخ إبن عثيمين فيما يتعلق بالجزائر حيث أفتى بعدم جواز حمل السلاح ضد الحكومة على الرغم من إلغائها نتيجة إنتخابات فاز بها الإسلاميون وفتاوي الشيخ عبد العزيز إبن ياز بعدم جواز الخروج على رئيسة وزراء باكستان بنازير بوتو رغم أنها إمرأة وذالك منعا لسفك الدماء.
ولكن الامر المجهول للكثيرين أن العملية الديمقراطية طوال ثلاثة ألاف سنة تقريبا من عمرها لم تشهد عملية تصويت أو إنتخابات بالطريقة المتعارف عليها في عصرنا الحالي بل كانت عبارة عن مزيج من التطوع ونظام يشبه قرعة اليانصيب, مسألة حظ لا أكثر ولا أقل. النظام الإنتخابي الحالي تم تصميمه بطريقة لمنع الناخبين من المشاركة الفعلية في صنع القرار وذالك عن طريق إيصال النخبة إلى السلطة, حكم الأقلية قد يكون وصفا مقبولا.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment