هناك طريقة مبسَّسطة من الممكن أن نبدأ بها وحتى نفهم الإقتصاد السياسي للأزمات وعلاقته بمصطلح رأسمالية الكوارث. الكاتبة الكندية نعومي كلاين تصف في كتابها "نظرية الصدمة, صعود رأسمالية الكوارث" كيف يستغل النخبة من رجال الأعمال والسياسيين الأزمات في تحقيق الأرباح حيث يتم سحق المواطنين الأبرياء بدون رحمة وتنحية مصالحهم جانبا خدمة لأجندات الأثرياء والشركات العابرة للقارات.
حكومة جزر المالديف تجبر السكان على إخلاء الجزر التي يعيشون عليها والانتقال الى العاصمة أو المدن الرئيسية بذريعة حمايتهم من التغير المناخي وإرتفاع منسوب مياه البحر الذي سوف يؤدي الى غرق تلك الجزر. ولكنها في الوقت نفسه تمنح للشركات السياحية ببناء الفنادق والمنتجعات الفاخرة في تلك الجزر ذاتها التي أدخلتها من سكانها الأصليين. إن قيام حكومة جزر المالديف بذلك يؤثر على حياة السكان الأصليين وتغيير الطريقة التي يكسبون من خلالها رزقهم. الحكومة في سيريلانكا قامت بإخلاء قرى ساحلية من السكان خلال الفترة التي أعقبت كارثة تسونامي ٢٠٠٤ بذريعة حماية السكان ولكنها قامت بمنح شركات فندقية عالمية تراخيص من أجل بناء فنادق ومنتجعات فاخرة.
إن جميع حكومات العالم بلا إستثناء لن تتوانى عن استغلال الأزمات والحروب في سبيل تحقيق بعض الأجندات التي لا يمكن تمريرها في الأوقات المعتادة حيث يكون المواطنين متيقظين متأهبين من أجل الدفاع عن حرياتهم والديمقراطية. حكومة الولايات المتحدة فرضت على الأمريكيين قانون باتريوت سيئ السمعة خلال الفترة التي أعقبت أحداث ١١/سبتمبر وأعتقد أن القانون مستمر في العمل بطريقة ما مع تغييرات ثانوية ربما في الإسم وبعض التفاصيل الصغيرة. القانون يسمح للحكومة الأمريكية و وكالات إنفاذ القانون والأجهزة الأمنية أن تتجسس على البريد الإلكتروني والإتصالات ومراقبة أشخاص مشتبه بهم أو حتى اعتقالهم بدون إجرائات قضائية مناسبة أو إذن موقع من قاضي. إعصار كاترينا ٢٠٠٥ الذي أدى الى غرق ٨٠% من ولاية لويزيانا كان فرصة مناسبة من أجل إخلاء سكان فقراء من منازل حكومية مدعومة وتحويل المدارس الحكومية الى مدارس خاصة أو (charter schools) حيث يحقق الوكلاء العقاريون, شركات المقاولات والشركات التعليمية أرباحا هائلة على حساب السكان والذين هم في غالبيتهم من ذوي البشرة السوداء.
عالم رأسمالية الكوارث لا مكان فيه للملائكة حيث كل شيء معروض للبيع بداية من الأعضاء البشرية, تأجير الأرحام والسلاح لمن يمتلك المال. ولكن المشكلة التي يواجهها أبطال رأسمالية الكوارث من أثرياء وشركات عابرة للقارات هو كساد سوق الأزمات, إذا من الممكن إفتعال أزمة أو حتى حرب إقليمية أو عالمية. الحرب العالمية الأولى والثانية مثال تاريخي على افتعال أزمات بدون أي سبب واضح يؤدي الى تحقيق مصالح الشعوب ولكن تحقيق مصالح النخبة والأثرياء. الربيع العربي كان أحد تلك الأزمات المفتعلة التي كانت نتيجتها المباشرة طوفان اللاجئين بلغ عددهم الملايين أغرق القارة الأوروبية التي تعاني من عجزها عن التعامل مع تلك الأزمة في الأوقات العادية حيث السلم والازدهار الاقتصادي. إن غزو ليبيا وإسقاط نظام معمر القذافي والتدخل الغربي في سوريا ٢٠١١ قد أدى الى طوفان اللاجئين هو الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية. ولكن الأمر الذي يخفى على الجميع أن أكثر من نصف اللاجئين الذين عبروا من أوروبا انطلاقا من تركيا لم يكونوا مواطنين سوريين بل من جنسيات مختلفة عراقيين, أفغان, أفارقة و دول في آسيا مثل سريلانكا.
أزمة اللاجئين التي ضربت القارة الأوروبية كانت مثال على الأزمات التي تستفيد منها أكثر من جهة سياسيا أو إقتصاديا . تركيا نجحت في إبتزاز أوروبا سياسيا وماليا وتجار أتراك وحتى مواطنين عاديين حققوا الأرباح من بيع مستلزمات رحلة اللجوء الى اللاجئين وكسب المهربون عشرات الملايين من الدولارات. أما في دول أوروبية فقد ازدهر الإقتصاد خصوصا سوق العقارات, تجارة التجزئة وشركات صناعة الأغذية. كما أن حكومات دول أوروبية وجدت أنها مضطرة الى زيادة عدد الموظفين الحكوميين من أجل التعامل مع طوفان اللاجئين الذين بلغ عددهم في ألمانيا أكثر من مليون لاجئ. هناك دول أوروبية إرتفع ناتجها المحلي الإجمالي تزامنا مع أزمة اللاجئين التي وفرت للكثير منها عمالة منخفضة التكلفة وهو أمر كانت تطالب به الشركات, تخفيض الأجور, ولكن كانت هناك معارضة من النقابات العمالية القوية.
رأسمالية الكوارث هي المسؤولة عن المجاعة في الدول الإفريقية وتدهور القطاع الزراعي وبالتالي هجرة أو لجوء أعداد كبيرة من الأفارقة الى أوروبا. إن عولمة القطاع الزراعي وتطبيق اتفاقيات التجارة الحرة والتعامل مع المحاصيل الزراعية أنها سلعة وليس حقا من حقوق فقراء القارة الإفريقية قد أدى الى هجرة عدد كبير من المزارعين أراضيهم والانتقال الى مدن الصفيح في ضواحي العاصمة وغيرها م المدن الرئيسية بحثا عن عمل. الاتفاقيات الزراعية التي وقعتها دول إفريقية مع الإتحاد الأوروبي تسح للأخير بتقديم الدعم الى المزارعين بينما تُمنع الحكومات الإفريقية قطعيا من ذلك. محصول البصل المستورد من هولندا الى الكاميرون أرخص ثمنا من الإنتاج المحلي الذي ربما لا يبعد مكان إنتاجه بضعة كيلومترات عن مكان السوق وذلك بسبب العولمة واتفاقيات الجات والتجارة الحرة.
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment