الحرب العالمية الثالثة ليست قريبة كما يتوقع العرافون والدجالون والمنجمين ومن يظهرون على الفضائيات "بفلوسهم" في لقائات يدفعون مقابلها الى الفضائيات وليس العكس. ولكن فئة العرافين والدجالين تعتبر الأخطر ليس لأن " كذب المنجمون ولو صدقوا" و "لا يعلم الغيب سوى الله" لأن تلك من المسلمات, ولكن لأن أولئك الأشخاص الذي تصدق الكثير من توقعاتهم على ارتباط مع دوائر استخباراتية غربية تمرر من خلالهم معلومات تخدم أهدافها ومصالحها في توجيه الرأي العالم في إتجاه محدد.
نظام التفاهة يقوم على صناعة الكذب والدجل والشعوذة والمشكلة أن هناك من هم مستعدون من أجل تصديق أي معلومة تنشر على وسائل التواصل الإجتماعي. وقد أصبحت تلك أيضا من المسلمات عندما ينتشر خبر غير معقول عن حدث ما ويكون المواطنون ما بين مصدقين ومكذبين أو أن أحدهم ينكر ويرد عليه مواطن آخر مندهشا:"ألم تسمع عن ذلك في وسائل التواصل الإجتماعي؟" القضية تحولت الى مستوى مخيف من السخافة وتحتاج الى وقفة ليس من الحكومات لكن من الشعوب ونخبها المثقفة من فنانين وكتاب وممثلين وغيرهم ممن لديهم منظور مختلف للحياة والحب والجمال وليس الحرب.
إن ضمير الشعوب و عقلها الواعي هو الحاجز الحقيقي الذي سوف يتصدى ضد محاولات الغزو الفكري والمعرفي والذي يعتبر من مقدمات الغزو العسكري لأي دولة. الولايات المتحدة نجحت في غزو عدد من الدول عسكريا بعد غزوها ثقافيا ومن ثم إقتصاديا والسيطرة على ضمير الشعوب وعقلها الباطن من خلال الإعلام والسينما. الحكومات في دول الشرق الأوسط أو النخب السياسية التي تتكون منها الحكومات والمستويات الإدارية المختلفة ترقص على حافة الهاوية في حكاية الضمير و الوعي وقريبا جدا سوف تسقط في تلك الهاوية وتأخذ معها الشعوب وضميرها و وعيها في عملية سقوط حر لا نهاية قريبة لها ولن يشاهدوا القاع فترة زمنية طويلة جدا.
هناك مبدأ في الإقتصاد ربما لم يسمع عنه إلا المتخصصون وهو " الحصيلة النهائية تساوي صفر." ولو رغبنا في التحدث عن ذلك المبدأ باختصار فمن الممكن أن نقول أنه لو كان إستهلاك الولايات المتحدة من النفط ١٠ مليون برميل يوميا و بسبب تراجع الاقتصاد فقد أصبح استهلاكها ٩ مليون برميل يوميا, هناك دولة أخرى سوف تقوم بشراء المليون برميل فائض الاستهلاك ولن يبقى ينتظر طويلا في السوق وذلك يعني أن "المحصلة النهائية تساوي صفر." وقد كانت أزمة كورونا إستثناء من تلك القاعدة ولكن تطبيق ذلك المبدأ في عالم السياسة أو الجيوبوليتكس أمر شائع.
إن جميع الامم لن تصعد في القوة أو تهبط الى القاع وتصبح ضعيفة دفعة واحدة ولكن هناك أمم تصعد وأخرى تهبط وقد تختفي من الخريطة والحصيلة النهائية هي صفر. إمبراطوريات الفارسية, الرومانية, البيزنطية, العثمانية, البريطانية, الإتحاد السوفياتي وحاليا الإمبراطورية الأمريكية وعلينا أن لا ننسى الإمبراطورية الإسلامية التي أسسها راعي أغنام يتيم, إمرأة, فتى مراهق و رجل وهم: الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام, خديجة بنت خويلد رضي الله عنها, علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبو بكر الصديق رضي الله عنه. وقد استمرت تلك الإمبراطورية طوال فترة حكم الخلفاء الراشدين ثم الأمويين ثم العباسيين ثم إختفت واضمحلت وبقي الإسلام.
الحرب العالمية الثالثة كما شاهدت عددا لا متناهيا من التحليلات لن تكون ضد الدول الإسلامية أو قوى إسلامية لأنها لا تعتبر كتلة واحدة متماسكة تشكِّلُ خطراً عاجلاً على نظام الغرب الرأسمالي لكن هناك الصين وذلك يعود الى عدد من العوامل. أول تلك العوامل هي الكثافة السكانية حيث يزيد عدد سكان الصين عن المليار مما يجعل عملية غزو بري في قلب الأراضي الصينية عملية مستحيلة. ثاني تلك العوامل هو حلفاء الصين في كوريا الشمالية و روسيا الذي ينتظرون أي عمل عسكري غربي ضد الصين فرصة هبطت من السماء من أجل تصفية حساباتهم الجيوسياسية مع الغرب. ثالث تلك العوامل قدرة الصين على تجنيد أعداد هائلة من الجنود النظاميين والمتطوعين والقوات الشعبية مما سوف يجعل أي عملية عسكرية ضد الصين مكلفة بشريا للقوات المعادية. رابع تلك العوامل هو القدرات العسكرية المتنامية للصين والتي أصبحت لا يستهان بها.
حسنا وبعد كل ذلك فإن المثير للضحك سوف يكون القوى الإسلامية أو قوى الإسلام السياسي التي سوف تصدر فتاوى الحرب والجهاد ضد الصين بإعتبارهم ملحدين وباعتبار الولايات المتحدة وأوروبا من أهل الكتاب ونصرتهم واجبة وسوف يستعينون بالقرآن والسنة النبوية ويلوون عنق الآيات ويزورون تفسير الأحاديث خدمة لأهداف ومصالح الدول الغربية كما فعلوا خلال الربيع العربي.
الحرب العالمية الثالثة لن تكون ممكنة إلا بعد إضعاف حلفاء الصين وإغراق منطقة آسيا بالفوضى والإضطرابات ومن ثم تدبير أزمة مالية ضخمة تضرب الصين و تستنزفها والتي قد تلجأ الى غزو تايوان في محاولة من أجل الخروج من أزمتها وعندها سوف تكون الحرب العالمية الثالثة. مشكلة الصين أو نقطة ضعفها العسكرية هي القوى البحرية خصوصا حاملات الطائرات والغواصات التي تعتبر مجالا للتفوق الأمريكي حيث يمكن للجيش الأمريكي أن ينقل عشرات الآلاف من الجنود بحرا وجوا الى أي بقعة من العالم خلال فترة زمنية قصيرة جدا. ولكن نقطة ضعف الولايات المتحدة وحلفائها هي الحرب على جبهات متعددة وبسبب ذلك سوف يحاولون تفتيت تلك الجبهات وتشتيتها واستغلال ذلك في إضعافهم ومن ثم هزيمتهم.
مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment