Flag Counter

Flag Counter

Wednesday, April 12, 2023

سقوط الدولار, الاقتصاد والحرب

لو سألني أحدهم عن أهم ثلاثة أحداث على مستوى العالم غيرت تاريخ البشرية, سوف تكون إجابتي هي: تأسيس بنك الاحتياط الفيدرالي سنة ١٩١٣, إعلان حسن البنا عن تنظيم الإخوان المسلمين سنة ١٩٢٨, حرب الخليج الأولى(١٩٩٠-١٩٩١).

إنَّ القرن العشرين(١٩٠٠-٢٠٠٠) هو القرن الأمريكي بإمتياز كما أعلن الكثير من المفكرين في الولايات المتحدة خلال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. ولو نظرنا الى الأحداث الثلاثة الرئيسية التي ذكرتها سوف نجد أنها سقوط أول حجر من أحجار الدومينو والذي سوف يعقبه سقوط جميع الأحجار الأخرى.

تأسيس بنك الاحتياط الفيدرالي سنة ١٩١٣ كان يعني فرض هيمنة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي من خلال عملتها الدولار. ولكن من أجل تحقيق ذلك فقد كان لابد من تحطيم جميع الإمبراطوريات القوية والتخلص من عملاتها الوطنية وكانت الحرب العالمية الأولى هي الفرصة المناسبة من أجل جعل ذلك ممكنا. إن نتيجة الحرب كانت إضعاف قبضة الإمبراطورية البريطانية على مستعمراتها بسبب المبادئ القومية التي بدأت تنتشر في تلك المستعمرات, الإمبراطورية النمساوية-الهنغارية تقسَّمت الى عدة دول بينما خضعت مستعمرات الإمبراطورية العثمانية الى سيطرة الدول الأوروبية بإسم الإنتداب.

الحرب العالمية الثانية كانت هي المحطة التالية والتي كانت بمثابة إعلان النهاية للإمبراطورية البريطانية والفرنسية بسبب استقلال عدد من المستعمرات وثورات عنيفة ودموية في مستعمرات أخرى. كما أن الولايات المتحدة نجحت في تأسيس منظمة الأمم المتحدة وفرض الدولار والمؤسسات المالية التابعة لها على العالم من خلال إتفاقية بريتون وودز سنة ١٩٤٤ التي أعلنت عن تأسيس البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

ولكن حتى سنة ١٩٧١, فقد كان الدولار مازال مرتبطا بالذهب من خلال إتفاقية بريتون وودز وفق سعر ٣٥ دولار/أونصة ولكن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون أعلن عن إيقاف العمل بمبادلة الدولار مقابل الذهب فيما أطلق عليه في الأوساط الإعلامية والإقتصادية بأنه صدمة نيكسون. سنة ١٩٧٥, كان مستشار الأمن القومي الأمريكي ريتشارد نيكسون عراب اتفاقية البترودولار بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية حيث توافق السعودية على تصدير النفط مقابل الدولار الأمريكي حصريا وتضمن حماية نظام الحكم في السعودية من أي عملية تدخل خارجية أو إنقلاب داخلي. إن تلك الاتفاقية حافظت على مكانة الدولار عملة احتياط عالمية وكانت الولايات المتحدة تتدخل ولو بالقوة المسلحة من أجل ضمان تنفيذ تلك الاتفاقية.

إن أول ضحايا إتفاقية البترودولار كان هو الملك فيصل آل سعود نفسه الذي بدأ في سك عملة خاصة "الدينار الذهبي الإسلامي" في سويسرا والتي سوف يتم بيع نفط المملكة العربية السعودية مقابلها حصريا مما يشجع دول أخرى على القيام بالأمر نفسه. الرئيس العراقي السابق صدام حسين كان ضحية أخرى لأنه أعلن عن بيع النفط العراقي مقابل اليورو حيث تم إسقاطه من خلال عملية تدخل عسكري مباشرة سنة ٢٠٠٣. 

ولكن أساليب الولايات المتحدة في حماية هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي تغيرت وتطورت مع تغير الزمن وانتقلت من عملية التدخل العسكري المباشر, حروب الجيل الثالث, الى حروب الجيل الرابع التي يمكن التعبير عنها تحت مسمى الحرب على الإرهاب حيث شهدت تلك الفترة التي أعقبت الحرب الأفغانية(١٩٧٩-١٩٨٩) صعود قوى متطرفة مثل تنظيم القاعدة استخدمت الإسلام من أجل تنفيذ أجندات غامضة تخدم في محصلتها أهداف الولايات المتحدة في صناعة الأزمات والحفاظ على هيمنة الدولار الأمريكي وكان تاريخ ١١/سبتمبر/٢٠٠١ هو ذروة تلك المرحلة.

الرئيس الأمريكي باراك أوباما القى خطابه الشهير في جامعة القاهرة سنة ٢٠٠٩ والذي قام بالتركيز من خلاله على منطقة الشرق الأوسط. الربيع العربي بدأ سنة ٢٠١٠ من تونس والسبب هو أنَّ تونس كانت تخطِّط منن أجل إنشاء مانهاتن مالية في تونس العاصمة تعتمد الشريعة الإسلامية في التعاملات المصرفية مما يعني تهديد مركز الدولار الأمريكي وهيمنته على الإقتصاد العالمي. ليبيا كانت الضحية التالية في أحداث الربيع العربي حيث تم إسقاط نظام الرئيس الليبي معمر القذافي والسبب هو تصدير النفط الليبي مقابل اليورو و تحريض دول إفريقيا على تصدير النفط والمواد الخام خصوصا الذهب والألماس والثروات الطبيعية الأخرى مقابل الدينار الذهبي حصريا وإنشاء بنك مركزي أفريقي موحد مما يؤدي الى تحرير دول القارة من الهيمنة الإقتصادية للولايات المتحدة والتي كانت تفرضها من خلال عملتها الدولار.

إنَّ جميع تلك الأحداث التي ذكرتها في بداية الموضوع تخدم الغرض والهدف في الحفاظ على الدولار الأمريكي عملية إحتياط عالمية وبالتالي الحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة على الإقتصاد العالمي. ولكن دول العالم تعلمت من دروس التاريخ و تسعى الى التخلص من عملة الدولار الأمريكي والنظام الاقتصادي العالمي الذي تسيطر عليه وتتحكم فيه الولايات المتحدة. الصين التي تراقب عن كثب أحداث الأزمة الأوكرانية وتسعى بالتعاون مع روسيا من خلال منظمة شنغهاي للتعاون والبريكس الى توقيع اتفاقيات للتبادل التجاري بالعملات المحلية. كما أن جهود الصين قد نجحت في عقد اتفاقية مصالحة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية تضمنت تبادل السفراء وربما انضمام السعودية الى منظمة شنغهاي والبريكس وبيع النفط السعودي مقابل العملات المحلية والذي يعني عمليا ضربة قاتلة للدولار الأمريكي ونهاية عصر القطب الواحد وهيمنة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي.

مع تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment