Flag Counter

Flag Counter

Tuesday, April 27, 2021

لماذا الإصرار على تدمير سوريا؟

لم يفاجئ الانغماس الأمريكي في إسقاط سوريا في فخ الفوضى الخلاقة بإسم الحرية والديمقراطية الكثيرين. إن ذلك ليس أول محاولة من أجل زعزعة الإستقرار في سوريا تتورط فيها الولايات المتحدة حيث قام حسني الزعيم وبإشراف السفارة الأمريكية في دمشق بإنقلاب بتاريخ 30/آذار/1949 على الرئيس أديب الشيشكلي. وقد قام الولايات المتحدة وبدعم بريطاني بمحاولة تدبير إنقلاب سنة 1957 فشل حيث قام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بإرسال قوات مصرية الى سوريا وتم لاحقا إعلان الوحدة بين البلدين سنة 1958.

ولكن السؤال هو لماذا الإصرار الأمريكي على تدمير سوريا؟

هي في الحقيقة لعبة سياسية تتداخل فيها المصالح مع خطوط نقل الطاقة وصراع قوى سياسية دولية. الرئيس السوري بشار الأسد طرح نظرية البحار الخمسة سنة 2004 مفادها أن سوريا تعتبر موقعا استراتيجيا متاخما خمسة مجالات بحرية هي: بحر قزوين, البحر الأسود, البحر الأحمر, البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي عبر الخليج العربي. الشرق الأوسط تعتبر المنطقة الأغنى في العالم بمكامن الطاقة(النفط والغاز)  وسوريا تقع في قلب الشرق الأوسط وهي مؤهلة لكي تتحول الى مركز العالم. إن من يسيطر على سوريا سوف يسيطر على عملية صنع القرار في الشرق الأوسط وسوف تكون له كلمة مؤثرة في اتخاذ القرار على مستوى العالم. 

إن نظرية البحار الخمسة تكتسب مصداقية تؤكدها أحداث تاريخية سابقة حيث تمكنت بريطانيا من أن تتحول الى بلد معزول في أوروبا الى إمبراطورية بفضل قوتها البحرية التي لم يكن لها منازع حيث سيطرت على بحار العالم. ثم بدأت الولايات المتحدة في البروز على الساحة الدولية وأصبحت الإمبراطورية البريطانية من ذكريات الماضي بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية حيث انتقلت السيطرة على بحار العالم الى الولايات المتحدة بدون منازع. في كتابه "المائة عام القادمة, تنبؤات القرن الواحد والعشرين," يؤكد فريدمان على سيطرة الولايات المتحدة على بحار العالم وحتى إستخدام تقنيات فضائية في سبيل ذلك حيث أن السيطرة على بحار العالم تعتبر أمرا حيويا من أجل التحكم في حركة الشحن العالمية وبالتالي الاقتصاد العالمي. هناك دول مثل الصين تعرف ذلك وتشعر بالتوتر من المضايقات البحرية الأمريكية خصوصا في بحر الصين الجنوبي. كما أن روسيا تقاوم المحاولات الأمريكية من أجل خنقها بحريا حيث يعتبر تواجدها في سوريا أمرا حيويا من أجل أمنها القومي. 

إن الولايات المتحدة دولة حديث العهد بالحضارة والتاريخ والثقافة. أقدم آثار قد توجد في الولايات المتحدة عمرها لايزيد عن 300-400 عام بينما عمر الحضارة في دول مثل العراق, سوريا ومصر يبلغ آلاف السنين. حتى أن الولايات المتحدة تعتبر دولة حديثة بعمر الدول حيث تأسست سنة 1776 من تجمع ثلاثة عشرة مستعمرة بريطانية. ومن أجل إستكمال عملية العولمة والسيطرة على الدول العربية وإخضاع شعوبها فقد كان لابد من تدمير حضارتها وتراثها وتاريخها وإحلال حضارة الماكدونالدز مكانها. ولأن الدول الثلاثة مصر, سوريا والعراق تعتبر قلب الوطن العربي النابض وأساس حضارته وتراثه فقد صممت الولايات المتحدة على تعيد استنساخ التجربة المغولية في الهجوم على بغداد وحرق مكتبتها والقاء الكتب في نهر دجلة وإن اختلفت الطرق, كلها تؤدي الى روما. 

إن السياسة الأمريكية التي تتبع المثل القائل (كل الطرق تؤدي الى روما) قد أدت الى التحالف مع التيارات الظلامية المتأسلمة بداية من أفغانستان خلال فترة السبعينيات والثمانينيات حيث تم لاحقا تأسيس تنظيم القاعدة الذي تم التمهيد له من أجل التغلغل في الدول العربية خصوصا مصر حيث كانت له جذور تمثلت في تنظيم الإخوان المسلمين. ولكن في العراق وسوريا, ظهرت الحاجة الى نوع من التدخل العسكري المباشر لأنَّ  أنظمة الحكم في البلدين بعثية علمانية حيث ملاحقة أتباع الإسلام السياسي تعتبر أولوية بالإضافة الى القبضة الأمنية القوية التي لم تسمح بتكرار السيناريو المصري. هناك وثيقة منشورة من أرشيف المخابرات العراقية مؤرخة سنة 2001 وتوقيع عبد حمود سكرتير الرئيس صدام حسين أن عناصر أمنية عراقية قد رصدت برنارد هنري ليفي وأنه التقى مسعود البرزاني من أجل تأسيس تنظيم تابع للقاعدة بإسم التوحيد والجهاد. 

إن جميع ما قام به أحفاد المغول في سوريا بإسم الإسلام ومباركة من جامعة الدول العربية والدول الغربية يؤكد ما سبق وذكرته خصوصا تدمير ونهب الآثار وتنفيذ عمليات اغتيال ضد النخب المثقفة والعلمية وكبار ضباط الجيش السوري وتدمير المنشئات الحكومية والبنية التحتية. خلال العمليات المزعومة التي قام بها التحالف الدولي ضد تنظيم داعش, تم قصف ماتبقى من بنية تحتية ومنشئات بإسم الحرب ضد داعش. في مدينة حمص, اقتحمت عصابات ميليشيا الفاروق بقيادة عبد الرزاق طلاس المستشفى الوطني في حمص وقتلت الممرضين والأطباء ونهبت المعدات الطبية. وفي حلب, قامت كتائب التوحيد بتفكيك ونهب المصانع وبيعها الى تجار أتراك. مدينة تدمر الأثرية تم تدمير عدد من الأثار ونهب بعضها الأخر وبيعها في الأسواق الأوروبية عبر وسطاء أتراك. في غوطة دمشق, إقتحمت عصابات جيش الإسلام بقيادة زهران علوش منطقة عدرا وقتلت مئات المواطنين السوريين على الهوية والقت بالأطفال في الأفران. في الجزيرة السورية, نهبت صوامع الحبوب وتم تفكيكها وبيعها الى تجار أتراك. عملية نزيف بطيء لمقدرات السوريين وتدمير ممنهج للحجر والبشر وهو هدف الربيع السوري تنفيذا لأجندات الولايات المتحدة ودولة الكيان الصهيوني.

مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment