Flag Counter

Flag Counter

Thursday, April 1, 2021

لماذا تعتبر الولايات المتحدة زراعة القمح وتحقيق الإكتفاء الذاتي خطا أحمرا؟

في عالم السياسة الدولية, يوجد علاقات ومصالح تتغير بتغير الظروف ولا يوجد صداقات. لا يوجد مساعدات يتم تقديمها بدون أجندات مترافقة وبدون شروط مسبقة سواء كان مصدر تلك المساعدات هو دولة صديقة أو مؤسسة دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. أحد أشهر الأحداث المرتبطة بالمساعدات الدولية هي مشروع بناء السد العالي في مصر حيث رفض البنك الدولي تمويل المشروع بإيعاز أمريكي بسبب توتر العلاقات مع مصر مما أدى الى تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي. المثير للاستغراب أن عدوان فرنسا, بريطانيا ودولة الكيان الصهيوني ضد مصر سنة 1956 تم إيقافه بقرار أمريكي خصوصا أن الولايات المتحدة كانت ممسكة بخناق الدول الثلاثة إقتصاديا.  في السابق, كانت الولايات المتحدة تشتري فائض المحاصيل من المزارعين المحليين وتلقي بها في البحر أو تتلفها حتى تحافظ على مستوى سعري مرتفع محليا ودوليا. ولكن في مرحلة لاحقة كان يتم إرسال تلك الفوائض مساعدات الى دول العالم الثالث ودول أفريقية على هيئة مساعدات وهبات ومنح وذلك يعني تحولها الى اداة ضغط سياسية حاولت إستخدامها في عدة مناسبات. وقد تم إستخدامها ضد مصر خلال عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذي ذكر ذلك في إحدى خطبه وذكر بالنص أن المساعدات الأمريكية "على الجزمة."

هناك نموذج يزعج الولايات المتحدة وتقدمه بعض الدول التي نجحت في تحقيق الاكتفاء الذاتي في عدة مجالات حيوية منها الزراعة خصوصا القمح. إن تحقيق الإكتفاء الذاتي من الغذاء يعني بداية تحقيق نهضة صناعية مما يعني بالتالي استقلال القرار السياسي. زراعة الأرز في دول آسيوية خصوصا كوريا الشمالية تعتبر حيوية من أجل تحقيق الأمن الغذائي حيث شهدت عدة مجاعات بسبب الظروف المناخية والآفات التي أدت الى تضرر محصول الأرز. هناك عدة مشاريع من أجل التلاعب بالطقس وبعضها قد يستخدم في أغراض مدمرة مثل مشروع هارب. حيث يشاع على نطاق واسع أن الظروف المناخية التي أدت الى تلف محصول الأرز في كوريا الشمالية لم تكن طبيعية وتم التستر عليها بذريعة التغير المناخي والاحتباس الحراري. ولكن الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي مازالوا يعبثون بالأمن الغذائي للعالم عبر إتفاقيات التجارة الحرة التي تمنع حكومات الدول الأخرى خصوصا في آسيا وإفريقيا من تقديم أي دعم الى المزارعين المحليين بينما يتم تقديم الدعم الى المزارعين الولايات المتحدة ودول أوروبية  وإغراق أسواق تلك الدول بمحاصيل رخيصة مما يؤدي الى إفلاس المزارعين المحليين وإنخفاض مستوى الأمن الغذائي.

هناك أمور أخرى تحاول الولايات المتحدة القيام بها من أجل خلق حالة من الإدمان على المساعدات خصوصا محاصيل الحبوب مثل القمح ومحاصيل أخرى حيوية مثل القطن. مؤسسات غير حكومية(NGO) ومؤسسات حكومية مثل مؤسسة المساعدات الأمريكية(USAID) ومؤسسات تتبع الأمم المتحدة تروِّج لأجندات تهدف في محصلتها الى الإضرار بالأمن الغذائي لدول آسيا وإفريقيا. أحد تلك الأجندات هي أن زراعة القمح, الأرز وأعلاف الحيوانات غير مجدية اقتصاديا وأنها تستهلك الكثير من المياه. ولكن القضية لايمكن قياسها بمعايير الربح والخسارة لأن الأمن الغذائي هو مسألة أمن قومي. كما أنه هناك الكثير من التطور في التكنولوجيا الزراعية خصوصا الري بالتنقيط وتنقية المياه تضمن الكفائة القصوى في ذلك المجال بما يضمن زراعة محاصيل زراعية وتحقيق الإكتفاء الذاتي منها دون الإضرار بمصادر المياه الحيوية. ولكن مصر ليست هي الدولة الوحيدة المستهدفة بل سوريا تعتبر قبل سنة 2011 نموذجا في تحقيق الإكتفاء الذاتي من منتجات الحبوب والمنتجات الزراعية للتصدير بكميات ضخمة الى الخارج بل ومساعدة دول عربية شقيقة مثل الأردن حيث كان يتم تصدير القمح والماشية بأسعار تفضيلية. السودان دولة أخرى مستهدفة في أمنها الغذائي حيث أنه بسبب التركيز على قضية النفط في تقسيم السودان وانفصال الجنوب عن الشمال, تم إغفال أنه بالإضافة الى عدد من حقول النفط, فإن نسبة كبيرة من أخصب الأراضي الزراعية تقع في جنوب السودان. السودان الذي يشتهر بلقب سلة غذاء الوطن العربي وأن أهله هم أهل الكرم والنخوة العربية الأصيلة يعاني من المجاعات ونقص الغذاء.

إن تحقيق الإكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية وتحقيق الأمن الغذائي يعتبر أمرا مثيرا للقلق في دوائر صنع القرار الغربية. إن أحد أهم سياسات رئيس وزراء الأردن السابق الشهيد وصفي التل هي تحقيق الأمن الغذائي في الأردن وحيث أنه عقب جدال في بداية الستينيات مع السفير الأمريكي الذي وصف الشعب الأردني بأنه كسول وأنه يستطيع تجويعهم عبر إيقاف شحنات المساعدات الأمريكية من القمح, طلب وصفي التل المساعدة من سوريا التي أرسلت 14 قطارا من القمح قام بتوزيعها على جميع محافظات الأردن من أجل زراعتها وتم تحقيق الإكتفاء الذاتي بل والتصدير بكميات ضخمة خلال سنة واحدة فقط. تاريخيا, كان هناك مجاعة أخرى مشهورة في أيرلندا أطلق عليها المجاعة الكبرى(1845-1852) بسبب آفة حشرية أصابت محصول البطاطا والذي يعادل في أهميته القمح في دول أخرى. ويقال أن بعد موسم أو موسمين من الآفة حيث لم تكن المجاعة قد استفحل أمرها, تم زراعة بذور بطاطس مصابة بالفطريات والأمراض مصدرها بريطانيا مما أدى الى المجاعة الكبرى ووفاة مايزيد عن مليون إيرلندي وهدرة أكثر من مليون آخرين أغلبهم الى الولايات المتحدة وكندا. العامل الديني لعب دورا مهما في إيرلندا التي كانت أغلبية سكانها من الكاثوليك مقارنة مع بريطانيا البروتستانتية. وقد يكون السبب في مجاعات تحصل في بعض الدول هو آفة الجراد الذي يهاجم المحاصيل ويأكل كل ماهو أخضر.

مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment