Flag Counter

Flag Counter

Friday, January 22, 2021

الديمقراطية, الرأسمالية واقتصاد الظل

لم يتردد إيلون ماسك المدير التنفيذي لشركة تسلا وأغنى رجل في العالم في أن يقوم بالرد على روبرت رايخ الذي شغل منصب وزير العمل خلال فترة حكم بيل كلينتون وذلك عبر صفحات مجلة فورتشن(Fortune)  بتاريخ 10/سبتمبر/2020. روبرت رايخ اتهم إيلون ماسك بأنه لص لأنه أجبر موظفيه على تخفيضات بقيمة 10% من رواتبهم خلال الفترة من إبريل-يوليو على الرغم من إرتفاع أسهم شركة تسلا مما أدى زيادة ثروة ماسك من 25 مليار دولار الى 100 مليار دولار. إيلون ماسك وصف رايخ بأنه أحمق لأن موظفي شركة تسلا يحصلون على أسهم في الشركة وبالتالي فإن قيمة أسهمهم تضاعفت أربعة مرات مع ارتفاع قيمة أسهم الشركة.

روبرت رايخ أحد المطالبين بإصلاح الرأسمالية من أجل إنقاذها من الإنهيار الكامل وتقليص الفوارق الطبقية, هذا من ناحية. أما من ناحية أخرى, تبلغ قيمة ثروته أكثر من 4 ملايين دولار ويتقاضى 40 ألف دولار مقابل محاضرة مدتها ساعة واحدة بينما يبلغ متوسط راتب الموظف 46 ألف دولار سنويا. كما أن راتبه بوصفه بروفيسور السياسة العامة في جامعة كاليفورنيا-بيركلي يبلغ 242 ألف دولار, أي أنه يزيد بنسبة 36% عن متوسط معدل راتب المدير التنفيذي في الولايات المتحدة.

ليس من العسير على مسؤول سابق مثل روبرت رايخ أن يعطي النصائح عن إصلاح النظام الرأسمالي حيث أحد أن أحد المقترحات هو  تخفيض رواتب المدراء التنفيذيين. وعلى الرغم من أن هناك الكثير من المدراء التنفيذيين يحصلون على رواتب سنوية بأرقام خيالية بالإضافة الى المزايا الأخرى وأن 242 ألف دولار يعتبر مبلغا ضئيلا, إلا أن تلك الدعوة ربما لا تشمل رايخ نفسه الذي لم يقم بالكثير من الخطوات خلال عمله في إدارة الرئيس كلينتون من أجل تنفيذ ما ينادي به خصوصا رفع الحد الأدنى من الأجور. القضية بالنسبة إليه سياسية, ليست أكثر من شعارات جوفاء بهدف التكسب المالي من إلقاء المحاضرات وتأليف الكتب. إن ذلك يذكرني بممثل هوليود ليوناردو دي كابريو الذي يقترح رفع سعر الوقود الى 7 دولار/غالون غير مبالي بعواقب ذلك على من يعيشون تحت خط الفقر ويطسبون دولارين في اليوم إن ابتسم لهم الحظ.

لايمكن إصلاح النظام الإقتصادي العالمي الذي يوصف تجاوزا بأنه رأسمالي لأن الفتق إتَّسَعَ على الراتق. وأنا إستخدمت كلمة (تجاوز) لأن وصف النظام الإقتصادي العالمي بأنه رأسمالي ينافي الواقع حيث تحول الى ما يشبه نظام شركات إحتكاري عابر للقارات وذلك يتعزز من خلال منظمة التجارة العالمية وإتفاقيات التجارة الحرَّة. إن من يقرأ في أدبيات الاقتصاد الكلاسيكي مثل كتاب "ثروة الأمم," الذي يعتبر الكتاب الذي قام من خلال الاقتصادي الاسكتلندي آدم سميث بتأسيس مبادئ الرأسمالية المعاصرة سوف يكتشف أنه ليس هناك أي علاقة بين الرأسمالية والنظام الإقتصادي الذي يحكم العالم حاليا. شخصية عامة أخرى هي الإقتصادي الفرنسي المشهور توماس بيكيتي إقترح ضريبة عالمية على الثروة بالإضافة الى ضريبة الدخل من أجل تقليص الفوارق الطبقية ومكافحة الفقر. كما أنه إقترح مشروع قانون على مستوى العالم من أجل مكافحة ظاهرة الملاذات الضريبية التي تعتبر أحد أهم وسائل إستخدام وإخفاء الثروات والتهرب من الضرائب.

إن حجم اقتصاد الظل يبلغ تريليونات الدولارات وهو إقتصاد تصب عائداته في النهاية في بنوك سويسرا و ملاذات ضريبية مثل جزر العذراء البريطانية, بنما وجزر الكايمان. إن اقتصاد الظل يشمل على سبيل المثال تجارة المخدرات التي تعتبرها تقديرات متفائلة تبلغ 700 مليار دولار سنويا. هناك أيضا عائدات الأنشطة الغير قانونية مثل التهريب, تقليد منتجات العلامات التجارية, وتجارة البشر خصوصا الفتيات من أجل العمل في مهنة الدعارة. ويشمل إقتصاد الظل أسواق الأسهم والبورصات التي تعتبر غير ملموسة أو غير حقيقية حيث أنها تؤدي الى تحقيق عدد قليل من الأشخاص ثروات تفوق الوصف بينما يخسر ملايين مدخرات تقاعدهم وأموالهم فيما يوصف بأنه سرقة مشروعة تحت مسمى مخاطر السوق. كما أنها تستخدم أدوات مالية وإئتمانية توصف بأنها مسمومة ولكنها على الرغم من ذلك تحصل على تقييمات مرتفعة من وكالات التصنيف الائتماني مقابل رسوم مالية تدفع لتلك الوكالات. إن دولا قوية ومؤثرة مثل الولايات المتحدة أو بريطانيا غير راغبة في القضاء على ظاهرة الملاذات الضريبية لأن ذلك سوف يؤدي الى ثورة أوليغارشية وبالتالي أزمة إقتصادية تتفوق في حجمها على أزمة الرهون العقارية منخفضة الجودة(2007-2009). 

وأكَرِّر مرة أخر أن الفتق إتَّسَعَ على الراتق لأن الأزمة وصلت الى حذور أو أساس البناء الإقتصادي الرأسمالي الذي أصبح أشبه ببرج بيزا المائل. الأزمة أصبحت أزمة أخلاقية وصلت حتى الى المؤسسات التعليمية خصوصا الجامعات التي تورطت في اقتصاد الظل وعمليات إستثمار خارجية مشبوهة وحسابات في الملاذات الضريبية. على سبيل المثال, جامعة كيبيك في كندا خسرت مبلغ 100 مليون دولار من أموال خطة التقاعد الخاصة بموظفيها عندما قبلت بتسليمها الى مدير إستثمار ألماني يقع مقره في جزر العذراء البريطانية. ولكن جامعات أخرى عريقة متورطة في التهرب الضريبي وفتح حسابات في الملاذات الضريبية مثل جامعة ستانفورد, كامبريدج وأكسفورد. إن حجم تعاملات الملاذات الضريبة أو جزر الأوفشور غير معلوم تحديدا ولكن هناك تقديرات تشير الى أن حجم التعاملات المالية والإيداعات في جزر العذراء البريطانية يبلغ أكثر من 700 مليار دولار ولكن ذلك ليس إلا قمة جبل الجليد.

مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية

النهاية


No comments:

Post a Comment