إن 3\نوفيمبر\2000 يعد علامة فارقة في تاريخ السياسة الخارجية البريطانية وذالك بسبب الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا البريطانية كأعلى هيئة قضائية في بريطانيا بأحقية سكان مجموعة جزر تشاجوز(Chagos Islands) الواقعة في المحيط الهندي بالعودة إلى جزء من أراضيهم التي تم إجلائهم منها بالقوة منذ بداية سنة 1968. جزيرة دييجو جارسيا(Diego Garcia) هي أحد تلك الجزر التي تحولت إلى قاعدة عسكرية أمريكية مخصصة للعمليات في الشرق الأوسط. إن عملية إجلاء سكان تلك الجزر قد تمت وسط الصمت والتكتم قدر الإمكان لعدم لف الأنظار بسبب مخالفتها الصريحة والواضحة للقانون الدولي. وعلى الرغم من إطلاعي الواسع على تاريخ الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس خصوصا منذ بداية الحرب العالمية الأولى وحتى يومنا هاذا, إلا أنني لم أسمع أو أقرأ عن سكان تلك الجزر ولا عن مشكلتهم إلا مؤخرا بسبب المحاولات الحثيثة من الحكومات البريطانية المتعاقبة والتي ترفض الإعتراف بالمعاناة التي سببتها لأولئك السكان والذي من المفترض أنهم سكان مجموعة من الجزر في المحيط الهندي تتبع التاج البريطاني وبالتالي فإنهم يتمتعون بكافة الحقوق القانونية والدستورية التي يتمتع بها أي مواطن بريطاني عادي.
وزير الدفاع البريطاني خلال تلك الفترة دينيس هيلي(Denis Healey) لم يذكر ولو بسطر سكان تلك الجزر ومشكلتهم في سيرته الذاتية التي أصدرها وتعد 600 صفحة. ومنذ سنة 1968 وحتى تاريخ صدور حكم المحكمة البريطانية العليا, أن تم الحديث عن سكان تلك الجزر ومشكلتهم ولا في أي كتاب أو دراسة صادرة عن وزارة الخارجية البريطانية. إن عملية الصمت تلك لم يخرقها سوى بعض أعضاء البرلمان البريطاني كالنائب تام داليال(Tam Dalyell) وجيرمي كوربين(Jeremy Corbyn) ولكن تم التعتيم إعلاميا قدر الإمكان على جهودهما وعلى أي محاولات من قبل الصحف ووسائل الإعلام لتناول تلك المسألة. إن تاريخ الإستعمار البريطاني في الشرق الأوسط, الهند وفي المحيط الهندي هو تاريخ مليئ بالمخازي والكوارث الإنسانية بينما يقوم الإعلام البريطاني بتوجيه الإنتقادات المتعلقة بحقوق الإنسان ليل نهار لدول عربية وفق مبدأ معروف وهو "فاقد الشيئ لا يعطيه."
إن عملية الإخلاء الإجباري لسكان جزر تشاجوز(Chagos Islands) والتي بدأت سنة 1968 قد حقق أهدافها بالكامل بحلول سنة 1973 حيث تم إجلاء 1500 شخص من سكان جزيرة دييجو جارسيا وجزر سالومين(Salomen) وجزر(Peros Banhos). إن إخلاء سكان تلك الجزر من السكان كان شرطا أمريكيا لتقليل الإحتكاك مع السكان الأصليين وبالتالي تقليل من إحتجاجهم على إستخدام جزرهم كقواعد نووية ومطارات عسكرية لقاذفات بي-52 التي تم إرسالها لقصف أفغانستان وكذالك العراق خلال الغزو الأمريكي سنة 2003. سكان تلك الجزر والذين كانوا ينتمون لقومية الإيلويس(Illois) قاموا بتأسيس مجتمعهم على تحقيق الإكتفاء الذاتي من صيد الأسماك, تربية المواشي والزراعة حيث كان للمرأة دور كبير في تنشئة الأطفال وتنظيم امور المنزل. الحكومة البريطانية قامت بإجلاء السكان إلى جزر موريشيوس في المحيط الهندي مع مبلغ بسيط كتعويض حيث عاشوا ظروفا حياتية مزرية في عشوائيات الصفيح بدون حيث تفشت بينهم البطالة وعاني عدد كبير منهم من الأمراض وسوء التغذية وإرتفعت بينهم نسبة الإنتحار.
الحكومات البريطانية المتعاقبة سواء كانت عمالية أو تنتمي لحزب المحافظين وبعد أن تم إجلاء سكان تلك الجزر قد بدأت بعملية تزوير للتاريخ لمحو أي أثر يدل على تواجد سكاني دائم في الجزر حتى لا يكون لهم أي حقوق إنسانية وديمقراطية كالسكان الدائمين. وزارة الدفاع الأمريكية أخبرت الكونجرس سنة 1972 أن مجموعة جزر Chagos Islands هي غير مأهولة بالسكان. وفي بيان مشترك بين وزارة الدفاع البريطانية ونظيرتها الأمريكية وتم إصدراه في ديسمبر\1974, فقد تم الإجابة "بلا" على سؤال حول تواجد سكان أصليين في جزر Chagos Islands. وزارة الدفاع البريطانية نفت في عدة مناسبات علمها بأي تواجد لنشاط سكاني في تلك الجزر وأنها تعتبرها جزرا غير مأهولة. وقد إستمر تضليل الشعب البريطاني والمجتمع الدولي في عهد حكومات بريطانية متعددة حيث تم إعتبار النشاط السكاني في تلك الجزر مرتبطا بعقود عمل مؤقتة في مجال الزراعة كما صرحت رئيسة الوزراء مارجريت تاتشر سنة 1990 بأنه بين سنتي 1971-1973 تم إبرام عقود مؤقتة مع بعض العمال للعمل في منشئات زراعية مختلفة على تلك الجزر وبعد إنتهاء العمل تم إعادة توطينهم في جزر موريشيوس ومنحهم تعويضات مالية مناسبة.
عملية التضليل التي مارستها الحكومات البريطانية المتعاقبة وصلت إلى الإنكار العلني سنة 1981 من قبل وزير الخارجية البريطاني ريتشارد لويس الذي ذكر في جواب على سؤال لمواطنين بريطانيين من سكان دائرته الإنتخابية أن أصحاب عقود العمل المؤقتة الذين كانوا يعملون في تلك الجزر قد تم إعادة توطينهم بناء على طلبهم في جزر موريشيوس. إن ما تم إرتكابه بحق سكان مجموعة جزر دييجو جارسيا البريطانية هو جريمة بكل المعايير والمقاييس بحق مواطنين بريطانيين لهم كافة حقوق المواطنة حيث تم تهجيرهم بالقوة من جزرهم حيث كانوا يعيشون بأمان متألفين مع الطبيعة إلى مناطق أخرى بدون تقديم الدعم اللازم لإعادة توطينهم. الحكومات البريطانية المتعاقبة إستمرت في إنكار وجود سكان أصليين لتلك الجزر أو ان هناك مواطنين بريطانيين لهم حقوق المواطنة يسكنونها ومنع الصحفيين من زيارة تلك الجزر حتى لا يفضحوا جريمتها وتواطئها ضد سكان الجزر الأصليين.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment