هناك الكثير من النقاش حول العالم بين النخب الإقتصادية, رجال الأعمال وخبراء الإقتصاد حول مسألة اقتصادية حساسة هي إنتشار اللامساواة بين طبقات المجتمع أو بين البلدان المختلفة حيث تختلف الآراء حول أسباب إنتشار اللامساواة واتساع الفجوة الاقتصادية وزيادة تركيز الثروة في أيدي فئة قليلة على حساب الأغلبية من الشعوب المكافحة. وكما تختلف الآراء حول الأسباب, فإنها تختلف أيضا حول الحلول المقترحة. أزمة الربيع العربي دفعت بالنقاش حول هذه المسألة الحساسة خصوصا في الوطن العربي الى أولوية حيث كانت هناك وجهة نظر تبناها عدد من المفكرين والخبراء الاقتصاديين أن الأسباب الإقتصادية تعد الدافع الأول خلف احتجاجات الربيع العربي بينما كان رأي الأجيال الشابة مختلفا ويمكن تلخيصه بغياب الحريات خصوصا السياسية و التعبير عن الرأي.
الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي ذكر في كتابه "رأس المال في القرن الواحد والعشرين" أن مستويات اللامساواة قد وصلت لمرحلة تستوجب حلولا عاجلة على المستوى الدولي حيث يمتلك النصف الأفقر من سكان العالم ٥% فقط من إجمالي الثروات بينما تمتلك الشريحة المئوية العليا (١%) ما نسبته ٥٠% من ثروات العالم. وقد ذكر أن السبب الرئيسي هو غياب نظام ضريبي عادل نتيجة التهرب الضريبي وما يعرف بـالملاذات الضريبية الآمنة. توماس بيكيتي قدم اقتراحه بفرض ضريبة على الثروات كحل مناسب لازدياد نسبة اللامساواة على الرغم من تحفظاته فيما يتعلق بنجاح ذالك المقترح الذي يتطلب تعاونا على المستوى العالمي خصوصا فيما يتعلق بالملآذات الضريبية الآمنة أو الجنات الضريبية كبنما وجزر العذراء البريطانية وغيرها.
هناك من يرى أن أسبابا أخرى هي المسؤولة عن مشكلة اللامساواة وازدياد الفجوة بين الأغنياء والفقراء تتلخص في أن غياب مؤسسات المجتمع المدني والحريات السياسية كحرية الرأي والتعبير وحق الانتخاب والشفافية السياسية هو السبب الرئيسي لتلك المشكلة المزمنة. وأن الحل يكمن في توسيع نطاق الحريات السياسية وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني وانخراط الشباب في العملية السياسية. إن تبني ذالك يعتمد على تعريف الازدهار الاقتصادي وما هي المعايير المعتمدة لتصنيف البلدان بين غني وفقير. فعلى سبيل المثال تعتبر الولايات المتحدة بلدا ديمقراطيا ومزدهرة إقتصاديا حيث يتم تصنيفها على أنها بلد غني, بينما على الجهة الأخرى من حدودها هناك المكسيك والتي تصنف على أنها بلد فقير محكومة بحالة من الفوضى وانعدام القانون وغياب الحريات السياسية. كما يتم عقد مقارنات بين الولايات المتحدة وكوبا أو الأرجنتين التي كانت أحد أغنى بلدان العالم خلال فترة ١٨٧٠-١٩٢٠ أو حتى الإتحاد السوفياتي ١٩٣٠-١٩٧٠.
إن السبب الرئيسي لازدياد اللامساواة والفروقات الطبقية واتساع الفجوة الاقتصادية حول العالم ليس له أي علاقة بالحريات السياسية والديمقراطية. الإتحاد السوفياتي يقف على النقيض سياسيا من الولايات المتحدة ولكنه وكما ذكر المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي شهد نهضة إقتصادية متفوقا على الولايات المتحدة خصوصا مع إرسال أول قمر فضائي هو سبوتنك-1 ولم ينحدر الاقتصاد السوفياتي إلى الحضيض إلا مع مع إنهيار جدار برلين والقبول بشروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والتي تتلخص بخصخصة مؤسسات الدولة وشركاتها العامة واعتماد المبادئ الاقتصادية النيوليبرالية كإتفاقية التجارة الحرة والتخلي عن دعم السلع الأساسية والوقود المقدم لمواطنيه. إن حركة الإستعمار التي بدأتها دول كالبرتغال وإسبانيا وهولندا وبريطانيا ومن ثم الولايات المتحدة وإستمرار التدخلات الغربية في شؤون تلك الدول بعد إستقلالها هو المسؤول الأول والأخير عن وقوع تلك الدول في براثن الجهل والتخلف وتصنيفها كدول فقيرة خصوصا في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا التي شهدت أحد أسوأ فصول التدخل الإستعماري الأمريكي والغربي وأكثرها دموية على مر التاريخ.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment