Flag Counter

Flag Counter

Saturday, May 7, 2016

هل يعني إستهلاك أخر برميل من النفط نهاية الحضارة؟

كبداية بسيطة وسؤال أبسط نطرحه وهو هل يعد توفير النفط الرخيص نوعا من أنواع الدعم الغير علني للسلع والخدمات؟ سوف نأخذ مثالا بسيطا كبداية وهو نوع من أنواع السمك المفضل لدى الجميع, سمك السلمون.
تبدأ رحلة سمك السالمون حين إصطياده على سبيل المثال بالقرب من شواطئ النرويج حيث يتم نقله إلى أحد الموانئ النرويجية حيث سوف يتم شحنه إلى ميناء تصدير رئيسي قد يكون في هامبورغ الألمانية أو روتردام الهولندية ليتم شحنه مرة أخرى إلى أحد معامل المعالجة في الصين ليصار إلى تنظيفه وتقطيعه ويتم شحنه مرة أخرى إلى الأسواق الإستهلاكية المختلفة حول العالم. رحلة سمك السالمون منذ لحظة إصطياده حتى عرضه للبيع قد تصل لشهرين في ظروف من البرودة تضمن حفظه من التلف وعلى الرغم من ذالك يتم عرضه مرفقا بلوحة مكتوب عليها طازج.
في عالم العولة والتجارة الحرة فإن لا يوجد من يقيس المسافة بالأميال أو بالكيلومترات بل بتكلفة قطعها, أي بالدولارات.
إن ظاهرة توفر النفط الرخيص والتي جعلت من السالمون الذي يتم إصطياده بالقرب من سواحل النرويج متوفرا بأسعار معقولة في الكثير من الدول حول العالم, سوف تنتهي قريبا. سوف يكون هناك كميات أقل من السالمون متوفرة في الأسواق كما انه سوف يكون هناك عدد أقل من المطاعم لتناول ذالك السمك فيها.
قد يتسائل بعضهم عن سبب غلاء سعر السالمون أو نوع معين من الخضار أو الفواكه على الرغم من حلول الموسم وتوفرها بكميات كبيرة. والجواب هو سعر برميل النفط وهنا سوف نعود للنقطة المتعلقة بسمك السالمون مرة أخرى.
تخيلوا الطاقة المبذولة منذ لحظة إصطياد السالمون إلى وصوله في أطباق على موائدنا, وقود مراكب الصيد, وقود لسفن الشحن ووقود للشاحنات التي تنقله من وإلى الميناء, الطاقة المبذولة لتجميد ومعالجة السمك والطاقة المبذولة لعرضه في الأسواق التجارية والإستهلاكية. هل تعلمون أن الأسواق التجارية تستهلك كميات كبيرة الطاقة لكل قدم مربع؟
كمية كبيرة من الطاقة تبذل في سبيل إيصال ذالك السلمون إلى موائدنا مما يؤدي إلى بروز مصطلح يتم إستخدامه من قبل المختصين لوصف تلك الحالة وهو تناقص معدل العائد (Diminishing Rate Of Return).
ولتوضيح ذالك المصطلح لنفرض أن العائد من إستهلاك برميل نفط هي قوة عمل ٤٠٠ شخص فنختصرها بنسبة ١:٤٠٠ بينما السالمون يعتبر عائد غير مجزي يبرر كمية الطاقة المبذولة في صيده وتصنيعه وعرضه للمستهلكين. الطاقة تعني النفط. على الرغم من أننا نستخدم الغاز والفحم لتوليد الكهرباء ولكن السيارات والطائرات والشاحنات لا تعمل بالكهرباء بل بالنفط والإقتصاد العالمي يتمحور حول إنسيابية السلع والخدمات حول العالم, تلك الإنسيابية غير ممكنة بدون النفط.
ماذا يحصل لو إرتفع سعر السالمون؟ أو لو إرتفع سعر أجهزة الكمبيوتر؟ أو لو إرتفع سعر النفط؟ الجواب هو كساد إقتصادي سببه إرتفاع سعر النفط. النقطة المهمة التي يتم تفسيرها بشكل خاطئ هي أن إرتفاع أو إنخفاض أسعار النفط تأتي كنتيجة للكساد الإقتصادي ولكن الحقيقة هي أن تلك التقلبات السعرية هي سبب ذالك الكساد وليست نتيجة له.
إذا تتبعنا نماذج لحالات من الكساد الإقتصادي التي كان سببها الرئيسي إرتفاع سعر النفط فسوف نجد أن الحل كان جاهزا وهو إكتشافات نفطية جديدة لزيادة الإنتاج وإعادة الإنتعاش الإقتصادي. في السابق كان ذالك ممكنا حيث الحفر أمتار قليلة في باطن الأرض يؤدي لتدفق النفط وحيث كان العائد بنسبة ١٠٠:١(مائة برميل نفط لكل برميل نفط يتم إستخدامه كطاقة) فكما تعلمون أن إستخراج النفط من باطن الأرض عملية تتطلب كمية من الطاقة (الطاقة = النفط). كل الدلائل الأن تشير إلى أن معادلة ١:١٠٠ قد إنتهت إلى غير رجعة وأصبحت من الماضي. مثال بسيط هو مشروع النفط الرملي في مقاطعة ألبرتا الكندية حيث نسبة الطاقة المستخرجة إلى الطاقة المصروفة في عملية الإستخراج هي ١:٣ في أفضل الأحوال وعلى الرغم من ذالك فالجميع يتكلم عن ذالك المشروع كأنه الحل السحري لمشكلة نقص الإمدادات النفطية في العالم.
إثر الأزمة الإقتصادية ٢٠٠٧-٢٠٠٨ فقد هبط سعر النفط ٤٠ دولارا تقريبا للبرميل مما يعني أنه قد يكون وصل ٧٠ دولارا ولكن علينا أن نتذكر أن تلك الأسعار تعتبر مرتفعة قياسا بسعر ٣٠ أو ٤٠ دولارا للبرميل ولا تساعد على تحقيق إنتعاش إقتصادي حقيقي.
هناك عامل أخر يغفل عنه الكثيرون وله دوره في إرتفاع سعر النفط وهو المضاربون الذي يدركون أن هناك نقصا في الإمداد وزيادة في الطلب. ولكن في الكثير من الأحيان فإن المشكلة ليس في كمية النفط المعروضة مقابل الطلب بل هي في جشع هؤلاء السماسرة لتحقيق أكبر كمية أرباح ممكنة.
قد يثير إهتمام البعض الحديث عن زيادة الطلب ونقص العرض ولكن الجميع سوف يكون مهتما بمفهوم ذروة الإنتاج (Peak Oil) والذي يقود لسؤال أخر هو هل سوف ينفذ النفط من العالم في القريب العاجل؟
نفاذ النفط يعني نهاية الحضارة وذالك المفهوم ليس بواقعي ولا يتفق معه الكثيرون الذي يرون أنه على الرغم من وصول الإنتاج النفطي في الكثير من الدول ومنها أمريكا إلى مرحلة الذروة منذ وقت طويل فإن ذالك لا يعني نفاذ المخزون النفطي نهائيا ولكن تكلفة إستخراجه سوف تكون مرتفعة. معدل الإكتشافات النفطية الجديدة في إنحدار, بلغت ذروتها سنة ١٩٦٦,  بينما معدل وصول مناطق الإنتاج النفطي إلى مرحلة الذروة في تزايد وهناك من يذكرون فقدان ٤ مليون برميل يوميا نتيجة تناقص الإنتاج حيث يحتاج العالم إلى إكتشافات نفطية جديدة بما معدله ٢٠ مليون برميل نفطي يوميا للخمس سنوات القادمة للتعويض عن ذالك النقص.
وقد سخرت شركات النفط وقللت من قيمة جميع الدراسات لتي توقعت وصول الإنتاج النفطي في بعض البلدان إلى مرحلة الذروة وتناقصه بعد ذالك. مثال بسيط الإنتاج النفطي في الولايات المتحدة وصل الذروة سنة ١٩٧٠بأكثر قليلا من عشرة ملايين برميل ولكنه منذ ذالك الوقت في إنخفاض مستمر.
لكن لا نستطيع المرور على مرحلة ذروة الإنتاج وإنخفاضه من دون طرح السؤال عن دور منظمة الأوبك (OPEC) وتأثير قراراتها على إرتفاع وإنخفاض سعر النفط.
سعر برميل النفط مر بتقلبات سعرية من ٢٠ دولار للبرميل ثم ٣٠ دولارا و٧٠ دولارا حتى إرتفاعه إلى مستوى تجاوز ١٠٠ دولار للبرميل وإنخفاضه إثر أزمة ٢٠٠٧-٢٠٠٨ وإرتفاعه مرة أخرى بعد ذالك. سعر ٣٠ دولار لبرميل النفط وهو السعر التقريبي في وقتنا الحالي كان يعتبر مثيرا للإنتباه وتطورا غيرمرغوب في المستوى السعر للبرميل فكيف وحاجز السعر يتجاوز ١٠٠ دولار.
الكثيرون كانوا يتأملون تدخل الدول في منظمة الأوبك لخفض الأسعار وعودها إلى نطاقها الطبيعي ولكن هل للدول التي تجن عائدات نفطية تجاوزت ١٠٠ دولار للبرميل أي مصلحة في خفض الأسعار؟
تلك كانت نقطة مهمة والنقطة الأخرى الأهم هي أن منظمة الأوبك لا تملك أي قدرة على التأثير على المستوى السعري لبرميل النفط كما كانت في السابق. قانون العرض والطلب هو المتحكم في الأسواق النفطية وليس قرارات منظمة أوبك أو هكذا يظن الكثيرون.
هناك عامل أخر يهدد الصادرات النفطية في المستقبل وقد لا يلتفت إليه الكثيرون وهو إرتفاع الإستهلاك الداخلي للنفط في الدول المنتجة حيث النفط يباع بالسعر المدعوم وخصوصا في دول الأوبك. هناك دول عديدة مستهلكة للنفط سوف تتأثر بذالك العامل ولعل أهمها الولايات المتحدة الأمريكية التي تستهلك ربع الإنتاج النفطي في العالم وتنتج ١\١٠ من إحتياجاتها النفطة.
النقطة الغير مفهومة للكثيرين هي وإنه لسنوات عديدة فقد إرتفع الطلب على النفط على الرغم من إرتفاع السعر لأنه من المعلوم أنه بتطبيق قانون العرض والطلب فإن إرتفاع السعر يصحبه إنخفاض الطلب ولكن ذالك القانون لم ينطبق في تلك الحالة على تسعير بيع وشراء النفط. إنتاج النفط في حالة شبه جمود منذ سنة ٢٠٠٥ والأسعار في إرتفاع وعلى الرغم من ذالك يزداد الطلب مما خلق فجوة لم يتم ردمها بزيادة الإنتاج منذ تاريخه. تلك الفجوة سوف تكون برأي دائمة ومستمرة ودراسة بسيطة للإحصائيات أنه بسبب حالة الركود الإقتصادي سنة ٢٠٠٧-٢٠٠٨ وبالتحديد أوغسطس ٢٠٠٨ فالأمريكيون قاموا بالقيادة لمسافه ١٥مليار ميل أقل من المسافة التي قاموا بقيادتها قبل ذالك التاريخ ولكن كان هناك الكثير من السائقين في أماكن أخرى من العالم سعداء بقيادة تلك المسافة بدلا من السائقين الأمريكيين. إستهلاك أمريكا من النفط ل في تلك الفترة ولكن كان هناك بلدان أخرى سعيدة بتوفر كميات إضافية من النفط هم في أمس الحاجة إليها. الولايات المتحدة سوف تعد من أكبر المتضريين من إرتفاع أسعار النفط ولديهم حساسية عالية لأي تقلبات سعرية سوف تعتبر ليست في صالحهم. إرتفاع أسعار النفط قد يتسبب بإرتفاع سعر الوقود لذي يتم بيعه في المحطات للسائقين الأمريكيين إلى ٧ دولار للجالون و٢ دولار في كندا وأما أوروبا فهم يدفعون تلك المستويات السعرية منذ زمن طويل وذالك في محاولة من الحكومات الأوروبية للحد من إستهلاك الطاقة الكهربائية وتوفير فاتور الطاقة.
ليس إرتفاع سعر الوقود هو التأثير الوحيد للتقلبات في سعر النفط بل سوف يؤثر ذالك على حياتنا بالمجمل حيث سوف نعيش في مجتمعات ذات كثافة سكانية أكبر ونقود سيارات أصغر وحتى حجم المنازل التي نعيش فيها سوف يقل حيث علينا التكيف مع الكثير من المتغيراتمنها مثلا أن علينا التعود على ركوب وسائل المواصلات العامة.
في عالم يرتفع سعر النفط إلى مستوى ١٠٠ دولار للبرميل أو أكثر فسوف تكون المسافة تكلف المزيد من المال حيث سوف ترتفع تكلفة السفر والميزة التي تتمتع بها الصين بخصوص تكلفة العمالة الرخيصة سوف تكون قابلة للتلاشي حيث سوف يتسبب إرتفاع سعر النفط بعودة المصانع المهاجرة بحثا عن العمالة الرخيصة لبلادها.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية

No comments:

Post a Comment