يعاني العالم من مشكلة الإدمان على الطاقة وخصوصا في الولايات المتحدة حيث قام تحالف مؤلف من شركات تصنيع السيارات, الإطارات والنفط منذ بداية سنة 1930 تقريبا بشراء شركات السكك الحديدية والعربات الكهربائية(Trolleybus) وببساطة إحالتها على التقاعد. كما تم بناء المنازل في الضواحي بعيدا عن مراكز الأعمال والمصالح التجارية وتحول إقتناء السيارة من رفاهية إلى ضرورة من ضروريات الحياة.
هناك من يشتكي في الولايات المتحدة من إرتفاع أسعار الوقود حيث مرت فترات عصيبة على سائقي السيارات وهواة قيادة الدراجات النارية خصوصا في الفترة التي تلت الإنقلاب على شاه إيران محمد رضا بهلوي سنة 1979, فترة الحظر النفطي سنة 1973 وسنة 2008 حين إرتفع سعر وقود السيارات إلى 4 دولار\الجالون مقارنة بسعر 1.80 دولار للجالون سنة 1980.
وحتى تتكون لدينا صورة واضحة عن التأثير الذي يحدثة إرتفاع أسعار الوقود فما علينا إلا الرجوع للذاكرة إلى فترة العدوان الغربي على يوغسلافيا حيث تسببت ندرة الوقود بإرتفاع سعره إلى 36 للجالون. الشوارع كانت شبه فارغة في العاصمة اليوغسلافية بيلغراد بإستثناء بعض سيارات التكسي وباصات النقل العمومية, الحانات ممتلئة والكثير من الأشخاص يحاولون الإنتهاء من روتينهم اليومي مشيا على الأقدام أو بإستخدام وسائل النقل العمومية أو ركوبا على الدراجات الهوائية أو أي وسيلة نقل متوفرة.
في الولايات المتحدة حيث أن أكثر من 50% من الطاقة المستهلكة تكون على شكل وقود لمركبات النقل, هناك حساسية لأي إرتفاع حتى لو طفيف في أسعار الوقود. عندما إرتفعت اسعار جالون الوقود إلى 8 دولار سنة 2008 تم إعتبار ذالك الإرتفاع كارثيا. سنة 1980 كان إستهلاك الوقود يلتهم 20% من دخل الأسرة الأمريكية بينما في سنة 2000 إنخفض ذالك إلى 5%.
هناك من يروجون لنظرية مفادها ان توفر الوقود الرخيص يشجع على زيادة الإستهلاك والحل يكون بزيادة سعره عن طريق فرض الضرائب ورفع أي دعم عن الوقود حتى يصل السعر إلى 7 دولار\الجالون. المشكلة أن من يحصرون الموضوع بالحد من العادات السيئة لمدمني القيادة غير مهتمين بالأعراض الجانبية لرفع أسعار الوقود كموجة التضخم التي تلي رفع الدعم عن الوقود وإرتفاع الأسعار إبتداء من المواد الغذائية, مواد البناء, الكهرباء, المياه وجميع الخدمات الأساسية.
في أوروبا فإن السائقين وهواة ركوب الدراجات النارية يدفعون أسعار تقترب من 7 دولار\جالون منذ زمن طويل وذالك يرجع إلى الضرائب العالية على الوقود. ولكن في أوروبا فإن العادات تختلف حيث يفضل الكثير من الأوروبيين قضاء حاجياتهم اليومية مشيا على الأقدام أو ركوب الدراجات خصوصا حين تكون حالة الجو ملائمة. في بلدان مثل الدانيمرك وهولندا فإن ركوب الدراجات الهوائية يعتبر عادة وليس إستثناء كالولايات المتحدة حيث ليس من المستغرب أن ترى وزير هولنديا يذهب يوميا لمقر عمله راكبا الدراجة الهوائية. كما أنه هناك مسارب مخصصة للدراجات الهوائية في الكثير من المدن الأوروبية وأماكن لإيقافها بالقرب من الأماكن المزدحمة التي يتردد عليها المواطنون بشكل يومي كالأسواق التجارية.
في بريطانيا فإن 60% من المواطنين يستخدمون السيارة كواسطة نقل إلى أعمالهم مقارنة بنسبة 90% في الولايات المتحدة. في بريطانيا 30% من الأسر تمتلك أكثر من سيارة مقارنة بنسبة 60% في الولايات المتحدة. بريطانيا تأتي في المرتبة 23 نسبة إمتلاك السيارات إلى عدد السكان مقارنة بالولايات المتحدة التي تحتل المركز الثاني. كما أن السائقين في الولايات المتحدة يقطعون أميالا أكثر من نظرائهم البريطانيين بمدل أربع رحلات و21 ميلا في اليوم الواحد مقارنة برحلتين و7 أميال للبريطانيين. 30% من البريطانيين لايمتلكون مركبات مقارنة بنسبة 10% من الأمريكيين ممن يملكون على الأقل مركبة واحدة.
وتصل درجة الإختلاف بين بريطانيا والولايات المتحدة حتى في انواع المركبات التي تبيعها شركات السيارات الأمريكية مثل فورد وجينرال موتورز في الولايات المتحدة مقارنة بأوروبا حيث تتميز بإنخفاض قوة المحرك ونسبة إستهلاكها للوقود.
مصانع شركة جينرال موتورز في أوروبا تنتج السيارة التي تحتل ثاني أكبر نسبة مبيعات في أوروبا خلف سيارة جولف فولكسفاجن(Volkswagen Golf). تلك السيارة تدعى اوبل أسترا(Opel Astra) حيث أعلنت الشركة أنها سوف تقوم بشحن أعداد كبيرة منها للولايات المتحدة من مصانعها في بلجيكا وذالك بعد تبين لها خطأ حساباتها فيما يتعلق بشعبية تلك السيارة عندما وصل سعر الوقود في الولايات المتحدة إلى 4 دولار\جالون.
الكثير من الأمريكيين سمعوا عن سيارة بولو التي تنتجها أيضا شركة فولكسفاجن الألمانية(Volkswagen Polo) والتي تعد أصغر من سيارة الجولف والتي تتميز بصغر حجمها وسهولة ركنها في أصغر المساحات الممكنة حيث تعد خيارا يصبح أكثر شعبية وقبولا مع مرور الوقت.
ولكن ماذا عن مصادر الطاقة المتجددة وهل من الممكن أن تكون بديلا مقبولا عن مصادر الطاقة التقليدية؟
لو كان من الممكن توليد الكهرباء بواسطتها والإستغناء كليا عن النفط والفحم فذالك سوف يكون الحلم الذي يتحول إلى حقيقة ولكنه للأسف سوف يبقى حلما. دولة مثل الدانيمرك والتي تعد رائدة في ذالك المجال وتعتمد نسبة 11% من دخلها القومي على تصدير تكنولوجيا الطاقة البديلة لم تصل لدرجة إحلال الطاقة البديلة أكثر من نسبة 13%-20% حسب أكثر التقديرات تفائلا.
هناك الكثير من العوائق امام مصادر الطاقة البديلة لتحل محل النفط. تلك العوائق قد تكون لوجستية أو متعلقة بالتكلفة. فمثلا بناء محطات توليد طاقة كهربائية تعتمد على الفحم كمصدر رئيسي يتوجب تركيب أنظمة فلترة متطورة تقوم بإحتجاز الإنبعاثات الضارة ونقلها عبر أنابيب أو شاحنات لتخزينها وتلك عملية تعد مستهلكة للطاقة وذات كلفة عالية. الهيدروجين أيضا يعد مكلفا وهناك أعتبارات متعلقة بالسلامة العامة وحتى بتكلفة السيارة التي من المفترض أنها تسير على الهيدروجين.
سوف تستمر جهود العلماء والمختصين في مجال زيادة نسبة الإعتماد على الطاقة البديلة كمصدر للكهرباء ومحاولة إختراع سيارة كهربائية أو هجينة مثالية على الرغم من كون الوقود السائل من الناحية العملية يحوي 20 مرة كمية طاقة مختزنة أكثر من بطارية السيارات الكهربائية المفترضة.
أود أن أختم الموضوع بملاحظة مهمة هو أن الدعاية المضللة تعتمد دائما على التلاعب بنقطة حيوية وهي ندرة الموارد الطبيعية وذالك في محاولة منها لتبرير الإستمرار في إرتفاع أسعارها عالميا. الحل برأي هو إعادة أحياء أبحاث العالم العبقري نيكولا تسلا والمتعلقة بالطاقة ونشر الوعي بين المواطنين خصوصا في العالم العربي إقتداء باليابان والتي قرأت ولست أعلم مدى صحة الخبر أن مواطنيها يقومون بالتوقف عن إستخدام الطاقة الكهربائية كإطفاء أنوار بيوتهم وأي أجهزة كهربائية طوعيا في اوقات التقنين التي تعلنها الحكومة وخصوصا بعد كارثة مفاعل فوكوشيما.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
النهاية
No comments:
Post a Comment